لا يتصور البعض أن يصبح رسم الكاريكاتير ذلك الفن المضحك والمسلى مصدر شقاء لأصحابه فى كثير من الأحيان , حيث ينجح الفنان من خلاله فى التعبير عن نقد لاذع للمواقف المختلفة برسمة بسيطة تعبر عن تعقيدات ربما تلخص مقالات وأفكار ونظريات يطول شرحها ويعسر فهمها كما أن تطور وسائل التواصل الاجتماعى الذى نعيشه كل يوم قد يسر على الرسامين نشر وتسويق رسوماتهم المبدعة .
اعتقال إسلام جاويش الذى ينشر رسوماته الكاريكاتورية من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعى المعروفة باسم الورقة بسبب نشره عدة رسومات رأتها السلطة مهينة للسيسى ونظامه ليس إلا إثباتا على شعور المستبد الدائم بالخوف من السخرية وحس الفكاهة لأنها تسقط هيبته التى يستمد منها السلطة وتنزع الخوف من قلوب الناس .
نستعرض فى هذا التقرير خمسة قصص لرسامى كاريكاتير تحدوا السلطة وتعرضوا لقمعها :
- على فرزات
كلفته رسوماته الجريئة التى تنتقد نظام الأسد ثمنا باهظا حيث تعرض فى عام 2011 للاختطاف على يد مجهولين أبرحوه ضربا وكان التركيز على يده فتم تهشيمها ثم ألقوا به على قارعة الطريق .
فرزات الذى يعيش خارج وطنه حاليا قال لصحيفة الجارديان فى 2013 إنه شعر في البداية بخوف من معاودة الرسم ، ولكن “إذا لم أكن مستعداً للمخاطرة فلا يحق لي أن أعتبر نفسي فناناً وإذا لم يكن هناك رسالة أو مهمة لعملي ، فيجدر بي أن أعمل دهاناً أو مصمم ديكور”.
- ماليزيا أيضا تلاحق الكاريكاتير
بعد توجيه السلطات الماليزية تهمة جنائية إلى زعيم المعارضة أنور إبراهيم شرع الرسام ذوالكفل نور الحق فى انتقاد رئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق عبر رسوماته التى صور فى إحداها القضاة بأنهم دمى متحركة بيد رئيس الوزراء وفى أخرى صور رئيس الوزراء نفسه بأنه القاضى الذى يحاكم زعيم المعارضة ويتضح فى الصورة كتاب القانون ملقى فى سلة المهملات وقام بنشر الرسومات من خلال موقع مستقل وعلى صفحته التى يتابعها أكثر من 100,000 متابع الأمر الذى دفع ثمنه سريعا حيث اعتقل هو الآخر ووجهت اليه تسع تهم أبرزها التحريض ومناهضة النظام وتم منع نشر كتبه بعد ذلك .
يقول ذوالكفل : ” فى الأنظمة الفاسدة قول الحقيقة هو تحريض , سأظل أرسم حتى آخر قطرة من حبرى “.
- عندما ينتصر الرسام على الرئيس
فى جنوب إفريقيا دار صراع بين الرئيس جاكوب زوما ورسام الكاريكاتير زابيرو الذى ألمح من خلال إحدى رسوماته أن زوما قد مارس ضغطا على القضاء لأجل تبرئته من تهمة الاغتصاب التى وجهت له فى 2006 .
بدأ الصراع برسمة ظهر فيها زوما يخلع سرواله بينما أعضاء البرلمان والحزب الحاكم يمسكون بامرأة على عينيها عصابة وترتدى وشاح مكتوب عليه ” النظام القضائى ” تبع ذلك سلسلة رسومات بعنوان سيدة العدالة .
وقال زابيرو عن هذا الرسم : ” عادة ما يتم تمثيل العدالة بتمثال امرأة وهو رمز موروث من الرومان واليونان , وعند خلط هذه الصورة بمشهد من الاغتصاب السياسى فإنه يصبح كناية مؤثرة حول ما شعرت به إزاء ما فعله زوما بنظام العدالة .”
وفى عام 2008 رفع زوما قضية تشهير ضد الرسام وصحيفة صنداى تايمز التى نشرت الرسومات وطالب بتعويض يقترب من نصف مليون دولار تعويضا عما لحق بكرامته إلا أن زابيرو لم يتوقف وقام برسم زوما مرة أخرى وهو يخلع سرواله ويحاول التهجم على امرأة ترفع لافتة مكتوب عليها حرية التعبير وهى تحاول مقاومته .
بعد أربع سنوات أسقط زوما تلك القضايا مدعيا خشيته من أن تصبح سابقة قانونية فى قضية تخص حرية التعبير بينما إعتبر الرسام ذلك نجاحا لصموده أماما تهديدات الساسة .
- السخرية من تشافيز لها ثمن
ولم تسلم القارة اللاتينية من قمع رسامو الكاريكاتير وإلى تلك القصة من فنزويلا حيث تم فصل الرسامة رايما سوبرانى من عملها بصحيفة تابعة لرجال أعمال قريبين من سلطة الرئيس الحالى نيكولاس مادورو بعد ساعات قليلة من رسمها رسمة تسخر من واقع الصحة فى بلادها ومن وجود توقيع الرئيس الراحل تشافيز فى المبانى الحكومية حيث رسمت مخطط طبيعى لقلب وكتبت تحته الصحة وفى المقابل رسمت مخطط قلب بخط مستقيم دلالة على الوفاة وكتبت الصحة فى فنزويلا وذيلته بتوقيع تشافيز وقالت الرسامة إن ما أزعجهم حقا هو التعرض لتوقيع تشافيز ما يشكك فى الأيقونة المقدسة التى تريد الحكومة فرضها على الشعب ولا تقبل السخرية من سياساته .
ولم يشفع عملها فى الصحيفة طيلة 19 عام واتجهت الرسامة بعد ذلك إلى المواقع المستقلة قائلة إنها ملتزمة بالحرية وبمصداقية عملها.
- الرسم لإيقاظ الفافلين
قد تكون تلك القصة الأشد مأساوية وهى عن الاختفاء الذى تعرض له براجيث إكلينغودا الصحفى ورسام الكاريكاتير الذى واجه نظام الرئيس راجاباكسا بقلمه ، حيث اختفى عند عودته من عمله إلى البيت خلال فترة شهدت مواجهات بين النظام ومتمردين من أقلية التاميل.
فى رسمة شهيرة له صور الرسام امرأة نصف عارية تجلس أمام مجموعة من الرجال الباسمين وخلفها جدار مكتوب عليه ” الأغلبية تفضل الديمقراطية ” فى إشارة منه إلى قمع الأغلبية الإثنية الحاكمة للأقليات الأخرى وإلى التقارير التى تتحدث عن استخدام السلطة الاغتصاب كأحد أسلحة الحرب ضد المتمردين .
تقول زوجته التى لم تفقد الأمل فى العثور عليه أنها لا تعرف بالضبط أى من رسوماته أدت إلى اختفائه إلا أن المتمعن فى مجموعة الرسومات بوسعه أن يفهم الوضع السياسى والاقتصادى فى سريلانكا وكانت غايته هى إيقاظ الناس الغافلين والخائفين من نظام راجاباكسا من خلال الرسم إذ أن بوسع الجمهور فهمها بسهولة “.