اسم الشهرة
“أسامينا … شو تعبو أهالينا.. تا لاقوها .. وشو افتكرو فينا …”
لطالما سمعت هذه الكلمات الجميلة تنساب كالنسمة الصباحيّة العذبة بصوت السّيّدة فيروز، ولطالما تأمّلت في معانيها العميقة، فأسماؤنا، تلك التي ترافقنا من المهد إلى اللّحد، لم يكن لنا دورٌ في اختيارها، إنّما هي صنيعة أبوينا، ولكنّ ما بوسعنا اختياره –ولو نسبيًا- هي ألقابنا، أو أسماء الشّهرة التي قد تحلّ محل أسمائنا الحقيقيّة في بعض الأحيان، فاللّقب يسبغه النّاس على المرء بناءً على صفةٍ اشتُهر بها، أو مهنةٍ اشتغل بها هو أو أحد آبائه، وقد يكون تصغيرًا لطيفًا لاسمه تتداوله أسرته منذ الصغر، أو ربطًا بشخصيّةٍ أو حيوانٍ أو جمادٍ أو أيّ شيءٍ اقترن بصاحب اللقب، فهذا الصّدوق والطّيب والحيي، وذلك البدين والطّويل والأصلع، وهذا فهدٌ أو أرنبٌ لسرعته، وذلك نمرٌ أو أسدٌ لبسالته، وهذا النجّار والصيّاد والملّاح، وذلك (حمّودة وعبّدو وعمّوري)، وكثيرٌ من التفاصيل الصغيرة الأخرى في حياة الإنسان، قد تلعب دورًا في اكتسابه اللقب الذي يرافقه مدى الحياة.
مشاهيرٌ وألقابٌ عبر التاريخ
الجوهرة السوداء بيليه
بحكم أنّ الرياضة عامّةً وكرة القدم خاصّةً ارتبطت بالترفيه والمرح، وبما أنّ نجوم الكرة أصبحوا من الشخصيّاتٍ العامّةٍ وتخطّت شهرتهم حدود مدنهم وأوطانهم، فلا غرابة في اكتساب العديد منهم ألقابًا خلدت معهم في الملاعب، وحتى بعد اعتزالهم الكرة، فالقليل من النّاس يعرفون أن أديسون أرانتيس دو ناسيمينتو، هو الاسم الحقيقي للأسطورة البرازيليّة (بيليه)، والذي اكتسب لقبه هذا منذ الطّفولة عندما كان يفضّل اللعب كحارس مرمى، وهو ما تعنيه كلمة (بيليه) بالبرتغاليّة، قبل أن يتحوّل إلى أفضل مهاجمٍ أنجبته الملاعب ويكتسب لقب (الجوهرة السّوداء)، أمّا نظيره في الشّهرة والجودة دييغو أرماندو مارادونا، فرغم حمله لعدّة ألقابٍ ك(الأسطورة) و(البيلوسا) أي صاحب الشّعر الكثيف، إلا أنّ أيًّا من ألقابه لم يضاه شهرة اسمه ذي الرنّة الموسيقيّة، حاله حال مواطنه ألفريدو دي ستيفانو صاحب لقب (السّهم الأشقر)، أمّا البرازيلي مانويل دوس سانتوس، فقد غلب على اسمه لقب (غارينشيا)، وهو طائرٌ يعيش في ريو دي جانيرو حيث ولد اللاعب وترعرع.
ولم تغب الألقاب عن أساطير القارة الأوروبيّة في الستينيات والسبعينيات، فالمجري فريدريك بوشكاش اشتهر بلقب (الميجر)، وهي الرتبة العسكريّة التي شغلها في الجيش المجري، والألماني فرانس بيكينباور اشتهر بلقب (القيصر)، نظرًا لصفاته القياديّة التي تنسجم مع ملامحه الأرستقراطية، أمّا الحارس السوفييتي ليف ياشين فقد حظي بلقب (العنكبوت الأسود)، نظرًا للون لباسه ومهاراته الاستثنائيّة التي تشبه مهارات العناكب في اصطياد فرائسها، كما حمل الجناح الهولندي يوهان كرويف لقب (الطّائر) نظرًا لسرعته، والهدّاف الألماني غيرد مولر لقب (البومبر) أي المفجّر نظرًا لقوّة تسديداته، والبرتغالي أوزيبيو لقب (الفهد الأسود) نظرًا لسرعته ورشاقته.
وفي الثمانينيات ظهرت عدّة ألقاب، ك(الجوهرة البيضاء) الذي حمله البرازيلي زيكو، و(القاتل) الذي أُسبغ على الآرجنتيني ماريو كمبس صاحب الأهداف القاتلة، و(الهوليكوبتر) وهو لقب التشيلي إيفان زامورانو صاحب الارتقاء العالي، و(العم) وهو لقب المدافع الإيطالي المعمّر جوزيبي بيرغومي، أمّا اللقب الأغرب في تلك الحقبة فقد حمله النجم الإنكليزي كيفن كيغان، الذي دعت ملامح وجهه الحادّة زملاءه لتكنيته ب(الفأر العملاق)!
وفي أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، تألّق المنتخب الهولندي بقيادة (البجعة)، (زهرة التوليب السوداء) و(حبّة الثلج)، وهي ألقاب النجوم: ماركو فان باستن، رود غوليت، ورونالد كويمان، التي تتغنّى بها الجماهير الهولنديّة، بعكس الجماهير الكولومبيّة التي تتوجّس خوفًا من هفوات حارس مرماها رينيه هيغيتا وتنعته ب(المجنون)، أمّا الجماهير الفرنسيّة فلن تنسى ألقاب نجوم جيلها الذهبي الذي قادها للفوز بكأس العالم عام 1998، وعلى رأسهم زين الدّين زيدان المكنّى ب(زيزو)، وتيري هنري الملقّب ب(الغزال الأسمر)، ودافيد تريزيغيه الملقّب ب(تريزيجول)، نظرًا لغزارة أهدافه، شأنه شأن الآرجنتيني جابرييل عمر باتيستوتا الملقّب ب(باتيجول).
وفي الألفيّة الجديدة ظهرت ألقابٌ جديدة، منها التقليديّة: كلقب (السّاحر) الذي حمله البرازيلي رونالدينيو، و(السّهم الذهبي) الذي أُطلق على التشيكي بافل نيدفيد، و(الجدار) الذي أُطلق على الحارس الهولندي الصلب إدوين فان ديرسار، و(فتى مدريد المدلّل) الذي حمله نجم ريـال مدريد راؤول غونزاليس، و(الأرنب) الذي أطلق على الآرجنتيني السريع خافيير سافيولا، ومنها المثيرة: كلقب (المظلوم) الذي حمله الويلزي راين غيغز الذي لم تسنح له فرصة المشاركة بأيٍّ من كؤوس العالم، و(الخائن) الذي نعت به أنصار برشلونة النجم لويس فيغو عندما انتقل إلى خصمهم اللدود ريال مدريد، و(الظّاهرة) الذي أُطلق على المهاجم البرازيلي الفذّ رونالدو، و(المحظوظ) الذي حمله الهدّاف الإيطالي بيبو إنزاغي، و(قلب الأسد) وهو لقب قائد برشلونة الشجاع كارليس بويول، أمّا البرازيلي ريكاردو إيزيكسون دي سانتوس ليتي فقد اشتهر بلقب (كاكا)، الذي اختاره له أخوه الأصغر فيما مضى.
ولا تمثّل جميع الألقاب السابقة وزنًا على ميزان الغرابة إذا ما قيست بلقب البرازيلي إدموندو، الذي دعت مشاكساته الكثيرة الصحافة لتسميته ب(الحيوان)، وهو غير بعيدٍ عن لقب (الجحش) الذي نُعت به الآرجنتيني آرييل أورتيغا الذي قيل بأنه يركض ويرفس، فيما ذهب لقب (الكلب المتوحش) للإيطالي العنيف جينارو غاتوزو، و(التشولو) أي رجل العصابات للآرجنتيني الداهية دييغو سيميوني، و(الوحش) للبرازيلي جوليو بابتيستا صاحب البنية القويّة، فيما اختارت الصحافة اسم (شيفا) وهو أحد وحوش الكرتون، كلقبٍ يتناسب مع اسم الأوكراني شيفشينكو، و(رامبو) وهو بطل أحد الأفلام الشهيرة كلقبٍ يتناسب مع بنية الإيطالي كريستيان فييري.
نجوم اليوم
البرغوث ليونيل ميسي
لا يختلف حال نجوم اليوم عن نجوم الأمس، فأغلب مشاهير المستديرة الحاليين يحظون بألقابٍ نابعةٍ من إحدى صفاتهم، فنجم برشلونة ميسي يحظى بلقب (البرغوث) نظرًا لسهولة حركته وانسلاله في دفاعات الخصوم، وندّه كريستيانو رونالدو يُلقّب ب(صاروخ ماديرا) نسبةً إلى مسقط رأسه، وأندريس إنييستا يُلقّب ب(الرسّام) نظرًا لدقّة تمريراته، والحارس إيكر كاسياس يلقّب ب(القدّيس) نظرًا لعطاءاته الكبيرة، كما يُلقب الحارس البارع جيجي بوفون ب(الأخطبوط)، والمهاجم صاحب الانقضاض السريع كارلوس تيفيز ب(الأباتشي)، أمّا لقب (المايسترو) فيحمله كلٌّ من العبقريين تشافي وأندريا بيرلو.
وفي إنكلترا مازالوا يطلقون على نجمهم واين روني لقب (الفتى الذّهبي)، كما تعتزّ جماهير العاصمة الإيطاليّة بأسطورة فريقها فرانشيسكو توتي وتلقبه ب(ملك روما)، ويحمل أديسون كافاني لقب (الماتادور) أي مصارع الثيران، وصامويل إيتو لقب (الأسد الكاميروني)، وراداميل فالكاو لقب (النّمر)، وهو ذات اللّقب الذي يحظى به باستيان شفاينيزتايغر، فيما لايزال فيرناندو توريس محتفظًا بلقب (النينو) أي الطّفل رغم بلوغه ال32، ومواطنه دافيد فيا بلقب (الخفّاش) رغم ابتعاده عن فريق الخفافيش فالنسيا.
أغرب الألقاب يحملها لاعب أتلتيكو مدريد السابق كريستيان رودريغيز، الذي دعت رائحة تعرّقه الكريهة زملاءه إلى تسميته ب(البصلة)، كما دعت القامة القصيرة زملاء سيباستيان جيوفينكو إلى تسميته ب(النملة الذريّة)، فيما يحتفظ أنخيل دي ماريا بلقب (الشعيريّة) التي شبهه بها رفقاء الطفولة، وخافيير هيرنانديز بلقب (تشيشاريتو) أي حبّة البازلاء، التي شُبهت عيناه الخضراوان بها، وألكسندر باتو بلقب (البطّة) نظرًا لطريقة مشيته، وغونزالو هيغواين بلقب(البيبيتا) أي الأنبوبة، ومواطنه سيرخيو أغويرو بلقب (كون) وهي شخصيّة ٌكرتونيّةٌ تشبهه شكلًا، أمّا نجم برشلونة لويس سواريز فلم يتخلّص بعد من لقب (العضّاض)، الذي أسبغه على نفسه نتيجة عضّاته الشهيرة.
نجومنا العرب وأشهر ألقابهم
محمّد أبو تريكة ملك القلوب
تشتهر الجماهير العربيّة -ولا سيما المصريّة- بعشقها للألقاب والأسماء المختصرة أو ما يسمّى (باسم الدّلع)، فمن النادر أن تجد لاعبًا مصريًا بدون لقبٍ أُسبغ عليه من قبل من حوله، من حمادة إمام (الثعلب)، صالح سليم (المايسترو)، محمود الخطيب (بيبو)، حسن شحاتة (المعلّم)، ومجدي عبد الغني (البلدوزر)، إلى حازم إمام (الثعلب الصغير)، عصام الحضري (السّد العالي)، أحمد حسام (ميدو)، ومحمّد أبو تريكة الذي أحبّته الجماهير ولُقّبته ب(ملك القلوب)، وصولًا إلى نجوم الجيل الحالي: محمّد ناجي (جدّو)، محمود عبد الرزّاق (شيكابالا)، محمود عبد المنعم (كهربا)، محمود حسن (تريزيغيه)، ومصطفى محمود سليم الهادي صاحب اللقب الأغرب (عفروتو).
ولم تضن بقيّة الجماهير العربيّة على نجومها بالألقاب المعنّاة، ففي السّعوديّة لُقّب ماجد عبد الله ب(بيليه العرب)، وسعيد عويران ب(العالمي)، ونوّاف التمياط ب(الفتى الذهبي)، وياسر القحطاني ب(القنّاص)، وفي العراق لُقّب أحمد راضي ب(النّورس الطائر) ويونس محمود ب(السّفّاح)، وفي المغرب لُقّب أحمد مكروح ب(بابا)، وعبد الجليل حدّا ب(كاماتشو)، وفي تونس كُنّي الحارس صادق السّاسي ب(عتّوقة)، وفي الجزائر يحظى مجيد بوقرّة بلقب(الماجيك)، وفي الإمارات تستحب الجماهير تدليع نجمها عمر عبد الرّحمن بلقب (عمّوري).
وأيًّا كان الاسم أو اللّقب يبقى الفعل هو الأساس، وتبقى أسماء نجومٍ أخرى محفورةً في ذاكرة الجماهير العربيّة ولو لم ترتبط بألقاب وكنى معيّنة، فالأداء الراقي والسّيرة الحسنة داخل المستطيل الأخضر وخارجه، كفيلةٌ تمامًا برفع اللاعب إلى مصاف الأساطير الرياضيّة الخالدة.