تحل علينا هذه الأيام الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير التى نجحت فى إسقاط مبارك قبل عودة الجيش إلى صدارة المشهد عبر انقلاب دموى، من جهتها تحاول الحركات الثورية استثمار تلك الذكرى من أجل زيادة وتيرة الاحتجاج بينما تذهب أحلام البعض إلى تكرار مشهد يناير ورحيل النظام الحالى إلا أن ذلك لن يتحقق فلماذا ؟
سأحاول الإجابة على هذا السؤال من خلال ثلاث أسباب رئيسية :
النظام يتمتع بظهير شعبى “حالة انقسام مجتمعى”
ما يزال نظام 3/7 يتمتع بظهير شعبى يمكنه من البقاء وإن تراجعت حدته وخفت تفاؤله بالمستقبل فالشارع المصرى لا يزال فى حالة انقسام حقيقية تجاه النظام بين مؤيد ومعارض ولا يزال يمتلك النظام كتلة من المؤيدين النشطين المستعدين للدفاع عنه والنزول لتأييده إن أحسوا بالخطر.
لهذا السبب على المعارضة توجيه مزيد من الجهد والعمل إلى عملية الوعى واستقطاب شرائح المجتمع التى ما زالت تؤيد النظام إلى معارضته وذلك باستخدام رسائل ووسائل مناسبة لذلك والتوقف عن مخاطبة الذات وبث رسائل المحنة والحديث عن الانتهاكات الحقوقية البشعة التى تخيف الناس ولنا فى تجربة تشيلى فى اسقاط بينوشيه العبرة ( أنصح بمشاهدة فيلم No ).
بينما المعارضة تبذل أغلب جهدها فى تنظيم المظاهرات الاحتجاجية ومواجهة الشرطة والفرار منها وهى الوسيلة التى تفيد إذا نجحت فى إيصال رسالة إلى المجتمع الذى يشاهدها أو فى حسم الصراع مع السلطة بالمسيرات الحاشدة التى يفشل النظام فى مواجهتها بينما ذلك لا يتحقق من التظاهر لمدة خمس دقائق بأعداد قليلة لذلك أرى أن تلك الخطوة تأتى ثانيا بعد فعاليات قليلة الخطورة وتستهدف توعية عموم الناس وعزل الدكتاتورعن مؤيديه فيقوم وقتها الناس بالتحرك بأنفسهم ومواجهة الشرطة ولا تكون المعارضة نائبة عنهم فى ذلك .
غياب حالة الوحدة
بينما رأينا فى السبب الأول حالة انقسام مجتمعى تجاه السلطة فلدينا هنا حالة انقسام أخرى إلا أنها هذه المرة بين معارضى السلطة أنفسهم وإن خفت حدتها كذلك مع مرور الوقت والمشاركة فى قمع السلطة لهم إلا أنه يظل من العسير الوصول إلى حالة وحدة بين مكونات المعارضة المختلفة حيث تعانى تلك المكونات من حالة عدم ثقة متبادلة فتأتى التحركات الاحتجاجية معبرة عن فصيل أو تيار وليست تعبيرا عن حالة عامة.
أهمية حالة الوحدة المنشودة أن الثورات الشعبية تعتمد بالأساس على الأعداد الضخمة وتنوع تلك الحشود التى لا يستطيع فصيل مهما بلغ عدد مؤيديه حشدهم وحده كما أن كل دكتاتور يعمل بمبدأ “فرق تسد” ولذلك تنجح السلطة الضعيفة فى البقاء على رأس مجتمعات أضعف منها طالما لم تنتبه الأطراف المعارضة إلى الخصم المشترك.
حتى نتغلب على ذلك السبب على كافة الأطراف المعارضة فهم وإدراك حتمية تحقيق الوحدة إن أرادوا كسب الصراع ضد الحكم العسكرى وذلك يكون ببناء الثقة أولا بين بعضهم البعض وتأجيل الخلافات التى يمكن حلها على طاولة التفاوض وفى ميادين السياسة وصناديق الانتخاب لا صناديق الموتى وزنازين الحبس كما يحل النظام الحالى خلافاته مع خصومه.
غياب البديل “رؤية للمستقبل”
ليس ثمة مشروع واضح تعرضه المعارضة على الشعب ليلتف حوله ويشاركهم الثورة من أجله كما ليس ثمة بديل سواء شخص أو مؤسسة يبدو جاهز ليتقدم المسيرة مع نجاح سياسة النظام فى إسقاط كل الرموز وإثبات فشل المدنيين فى الحكم فيلجأ الناس بطبيعة الحال إلى الجيش كمنقذ من الفوضى , يصاحب ذلك شعارات تعود من جديد وترددها أبواق النظام على مسامع الناس مثل ” هنشيل السيسى ونجيب مين ؟! ” وسبقها ” مرشح الضرورة ” وغيرها من الكلمات التى تعودنا سماعها من إعلام مبارك لسنوات.
ومع استمرار غياب رؤية للمستقبل تمس احتياجات عموم الناس ويجدوا فيها مصالحهم الشخصية والحياتية وتكون أيضا واقعية قابلة للتحقق بمعنى أنها لا تكون مجرد أوهام وأحلام خيالية فلا يتوقع من الناس أن تتحرك وتنضم إلى الثورة ; ذلك أن الناس بطبيعتها لا تتحرك إلا إذا اعتقدت أن التغيير سيكون لمصلحتها وأنه قريب المنال وعندما ترى أمامها بديل ومستقبل واضح فالشعوب تخشى الفوضى وتفضل الاستقرار والأمن على حريتها أحيانا كثيرة.
هذه ثلاث أسباب رئيسية أرى أنها تعيق نجاح الموجات الثورية التى تحاول المعارضة تنظيمها سواء يناير الحالية أو ما قبلها أو ما بعدها ما لم يتم التعامل مع الأسباب المذكورة وإصلاحها لمن أراد ثورة شعبية تسقط هذا النظام.