تجنيد اللاجئين الشيعة الأفغان ضمن مليشيات تقاتل بجوار القوات النظامية في سوريا أمر لم يعد من ضمن المجهول في سوريا، بعد توارد سيل من التحقيقات الصحفية والتقارير التي ساقت معلومات تفصيلية عن هذه العناصر التي تُقاتل في غير أرضها لقضية لا تعنيها.
صحيفة الجارديات البريطانية فتحت هذا الملف في شهر نوفمبر من العام الماضي في سياق الحديث عن التواجد الإيراني في سوريا الذي لا يقتصر على المستشارين العسكريين الإيرانيين كما تقول الرواية النظامية في سوريا، بل يتجاوزه إلى “تجنيد لاجئين أفغان مقابل راتب شهري وتسوية قانونية لأوضاعهم داخل إيران”.
حيث ذكرت الصحيفة وجود لواء عسكري يقاتل بجوار قوات النظام يحمل اسم “لواء الفاطميين” الذي يتشكل جله من اللاجئين الأفغان في إيران الذين سافروا للقتال في سوريا بحجة حماية المقدسات الشيعية، وهو يُعد ثاني أكبر لواء أجنبي يقاتل إلى جانب قوات الأسد النظامية بعد قوات حزب الله اللبناني.
كيف بدأت القصة؟
أقبل المواطنوان الأفغان على عمليات الهجرة غير الشرعية من موطنهم إلى البلدان المجاورة عبر الحدود، وذلك مع اشتداد أزمة الحرب على أفغانستان وتدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد بشكل غير مسبوق، بالتزامن مع ركود اقتصادي ارتفعت معه معدلات الفقر إلى أعلى مستوياتها في أفغانستان.
يُنفق المهاجرون الأفغان أموالًا طائلة في سبيل رحلة هجرة غير شرعية إلى إيران تبدأ من إقليم أوزجان جنوبي أفغانستان المجاور للحدود الإيرانية الباكستانية، ومنه إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حتى تصل الرحلة إلى الحدود الباكستانية الإيرانية في منطقة شاكي، وإذا حالف الحظ هذه الرحلة سيكون المستقر في مدينة زاهدان الإيرانية ومنها إلى ربوع إيران.
يُفسر مركز دراسات الهجرة في جامعة أكسفورد هذا الإصرار من قبل الأفغان للعبور إلى إيران بالظروف الاقتصادية، إذ يتقاضى الأفغان العاملون في إيران قرابة 320 دولارًا في الشهر، مقارنة بالوضع في الداخل الأفغاني حيث لا يتخطى راتب العامل في أفغانستان 80 دولارًا.
وهو ما يُفسر بالتبعية دراسة أجريت عام 2008، بتكليف من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية، أكدت أن الأفغان العاملون في إيران يرسلون نحو 500 مليون دولار إلى بلادهم سنويًا.
ولكن ليس هذا الجانب الوحيد في قصة المهاجرين الأفغان إلى إيران إذ يتعرض هؤلاء إلى ظروف معيشية صعبة داخل إيران أقلها إساءة المعاملة من قبل السلطات في إيران والتي تصل إلى احتجاز بعضهم في السجون الإيرانية لمدد تصل إلى شهور دون أي تهم واضحة.
ولكن على الرغم من هذا فإن إدارة المهاجرين في أفغانستان، كشفت عن سفر ما بين 500 إلى 600 أفغاني يوميا إلى إيران بطريقة غير شرعية بحثًا عن لقمة العيش تعتقل منهم السلطات الإيرانية العشرات على حدودها بشكل دوري أيضًا، يتعرض المهاجرين في هذا الاعتقال إلى التنكيل ثم الترحيل القسري إلى أفغانستان مرة أخرى.
هذا الأمر هو ارتداد اقتصادي واجتماعي طبيعي بحسب مراقبين، يدفع الشباب الأفغان العاطل عن العمل إلى الهروب إلى إيران إما أملًا في الحصول على طريق هجرة إلى الدول الأوربية، أو للعمل في تجارة تهريب المخدرات على الحدود، وإما للانخراط في سوق العمل الإيراني وهو أمر من الصعوبة بمكان بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين.
وعلى الرغم من هذا كله فإن ثمة الآلاف من اللاجئين الأفغان استطاعوا العبور إلى إيران والإقامة هناك في مخيمات لجوء تابعة للأمم المتحدة، وحينما شرعت السلطات الإيرانية في إعادتهم إلى بلادهم تظاهر الآلاف منهم في مدينة مشهد الإيرانية مطالبين بتأجيل عملية إعادتهم إلى أفغانستان.
وتقدر أعداد هؤلاء اللاجئين بنحو مليوني شخص يتعرضون إلى مضايقات يومية من بعض الإيرانيين الغاضبين بسبب وفرة العمالة الأفغانية الرخيصة داخل المجتمع الإيراني الذي يعاني شبابه من معدل بطالة مرتفع، وهو الأمر الذي سبب ضغطًا على السلطات الإيرانية التي اضطرت إلى التوصل لاتفاق مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يقضي برد أعداد منهم إلى أفغانستان وهو ما قوبل بالرفض من قبل اللاجئين.
بيزنس القتال في سوريا
مؤخرًا يبدو أن إيران اكتشفت أن لديها خزان بشري من اللاجئين الأفغان لم يتم استخدامه، ومع تصاعد الحرب في سوريا والتوغل الإيراني فيها بالدعم العسكري لنظام بشار الأسد عن طريق مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني التي تكبدت خسائر فادحة في سوريا على مدار 3 سنوات مضت باعتراف قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
زادت أهمية هؤلاء البشر الذين يبحثون عن لقمة العيش في إيران، فاستخدمتهم إيران في حل تورطها داخل سوريا واستغلت حاجتهم للعمل، وجندتهم في صفوف مليشيات تُقاتل في سوريا بجانب النظام، عن طريق استنهاض بعضهم بالوازع الديني تارة وبالمغريات تارة أخرى.
“يحصل المقاتل الأفغاني على مبالغ تتراوح ما بين 350 دولارا: 500 دولار شهريًا والإقامة الدائمة في إيران، بعد عودته من سوريا” كما صرح أحد أبناء الأقلية الشيعية لصحيفة “العربي الجديد”.
إذن الأمر تحول إلى بيزنس تقوم به الدولة في إيران لسد حاجاتها من المقاتلين خارج حدودها، وقد يتميز هؤلاء بمزايا لا تتوافر في المقاتل الإيراني نفسه، فهو مجهول الهوية وفي حالة مقتله لن يُكلف الدولة كما يحدث مع العسكريين الإيرانيين العائدين من سوريا في صناديق الموت.
الأمر وصل بالسلطات الإيرانية إلى عدم إنكار التواجد العسكري لمليشيات مدعومة من إيران قوامها مقاتلين أفغان في سوريا، إذ سبق وأن أعلنت وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري الإيراني عن مقتل مائتي مقاتل أفغاني في شهر مايو من العام 2015، تحت ذريعة اقتصار دورهم على حماية المقدسات الشيعية داخل الحرب في سوريا.
هؤلاء الفارون من الحرب في أفغانستان زجت بهم إيران في آتون الحرب السورية تعويضًا لخسائرها البشرية، مستخدمة كافة المغريات والتضييقات لإجبار شباب اللاجئين نحو هذا الطريق، حيث لا تعطي إيران أية أوراق ثبوتية إلى الأفغان في إيران إلا إذا انضم اللاجئ إلى المليشيات في سوريا، ومن ثم يأتي دور المغريات من حيث عروض الإقامة الدائمة في إيران والراتب الشهري، وهو ما اضطر الكثيرون منهم للقبول بهذه العروض.
لواء “الفاطميون”
ظهر هذا اللواء الذي يحمل اسم “الفاطميون” بحسب نشطاء على الأرض في سوريا أواخر عام 2012، بعد أن تزايدات خسائر النظام السوري وحلفائه من العسكريين الإيرانيين، وقد اتسعت رقعة المعارك مع المعارضة المسلحة، الأمر الذي تعاملت معه إيران بإرسال مقاتلين أفغان مدربين في معسكرات الحرس الثوري الإيراني الخاصة إلى المعارك في سوريا مباشرة بأعداد هائلة.
وقد سُجل تواجد هؤلاء المقاتلين في بعض الجبهات السورية خاصة جبهات ريف دمشق “الغوطة الشرقية – القلمون” وريف حلب “حندارات”، وقد بدأ الحديث إعلاميًا عن هؤلاء في أكتوبر من عام 2012 عندما أسر مقاتلو الجيش الحر أحدهم، وأظهرت عملية التحقيق معه في هذا الشريط الذي بث عبر الإنترنت أنه أفغاني جاء للقتال بجوار النظام في سوريا.
في الوقت الذي كانت بدايتهم ضمن لواء أبو الفضل العباس، أما اليوم فتؤكد المعلومات أنهم شكلوا تنظيمًا جديدًا يطلق عليه لواء “الفاطميون”، يجند المقاتلين الأفغان بالتحديد، وتركز عمليات التجنيد هذه في إيران وأفغانستان على أقلية الهزارة الشيعية التي طالما عانت الاضطهاد.
فيما بثت محطة تليفزيون “أفق” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني برنامجًا تحدث عن المقاتلين الأفغان في سوريا، وقد امتدح هذا البرنامج علي رضا تافسولي الذي كان يقود لواء الفاطميين الذي يتألف من المجندين الأفغان، والذي قتل جنوبي سوريا.
هيومن رايتس ووتش تفتح القضية مجددًا
نشرت منظمة هيومن رايتس وواتش الحقوقية الدولية مؤخرًا تحقيقًا عن هذا الأمر قالت فيه: “إن الحرس الثوري الإيراني جند آلاف الأفغان المقيمين بشكل غير رسمي دون وثائق في إيران للقتال في سوريا منذ نوفمبر عام 2013 على الأقل، وقال بعضهم إن السلطات الإيرانية أجبرتهم على ذلك. وقد دعت إيران الأفغان إلى الدفاع عن المواقع الشيعية المقدسة، وقدمت لهم حوافز مالية، ومنحتهم الإقامة القانونية في إيران لتشجيعهم على الالتحاق بالميليشيات المساندة للحكومة السورية”.
وأضافت المنظمة في تحقيقها: “أنه في أواخر 2015 قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 20 أفغانيا كانوا يعيشون في إيران، وسألتهم عن تجنيد المسؤولين الإيرانيين للأفغان للقتال في سوريا. قال بعضهم إنهم أجبروا ـ وأقارب لهم ـ على القتال في سوريا فانتهى الأمر ببعضهم إلى الفرار نحو اليونان أو الترحيل إلى أفغانستان بسبب رفضهم القتال. قال شاب (17 سنة) إنه أرغم على القتال دون أن يُمنح خيار الرفض. وقال آخرون إنهم تطوعوا للقتال مع ميليشيات أنشأتها إيران إما لقناعات دينية أو لتسوية وضع إقامتهم في إيران”.
ومن بين الحالات التي أبرزها التحقيق ما وثقته المنظمة: “طفل أفغاني (17 سنة) كان محتجزا في طهران مع ابن عمه (17 سنة أيضا). أُجبر الأول على الخضوع لتدريب عسكري ثم على القتال في سوريا دون رغبته. أما ابن عمه، فقد اعتبر غير مناسب للخدمة العسكرية، فتم ترحيله. كما يوجد شقيقان آخران (32 سنة و20 سنة)، ومعهم طفل (16 سنة)، كانوا محتجزين في إيران، وأجبروا على القتال في سوريا أو الترحيل.
وأتبع التحقيق: ” صرح أفغان آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات الإيرانية احتجزتهم وخيّرتهم بين الترحيل أو القتال في سوريا، فاختاروا الترحيل. كما قال آخرون إنهم تطوعوا لتلقي تدريب عسكري أو القتال في سوريا لصالح إيران، وتحدثوا عن حاجتهم إلى تسوية وضعهم في إيران كعامل مهم دفعهم إلى اتحاذ هذا القرار”.
وقد ركز تحقيق المنظمة على حالات بعينها ذكرت قصصها في إطار التجنيد الإجباري الذي استخدمته السلطات الإيرانية مع الأفغان لنقلهم إلى سوريا، لتزداد مصداقية التقارير المتحدثة عن ازدياد تواجد المقاتلين الأجانب بجانب النظام السوري في معاركه لا سيما من الأفغان المجندين تحت راية إيرانية.