شهدت العلاقات التونسية الإماراتية توترًا كبيرًا في السنوات الأخيرة التي تلت 14 من يناير خاصة بعد وصول حزب حركة النهضة إلى الحكم بعد انتخابات أكتوبر 2014.
الفتور الدبلوماسي بين البلدين وغياب التعاون بينهما ظل قائمًا طيلة فترة حكم حركة النهضة وطوال ترؤس المنصف المرزوقي لرئاسة البلاد وهو ما عجل بسعي الإمارات لإيجاد بديل مثالي للنهضة والمرزوقي على التوالي وهو ما تحقق لها عندما دعمت حزب نداء تونس قبل الانتخابات الأخيرة.
بعد الدعم الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة لحزب نداء تونس ومرشحه الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2014، كان من المتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين، بعد فوز هذا الأخير، إحياءً للتعاون الاقتصادي ونموًا لمشاريع استثمارية كبيرة.
لم يكن خافيًا على أحد أن الإمارات كانت تكن كثيرًا من الود لقائد السبسي قبل فوزه بالانتخابات، وقامت بإهداء سياراتين له كتعبير عن ذلك الود، كما وصفت الصحافة الإماراتية نداء تونس بأنه حزب علماني في مواجهة حزب إسلامي.
إلا أن “شهر العسل” بين الطرفين انتهى قبل أن يبدأ، وفق ما أوردته مجلة “جون أفريك”، حيث تم في هذا الإطار إلغاء العديد من الزيارات التي كان من المقرر أن يقوم بها السبسي للإمارات، والأخطر من هذا أنه تم وقف منح تأشيرات دخول للإمارات للمواطنين التونسيين بتعلة أسباب أمنية.
وبمقتضى ذلك منعت دبي التونسيين من الحصول على تأشيرة الدخول إليها لمباشرة أعمالهم أو مشاريعهم التي يشرفون عليها، وهو ما نتج عنه استياء التونسيين المقيمين بالإمارات العربية المتحدة باعتبار أن ذلك فيه تعطيل لمصالحهم.
المنع لم يشمل فقط المقيمين أو أصحاب المشاريع هناك بل شمل أيضًا مهندسين وأطباء مرتبطين بمباشرة تظاهرات عالمية وحاصلين على دعوة لتأثيث التظاهرة، ووصل المنع حتى لمنح التونسيين المولودين بدولة الإمارات الجنسية والتعبير عن عدم رغبتهم بتسجيلهم وذلك من خلال التلكؤ بفترات تتجاوز الثلاثة أشهر أو أكثر.
وبحسب “جون أفريك”، فإن سبب التوتر في العلاقات بين البلدين يعود إلى ملف قضية تولاها قاض مقرب من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يترأسه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، وتتعلق القضية باختلاس في القطاع العقاري، وقام القاضي المذكور بتوجيه دعوة إلى حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلا أن بعض المصادر الأخرى أكدت أن حقيقة ما آلت إليه الأزمة بين البلدين مردها بالدرجة الأولى رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بتنفيذ قرار محاربة الإسلاميين الصادر من الإمارات.
اتهامات الإعلاميين والسياسيين للإمارات
في 5 من شهر ديسمبر 2014 وقبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية بأسبوعين، قال الإعلامي التونسي صالح عطية في حصة بالمرصاد التي تذاع على قناة الزيتونة إنه حصل على معلومات تؤكد وجود خلية أزمة بدولة الإمارات يديرها محمد دحلان ومن بين عملائها في تونس القيادي بحركة نداء تونس محسن مرزوق، وأكد عطية أن هذه الخلية كلفت مرزوق باغتيال شخصيات سياسية مرموقة في تونس والقيام بانقلاب إذا فاز المنصف المرزوقي في الدور الثاني، وقد طالب عطية وقتها من الأمين العام المستقيل من حزب نداء تونس محسن مرزوق أن يتدخل في الحصة مباشرة لنفي أو إثبات هذه المعلومات لكنه لم يتدخل.
كما كشف الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات أثناء مداخلته على قناة نسمة التونسية الخاصة في 18 من شهر مايو 2015، أن الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي أعلمه في لقاء خاص أن دولة الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس إلا أن الأخير رفض ذلك وفضل سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء.
وكان الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة عدنان منصر أكد في حواره مع وطن في 30 ديسمبر الماضي أن هناك مشكلة واضحة في العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، هناك استعداء من طرف هذه الدولة للتجربة الديمقراطية التونسية وهو استعداء تجسم في كثير من المحاولات للسيطرة على القرار التونسي بضخ الكثير من الأموال في الساحة التونسية ودفع الأمور في اتجاه يشبه ما حدث في مصر، ولقتل حلم التونسيين في انتقال ديمقراطي سلمي وتشويه العملية السياسية في بلدنا وهذا أمر مؤسف جدًا.
كما كشف النائب السابق والقيادي بحزب المؤتمر بشير النفزي في تدوينة له على صفحته في الفيسبوك في سبتمبر الماضي، رفض الإمارات منح التأشيرة لمحسن مرزوق وبعض أعضاء نداء تونس للقيام بتعزيتها في وفاة نجل حاكم دبي.
وسائل الإعلام تدخل على الخط
موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، هو الآخر نشر تقريرين متتالين في أواخر العام 2015، اتهم فيهما الإمارات بالوقوف خلف عدم الاستقرار في تونس لرفض الرئيس التونسي قائد السبسي تكرار نموذج السيسي في مصر بالسعي لسحق الإخوان.
وقال الموقع في تقريره الثاني في شهر ديسمبر الماضي، إن أبوظبي تسعى لإنهاء الانتقال الديمقراطي في تونس وإعادة البلاد إلى الحكم الاستبدادي، وفقًا لتفاصيل اجتماع بين كبار المسؤولين العسكريين من دول الخليج والجزائر.
وتابع الموقع قائلاً، أحدث الفضائح، من مصدر تونسي رفيع المستوى، تأتي بعد أن أعلنا أن أبوظبي قد هددت بزعزعة استقرار تونس لأن الرئيس الباجي قائد السبسي رفض عرضًا من أبوظبي لقمع الحركة الإسلامية التونسية النهضة.
وأكد الموقع أن قائد الجيش الجزائري عارض الخطة الإماراتية قائلاً: “تونس خط أحمر وسوف نعتبر زعزعة الاستقرار تهديدًا للأمن الوطني الجزائري”، وأشار الموقع إلى أن المسؤولين الجزائريين مرروا خطة أبوظبي للنظام التونسي.
من جهتها تناولت فضائية فرانس 24 في شهر سبتمبر الماضي، موضوع الخلافات الإماراتية التونسية في حصة خاصة بعنوان “تونس والإمارات توتر عابر أم أزمة عميقة”، للبحث عن أسباب الأزمة بين البلدين خاصة من الجانب الإماراتي، وكان من بين ضيوف الحصة الممثل عن حزب نداء تونس مروان فلفال والممثل عن الجبهة الشعبية بباريس لطفي الهمامي، وقد انتقد الأخير في تلك الحصة من يحاول التقليل من حجم الأزمة بين البلدين، مؤكدًا وجود خلاف حقيقي من بين أسبابه عدم إيفاء الإمارات بوعدها تقديم سيولة مالية والقيام بالعديد من المشاريع في تونس.
الإمارات تستدعي سفيرها لدى تونس عام 2013
وفي 27 سبتمبر 2013، استدعت وزارة الخارجية الإماراتية سفيرها لدى تونس، سالم القطام الزعابي، إلى العاصمة أبوظبي، في أعقاب هجوم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، على مصر ومطالبته بإطلاق سراح الرئيس المصري المنقلب عليه محمد مرسي.
وبحسب تصريح بثته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية وقتها، فإن مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية طارق الهيدان علل ذلك القرار بأن “وزارة الخارجية بدولة الإمارات استدعت سالم القطام الزعابي سفير الدولة في تونس إلى أبو ظبي للتشاور حول المستجدات في العلاقات بين البلدين”، دون أن يُحدد الأسباب الكامنة وراء هذه الخطوة ولا طبيعة هذه المستجدات.
من جهتها نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن صحيفة الخليج الإماراتية، قولها إن تصريحات المرزوقي كانت تدخلًا فجًا وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنها تشكيك في إرادة الشعب المصري، إلى جانب كونها دفاعًا مكشوفًا عن جماعة بحد ذاتها، لا حرصًا على الديمقراطية”، في إشارة إلى دعوة الرئيس التونسي من على منبر الأمم المتحدة السلطات المصرية المؤقتة للإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي.
وأضافت الصحيفة “على الساسة في تونس، وعلى رأسهم المرزوقي بكل تأكيد، الالتفات إلى ما تمر به بلادهم من تطورات وحراك جماهيري، بدل محاولة تصدير أزمتهم إلى الجيران”؛ مما يؤكد ما ذهبت إليه وسائل الإعلام التونسية المحلية عندما ربطت الخطوة الإماراتية بتصريحات المرزوقي التي طالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصري محمد مرسي.
بين المرزوقي وقائد السبسي
وقبل أيام اتهم الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في أكثر من ظهور إعلامي له “دولة الإمارات بأنها عدو للثورات العربية وتمول الانقلابات”، حيث أكد في حواره مع صحيفة العربي الجديد الأربعاء 20 يناير الجاري أن “الثورات المضادة التي قامت بعقل وتفكير إسرائيلي ومال إماراتي – أقول إماراتي على مسؤوليتي – وتنفيذ محلي، كان لديها غرفة عمليات موازية لغرف عمليات الثورات، وحرفت الثورات عبر المال والإعلام الفاسد، الذي نفذ أجندة الثورات المضادة”.
في حين نفى الرئيس التونسي ذلك أكثر من مرة وآخرها ما صرح به لوسائل الإعلام البحرينية الخميس 28 يناير الجاري “أن علاقات تونس مع كل من قطر والإمارات طيبة ونحن بصدد إرجاع العلاقات إلى أصلها وأعتقد أن الجميع الآن يبارك ما حدث في تونس”.
وكان الرئيس التونسي نفى في شهر أكتوبر الماضي، وجود خلاف بين بلاده ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيرًا إلى أن الإمارات دولة صديقة وشقيقة لتونس، كما أن علاقته الشخصية مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان كانت قوية، حيث إنه كان رجلاً حكيمًا، ونفى السبسي طلبه من الرئيس عبدالفتاح السيسي التدخل لحل الأزمة بين تونس والإمارات لأنها ليست موجودة من الأساس.
جدير بالذكر أن الرئيس التونسي لم يزر الإمارات منذ شهر سبتمبر الماضي في حين أكد مستشاره السياسي وقتها ووزير الخارجية التونسية الحالي، خميس الجهيناوي، أن السبسي سيزور الإمارات خلال شهر أكتوبر 2015.