استطاعت سينما ما بعد الهولوكوست استقطاب الدعم العاطفي العالمي مع هجرة اليهود إلى اسرائيل واعلان اسرائيل وطن قومي لليهود تعويضًا لما حدث لهم في الهولوكوست، لتستلم السينما الإسرائيلية الراية من بعدها وتقوم بتسليط الضوء على المجتمع الإسرائيلي كونه مجتمع مسالم يقبل بحل الدولتين والتعايش مع عرب فلسطين كما تصوره السينما، بدأت السينما الإسرائيلية في الظهور إلى الساحة الفنية بداية من الحرب العالمية الأولى بهدف التوثيق التاريخي لدخول الجيش البريطاني وهزيمة الأتراك في فلسطين ومن ثم بدأ الأمر بعد ذلك بهدف الترويج والدعاية للصهيونية منذ عام 1932 مع المخرج البولندي ألكسندر في فيلم “صبار” الذي يعتبر أول فيلم يهودي كامل، إلا أنه لم يعرض داخل فلسطين مطلقًا كما أنه لم ينجح في استقطاب تعاطف السينما العالمية لتصويره الصراع مع العرب على بئر ماء بشكل بشع لم تقبله السينما الأوروبية.
جاء فيلم ” هذه هي الأرض” سنة 1935 ليعلن تولي السينما الإسرائيلية دور الراعي الرسمي للصهيونية عالميًا، فالفيلم يصوّر تحقيق حلم العودة إلى فلسطين وقيام الوطن القومي لليهود على أرضها، واستمرت السينما الإسرائيلية على نفس المنوال حتى مع بدأ ظهور السينما الفلسطينية للساحة، والتي لم تكن ذات كفاءة عالية كما الإسرائيلية التي تتلقى الدعم من أغنياء اليهود في الخارج وتقوم على دعم أنتاج غربي قوي.
بعد الحرب العالمية الثانية، جنت السينما الإسرائيلية دعم خارجي وتبنت فكرة السياسة التجارية في الترويج في استجلاب مزيدًا من اليهود إلى اسرائيل وجعل فكرة الصهيونية أمرًا واقعيًا ومقبولًا دوليًا، لتأتي اليوم أفلام السينما الإسرائيلية محتلة المركز الأول في ترشيحات الأفلام الأجنبية للأوسكار من بين أفلام الشرق الأوسط بأجمعه.
يعتبر فيلم ” تلة 24 لا تجيب” في الخمسينات من القرن الماضي بداية الصراع السينمائي في اسرائيل على هيمنة فكرة الاستيلاء على أرض الميعاد وعودة اليهود إليها، حيث يسلط الفيلم الضوء على قضية رسم الحدود بين اليهود والعرب، ويعد المشهد الأخير للفيلم هو أهم مشاهده وأهم مشاهد السينما الإسرائيلية كذلك، في المشهد الأخير يصعد جنود الهاجاناه وضباط القوات الدولية وضابط أردني إلى أعلى التل 24 ليجدوا أن القتلى هم من اليهود، يحسم هذا الأمر الخلاف في الفيلم على الحدود حين يعلن ضابط القوات الدولية أن هذه التلة تتبع لإسرائيل، مستندًا على وجود العلم الإسرائيلي في يد فتاة من بين القتلى طوت العلم بيدها قبل أن تموت، ينتهي الفيلم مع ظهور كلمة “البداية” في تعبير عن بداية تحقيق الحلم الصهيوني باستعادة الأرض.
هل ظهور شخصية العربي في السينما الإسرائيلية أمرًا مهم؟
أخذت السينما الإسرائيلية منحنى جديدًا بعد ظهور الشخصية الفلسطينية في كادر الفيلم الإسرائيلي، والتي تنقسم إلى عدة شخصيات وهي الممثل الإسرائيلي الذي يقوم بتمثيل دور الشخصية الفلسطينية، أو الممثل الفلسطيني الذي يقوم بتمثيل دور الشخصية الإسرائيلية، أو الممثل الفلسطيني والذي يكون في الأغلب من عرب الـ 48 ويقوم بتمثيل الشخصية الفلسطينية في الفيلم، والذي جعل السينما الإسرائيلية تعترف بشكل أو بآخر بوجود الهوية الفلسطينية وبالتالي اعترافها في أفلامها بوجود فلسطين، قال السياسي الإسرائيلي مناحيم بيغين ذات مرة “إذا استخدمت كلمة فلسطيني بالنسبة للإسرائيلي فان هذا يستدعي منك التسليم بان هذه الأرض هي فلسطين وإذا كانت كذلك فهذا يعني أنها ليست ارض إسرائيل وبالتالي ماذا نفعل نحن هنا؟”.
من الأفلام التي احتل فيها الفلسطيني دور محوري في السينما الإسرائيلية فيلم “من وراء القضبان” (1948) لأوري باراباش وهو من الأفلام التي تهتم بعرض الروايتين اليهودية والفلسطينية وهذه المرة من داخل السجن؛ الفلسطيني فيه سجين أمني واليهودي الشرقي سجين جنائي، حيث أراد مخرج الفيلم بث الأمل في إمكانية التوصل إلى مصالحة بين الطرفين.
في الواقع كانت السينما الإسرائيلية أذكى من ذلك بكثير، فظهور شخصية العربي أو شخصية الفلسطيني في الفيلم الإسرائيلي لم يكن لمجرد الاعتراف السينمائي بالهوية الفلسطينية وبوجود فلسطين، ولكنه وسيلة من وسائل التغطية الإعلامية وتزييف الواقع لدى الصورة العالمية لتعامل الإسرائيلين مع الفلسطينين أو مع العرب بشكل عام، فبعض تلك الأفلام يحاول تجاهل وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي في الكادر ويقوم بتسليط الضوء على العلاقة الطيبة بين الإسرائيلين والعرب، في محاولة لتجميل صورة إسرائيل ومجتمعها لدى المجتمع الدولي ومحاولة فرض سياسة القبول بالحل السلمي ما بين الدولتين وتصوير السينما لذلك بأنه مطلب إسرائيلي يرفضه العرب المستمرون في شن الحرب عليهم عن طريق المقاومة أو كما يسميها الاحتلال الجماعات الإرهابية.
فيلم زيارة الفرقة الموسيقية ” The Band`s Visit”
يتناول الفيلم الإسرائيلي، زيارة لفرقة موسيقية مصرية عسكرية رسمية لإسرائيل، في بداية تسعينات القرن الماضي، وكان الفيلم الذي كتبه وأخرجه عران قوليرين، قد حصد عدة جوائز في مهرجان كان السينمائي.
وسبب زيارة الفرقة الموسيقية لإسرائيل، لإحياء حفل في مركز للثقافة العربية بنته السلطات الإسرائيلية، ولكن الفرقة تضل طريقها إلى الصحراء، ويلتقي افرادها صاحبة حانة التي تخبرهم بعدم وجود أي مركز ثقافي سواء كان عربيًا أو إسرائيليًا، وتنشا علاقة بينها وبين قائد الفرقة الذي يحمل رتبة لواء، كما يصور الفيلم العلاقة بين أفراد الفرقة الموسيقية وأفراد العائلة الإسرائيلية التي استضافتهم، وكونها علاقة طبيعية بين عائلتين من نفس الديانة أو نفس الجنسية، وظهور قواسم مشتركة ما بين الشعبين تجعل المشاهد يعجب المجتمع الإسرائيلي ولا يشعر بأنه مجتمع بعيد كل البعد عنه بل هو أقرب إليه مما يتخيل.
فيلم على جانب الطريق ( 2013)
تقدم ليئا تاراشانسكي المخرجة اليهودية فيلمها الوثائقي الجديد من المحطة الأولى في مستوطنة أريئيل، مكانها الأول في إسرائيل بعد الهجرة من أوكرانيا مع عائلتها وهي بعمر أربع سنوات، ثم مرورًا بفترة تعليمها الجامعي في كندا ولقائها هناك بفلسطينيين ومؤيدون للقضية الفلسطينية، ويحدث أن تتحول من عقلية المستوطِنة إلى تقبل الفلسطيني والحوار معه ومعرفة حكايته، ثم إلى الانكشاف على “أسبوع أبارتهايد إسرائيل” التي تقيمه الجامعة، لتصل في محطة هبوط العودة في تل أبيب إلى التعرّف على جمعية “ذاكرات” التي تعمل على إحياء النكبة في المجتمع الإسرائيلي، ما يعني تقبلها وجود فلسطين ومحاولتها إحياء نكبة الشعب الفلسطيني داخل المجتمع الإسرائيلي.
فيلم فالس مع بشير أو “الرقص مع بشير” (2008):
فيلم كرتوني توثيقي درامي تدور أحداثه عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان ويقوم بتسليط الضوؤ على مذبحة صبرا وشاتيلا، وهو من أحد أفلام السينما الإسرائيلية التي تتبع سياسة التبرير، حيث قام بتبرير التهم الملصقة بمرتكبي مذبحة صبرا وشاتيلا وإلقاء اللوم على الميليشيات المسيحية، كما يبرز الفيلم كذلك سياسة رفض القمع وإدانة الصهيونية ورفض سياسات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تراها وجهة نظر الفيلم مجرد سياسات ستودي بدولة إسرائيل إلى الموت.
السينما الإسرائيلية تسير جنبًا إلى جنب مع الإعلام اليهودي في السيطرة على عقل المشاهد أيًا كانت جنسيته وجعله يصدق ما تريده السينما أن يصدق، بالفعل قطعت السينما الإسرائيلية أشواطًا في الإنتاج السينمائي مقارنة بنظيرتها الفلسطينية، واستطاعت بأن تجعل صورة دولة إسرائيل لدى المجتمع الغربي صورة وردية تجعله يصدق بأن المواطن الإسرائيلي بل وكذلك الجندي الإسرائيلي هو مجرد إنسان طبيعي وليس صهيوني قاتل كما يدعوه الفلسطينيون، بل هو مجرد إنسان يدعو لحل سلمي بين الأطراف كما تعرضه السينما الإسرائيلية.