في ذكرى الهولوكوست (أكذوبة الستة ملايين)، هكذا يدعوها العديد من مؤرخي العصر الحديث باعتبارها أحد الأساطير الموروجة لتأسيس الدولة الإسرائيلية ، بالضبط كما يدعوها المؤرخ الفرنسي “روجيه جارودي” في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، باعتبار الهولوكوست أكذوبة سينمائية بحتة استغلتها السينما العالمية وخاصة الأمريكية في الإقناع المستمر بأيدلوجية الدولة الإسرائيلة وتبرير أسباب قيامها، عن طريق الإبتزاز العاطفي باستخدام الدراما منذ حدوث الهولوكوست وحتى يومنا هذا.
تعتبر سينما الهولوكوست إحدى أسرع الطرق لتحقيق حلم الوطن القومي لليهود، فمنذ نهاية أربعينات القرن الماضي، توجت السينما العديد من الأفلام السينمائية والوثائقية التي تتبنى وجهات نظر متعددة تصب في صالح نفس المبدأ، وهو تبرير للوطن القومي لليهود، لم يتم حسم الأمر على السينما فقط، بل توج تاريخ الهولوكوست المناهج الدراسية للطفل الأمريكي والأوروبي، وجعل الأطفال يشبون على كره شيء يكاد يجزم البعض على عدم وجوده من الأساس، إلا أن تلك الافتراضات والإدعاءات تكاد تكون متأخرة للغاية بعد تلاعب السينما العالمية مع المؤرخين والمؤلفين بالتاريخ والحقائق.
كرست سينما الهولوكوست حقائق معنا منذ الصغر يزعم العديد بكونها أكاذيب تم التلاعب بها حتى صدقها الجميع، أولها هي أكذوبة ” الستة ملايين شهيد”، والتي كان هدفها الرئيسي هو الحصول على دعم عالمي وأكبر قدر من التعويضات، إلا أن الواقع يثبت العكس، الهولوكوست ليست فقط إبادة لليهود، أصل كلمة الهولوكوست يعود إلى الإبادة الجماعية من قبل النازية لأي شيء يخالفها، وليس فقط معناه حرق القربان أو محرقة اليهود كما يستخدمها يهود العالم الآن، استهدفت النازية مجموعات عديدة من غير اليهود، على الرغم من عدم دقة الإحصائيات والأرقام إلا أنه بلغ عدد ضحايا ذوي الاحتياجات الخاصة في الهولوكوست إلى 270.000 ألف ضحية، وعدد ضحايا الشواذ جنسيًا إلى 15.000، كما تقارب عدد البولونيين مع عدد ضحايا اليهود ووصل إلى ما يقرب من 2 مليون ضحية، كما وصل ضحايا أعضاء الاتحاد السوفيتي إلى ما يقرب من 3-2 مليون، لذا يعود الأمر عند الحديث عن الضحايا إلى أي تعريف يستخدمه التاريخ عن ذكر الهولوكوست، ما إن كان التعريف الخاص بالإبادة الجماعية لليهود، أو محرقة اليهود، أو الإبادة الجماعية من قبل النازية لكل ما يخالف أو يخرج عن النازية.
الأكذوبة الثانية التي لعبتها السينما هي بأن الهولوكوست أكبر مذبحة جماعية في العالم، إلا أن التاريخ يكذب ذلك بجدارة، فكان عدد الهنود الحمر 80 مليونا، أبادت أمريكا منهم 60 مليونا، كما يقدر بعض المؤرخين أن عدد من قتلتهم أمريكا من سكان أفريقيا أثناء أسرها كعبيد ونقلهم إلى أمريكا قد يزيد على 100 مليون إنسان.
الأكذوبة الثالثة هي أن قيام دولة إسرائيل هو الرد الإلهي على الهولوكوست، إلا أن الهولوكوست في حد ذاتها هي مكسب لليهود من كل الجوانب بداية من الحصول على تعويضات مالية من أوروبا وأمريكا بالإضافة إلى تسهيل الهجرة إلى إسرائيل قبل إعلانها دولة لليهود في ذلك الوقت تعويضًا للهولوكوست.
ثم تأتي أفران الغاز، تلك الهالة من الرعب حول فكرة أفران الغاز التي أحرق فياا النازيون ما يقرب من مليوني يهودي، والتي استغلتها السينما العالمية بشكل احترافي مثير للإعجاب للتهويل والمبالغة في قضية الهولوكوست، رغم أن كتاب التاريخ المعاصر أثاروا الشكوك حول ميكانيكية عمل أفران الغاز، حيث من وجهة نظر التطبيق العملي يقول راسينييه -أستاذ التاريخ المعاصر بفرنسا- في كتابه ” صناعة الهولوكوست” بأنه يلزم ساعتين كاملتين لحرق جثة واحدة على الأقل، مما يثير الشك في قابلية أفران الغاز على قتل ذلك العدد المزعوم من اليهود حاليًا.
كيف تناولت بعض أفلام السينما المناظرة قضية الهولوكوست:
1-عازف البيانو The Pianist:
الفيلم الحائز على ثلاث جوائز أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس وأفضل ممثل وأفضل مخرج لـ”رومان بولانيسكي”، والذي يروي تفاصيل الاجتياح النازي لمدينة العازف عام 1939 وتحويلتها إلى مخيم غيتو” المخيمات التي حبس فيها النازيون اليهود” والذي ضم أكثر من 400 يهودي، الفيلم يتسم بالدراما الواقعية ليلقبه البعض بدراما الموسيقى والحرب، يروي الفيلم قصة “شبيلمان” عازف البيانو الذي عاش الهولوكوست وفقد أهله دون أن يكون من الضحايا واطلاعه على أحداث الحرب في ذلك الوقت من وراء حاجز أو من وراء نافذة أو من فجوة في الجدار دون أن يكون جزءًا رئيسي من الكادر، الجديد في فيلم عازف البيانو هو النهاية الغير تقليدية لبطل الفيلم، وهي الموت في بولندا دون أن يغادرها كما فعل أبناء قومه، على عكس النهاية المتوقعة وهي موته في إسرائيل (وطن اليهود الجديد)، كما أن الفيلم سلط الضوء على خيانة اليهود بعضهم البعض وتسليمهم للنازيين، والذي كان بُعدًا آخر يتناول قضية الهولوكوست بطريقة تختلف عن غيره من الأفلام، كما أن ما أنقذ البطل في النهاية هو ليس كونه يهوديًا أو بولندي بل أنقذه شيء يبعد كل البعد عن الأيدولوجيات وهو حبه للموسيقى، كما يجب الذكر بأن الفيلم لا يخلو من التعاطف الشديد الذي يجعل المشاهد يقف في صف اليهود قلبًا وقالبًا متناسيًا ما يفلعوه بالمثل على الأراضي الفلسطينية، وهو الذي اتفق فيه الفيلم مع باقي أفلام سينما الهولوكوست وهو التبرير الواضح لإسرائيل والإسرائيلين.
2- إمرأة من ذهب ( (Woman in Gold) :
الفيلم يتناول قضية أخرى وهي سرقة النازيين للتحف الفنية، حيث يدور الفيلم حول قصة ماريا اليهودية الثرية إحدى الناجيات من الهولوكوست، تعتبر لوحة امرأة من ذهب في الفيلم هي احدى التحف الفنية التي تعبر عن ثقافة أمة ولا تكاد تقل قدرًا عن لوحة الموناليزا، الفيلم عبارة عرض شيق ودراسة فنية في ذات الوقت للقيم الفنية المسروقة وهدم أو محاولة محو ثقافات بعض الأمم عن طريق سرقة إرثهم التاريخي.
3- إيدا IDA
الفائز بأوسكار أحسن فيلم أجنبي لعام 2014 للمخرج بافل بافليكوفسكي، الفيلم يروي قصة فتاة يتيمة وهي راهبة مسيحية تكتشف بأنها من أصل يهودي لعائلة يهودية لتستمر معها سخرية سينمائية بأنها “راهبة يهودية” في أحداث الفيلم، الفيلم يشترك مع عازف البيانو في تسليط الضوء على ناجي الهولوكوست الذين لم يتأثروا بها ولم يحضروها، بل فقدوا عائلاتهم فيها وتستمر أحداث الفيلم بداية من نهاية أحداث الهولوكوست الرئيسية.
لا شك في أن مناهضي فكرة التهويل بالهولوكوست والترويج لها سينمائيًا يعترفون بوقوع تلك المذابح ويعترفون بوجود تلك المحرقة لليهود وغيرهم مِن مَن طالتهم النازية جميعًا، إلا أن الأمر يكون قابلًا للشك والاستجواب والمسائلة حينما يأتي تبريرًا لقيام دولة إسرائيل، أو خطة مدروسة وممنهجة في اشتراك “أدب الهولوكوست” في المناهج الدراسة للأطفال واقناعهم بأكاذيب تتحول من فرط تداولها إلى حقائق تبرر وجود الصهيونية وتمحو تاريخ الفلسطينين و تهمل الترويج لقضيتهم اعلاميًا وسينمائيًا كما حدث مع اليهود.
الأمر لم يتوقف على السينما فحسب بل امتد إلى أبعاد سياسية تخص قضايا اللاجئين الآن، حيث استطاع الترويج اليهودي للهولوكوست بجدارة اقناع دول العالم الأول باستقبال اللاجئين اليهود في شتى بقاع الأرض وبخاصة أمريكا التي تعج باليهود المسيطرين على النظام الاقتصادي والاعلامي، كما استقبلت دول أوروبا بصدر رحب أطفال اليهود تعويضًا لما حدث لهم في الهولوكوست، لينتهى الأمر بأن قيام دولة اسرائيل ليس مطلبًا يهوديًا فقط، بل امتد ليكون طلبًا قوميًا مدعوم دعمًا عالميًا من ناحية الدعم الشعبي أو الدعم الاقتصادي، لتصبح دولة إسرائيل كدولة محتلة فكرة مقبولة لديهم الآن، بالإضافة إلى هضم حقوق اللاجئين من أديان أو أعراق أخرى، لتأتي أمريكا اليوم تدافع عن “ترامب” في مطالبته بمنع دخول اللاجئين المسلمين إلى أمريكا لفترة من الزمن، لينسى استقبال أمريكا الطفل اليهودي اللاجيء بصدر رحب.