ينشأ الفساد في بلد ما بسبب خلل في آليات إدارة الحكم في القطاعين العام والخاص وينعكس سلبًا على جهود التنمية البشرية ويهدد كرامة الناس وأمنهم.
تعد أسباب الفساد في العالم العربي كثيرة ومتشعبة، وأهم تلك الأسباب حسب ما يرى المحللون والخبراء انعدام الحكم الصالح وسيطرة الاستبداد في إدارة المؤسسات الحكومية، علاوة على تكريس وتعميم ثقافة الفساد في المجتمعات العربية بدل محاربتها والتقليل منها.
وللفساد أشكال كثيرة ولكن أكثرها خطرًا عندما يصبح تأثيره ملموسًا على حياة المجتمع والوطن فيؤثر على حالته الاقتصادية ويزيده فقرًا إلى فقره.
وأحد أكثر أنواع الفساد المنتشر في المنطقة العربية هو “الفساد المالي” ويعني إساءة استخدام المسؤولين للسلطات المنوطة بهم وتسخيرها لخدمة مصالحهم الشخصية أو لخدمة معارفهم أو أقاربهم بصفة عامة على حساب المجتمع، ويتمثل هذا النوع من الفساد على شكل تقديم هدايا ثمينة وإكراميات للموظف في مؤسسات الدولة لقضاء مصالح خاصة للمواطن على حساب المصلحة العامة. إضافة إلى الرشاوى والمحسوبيات التي تشمل دفع مبالغ نقدية للحصول على عقود سواء في القطاع الخاص أو العام.
في آسيا مثلًا توقف تقرير الفساد العالمي لعام 2015 عند اتهامات بالفساد موجهة لرئيس الزراء الماليزي “نجيب عبد الرزاق” حيث قال المدعي العام الماليزي في يوم الثلاثاء الماضي إن 681 مليون دولار حُولت إلى حساب مصرفي شخصي لرئيس الوزراء، نجيب عبد الرزاق هدية من الأسرة الحاكمة في السعودية.
وفي سعي الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في دول العالم عامة والمنطقة العربية بشكل خاص تعمل على مشاريع لتعزيز التعاون وتشجيع العمل الجماعي في مواجهة الفساد من خلال التركيز على حماية النزاهة وتنمية القدرات الوطنية على منع وقمع أفعال الفساد كالرشوة والاختلاس والمتاجرة بالنفوذ وسوء استغلال السلطة والإثراء غير المشروع.
وقد صدر يوم الأربعاء الماضي 27 يناير / كانون الثاني التقرير السنوي لمؤشر الفساد العالمي للعام 2015 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية التي تتخذ من برلين مقرًا لها مستندة على بيانات من 12 هيئة دولية منها البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي والمنتدى الاقتصادي العالمي.
المؤشر درس حالات الفساد في 168 بلدًا في العالم من خلال قياس مستويات الفساد في القطاع العام وصنف النتائج كدرجات من 0 إلى مئة درجة من الأكثر إلى الأقل فساًد، حيث تعكس الدرجة الدنيا وجود مستويات بالغة من الفساد وانعدام الشفافية بينما تشير الدرجة العليا على الشفافية والنظافة في المؤسسات الحكومية، وعليه فإن الدول في الترتيب من 0 إلى 10 هي الدول الأقل فسادًا في العالم في حين أن الدول من 158 إلى 168 هي الأكثر فسادًا على مستوى العالم.
ووفقًا للتقرير فقد احتلت الدينمارك المرتبة الأولى لأقل دول العالم فسادًا وجاءت فنلندا في المرتبة الثانية ومن ثم السويد في المرتبة الثالثة، وتليها نيوزيلندا في الرابعة وهولندا في المرتبة الخامسة.
وعربيًا جاءت قطر في المرتبة الأولى على مستوى المنطقة العربية والمرتبة 22 عالميًا بتقدم 4 مراكز عن التقرير الماضي 2014 تلتها الإمارات في المرتبة الثانية عربيًا وال 23 عالميًا متقدمة بمركزين عن تقرير 2014.
وبعد الإمارات جاءت الأردن في المركز الثالث عربيًا وال 45 عالميًا بينما السعودية احتلت المركز الرابع عربيًا وال 48 عالميًا متقدمة 7 مراكز عن ترتيبها في العام 2014 والبحرين في المرتبة 50 بينما جاءت المغرب في المرتبة 88 متراجعا 8 مراتب عن العام الماضي، أما تركيا فقد حصلت على المرتبة 66 بعلامة 42 وإيران 130 بعلامة 27.
يظهر الجدول التالي ترتيب الدول العربية في مؤشر الفساد العالمي الصادر من منظمة الشفافية الدولية:
الدولة | المرتبة | الدرجة |
قطر | 22 | 71 |
الإمارات | 23 | 70 |
الأردن | 45 | 53 |
السعودية | 48 | 52 |
البحرين | 50 | 51 |
الكويت | 55 | 49 |
سلطنة عُمان | 69 | 45 |
تونس | 76 | 38 |
مصر والجزائر والمغرب | 88 | 36 |
جيبوتي | 99 | 34 |
موريتانيا | 112 | 31 |
لبنان | 128 | 23 |
جزر القمر | 136 | 26 |
سوريا واليمن | 154 | 18 |
العراق وليبيا | 161 | 16 |
السودان | 165 | 12 |
الصومال | 168 | 8 |
ومن الدول العشر الأكثر فسادا في العالم يظهر في المرتبة الأخيرة الصومال محتلًا الدولة الأكثر فسادًا عالميًا، وتأتي السودان في المرتبة الرابعة وليبيا في المرتبة السابعة والعراق في المرتبة الثامنة.
الدكتور “عامر خياط” أمين المنظمة العربية لمكافحة الفساد في العالم العربي، قال أن منظمته قدّرت حجم الأموال التي نُهِبت وسُرِقت وبُدِّدت في العالم العربي خلال الخمسين عامًا الماضية بأكثر من ألف مليار دولار، وهو مبلغ كان يكفي لحل كثير من أزمات المجتمعات العربية، وعلى رأسها القضاء على الأمية بشكلٍ كامل، كما أنه لو صُرِفت على السودان -مثلًا- لحقّق الأمن الغذائي لجميع الدول العربية.
وأوضحت روبن هوديس، مديرة الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية أن “كل دول مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وكل الدول الواعدة على صعيد الاقتصاد الدولي معنية، وسجلت أقل من 50 نقطة في لائحتنا”. وأشار التقرير إلى أن البرازيل “هي الدولة التي سجلت، هذا العام، أكبر تراجع في التصنيف، إذ خسرت 5 نقاط و7 مراكز وباتت الآن في المرتبة الـ76”.
وروسيا الأسوأ في التصنيف بين دول بريكس (119)، وحلت وراء الصين (83) والهند (76) وجنوب أفريقيا (61)
ولطرافة الموقف بين الدول العربية والدول المتقدمة فقد استقال وزير الاقتصاد الياباني يوم الخميس الماضي 28 يناير / كانون الثاني وسط مزاعم بتلقيه هو ومساعديه أموالا وهدايا بقيمة مئة ألف دولار، إلا الوزير ردّ بالقول إنه تلقى أموالا على شكل “تبرعات سياسية” لكن بعض مستخدميه أساؤوا إدارتها، وأضاف خلال مؤتمر صحافي: “أخيرا بدأت اليابان بالنهوض من حالة الانكماش الاقتصادي، ويجب أن نزيل أي عقبات تقف في الطريق، وأنا لست استثناء، لذلك فإني سأستقيل تحملا لمسؤولية أخطاء ارتكبوها مساعدون لي”.
فمتى يستقيل المسؤول العربي إذا تلقى مساعدوه رشوة تحملا للمسؤولية !