أقل من شهرين تفصل الأزمة السورية عن دخول عامها الخامس وذلك عندما بدأت الإحتجاجات الشعبية السلمية تعمّ أرجاء البلاد في 17 من شهر مارس سنة 2011 تطالب بالإصلاحات السياسية الضرورية قبل أن تتحول الإحتجاجات إلى نزاع مسلّح بين طرفي النزاع “النظام” و”المعارضة”.
أطراف عدّة دخلت ساحة الحرب السورية،دول وجماعات ومجموعات مسلّحة، فأصبحت الثورة الشعبية العفوية أداة لتنفيذ مخططات أطراف دولية وإقليمية ولتحقيق أهدافهم وتوجهاتهم.
كانت المعارضة السورية المسلحة متجمّعة في أول الثورة السورية تحت مسمّى الجيش السوري الحرّ الّذي تشكّل أساسا من المنشقّين عن الجيش السوري، ثمّ سرعان ما تحوّل الأمر إلى التحاق مقاتلين أجانب بالثورة وتشكّلوا في أوّل مرّة تحت مسمّى جبهة النصرة الموالي لتنظيم القاعدة.
بدأت الثورة السورية العفوية في تلك الفترة بأخذ منحى وتوجه آخر سرعان ما دعّمته بعض الدول الإقليمية على غرار المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح مصير الرئيس السوري بشار الأسد بالإضافة إلى مصير الشعب السوري رهين قرارات دوليّة أو اجتماعات بين القوى الإقليمية.
تواصل الأمر إلى غاية 2016 وبقي الوضع في سوريا على ما هو عليه ولا شيء قد تغيّر سوى الدمار الّذي لحق بالبنية التحتية وارتفاع عدد القتلى من المدنيين، وبقيت اتفاقيات جنيف 1و2 التي رعتها الأمم المتحدة مجمّدة بسبب تعنّت أطراف النزاع في تطبيق ما جاء فيها.
هذا التعنت من أطراف النزاع في سوريا ظلّ قائما بسبب تباين مطالب الأطراف المتداخلة، وهو ما أسفر عن ظهور دعوات جديدة لعقد اجتماع جنيف 3 في أقرب الآجال.
كان من المقرّر أن يعقد جنيف 3 في 25 من شهر يناير الماضي، قبل أن يعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا للصحفيين على هامش منتدى دافوس الإقتصادي العالمي الخميس 21 يناير الجاري، أن أطراف النزاع”لم تثبت موعدا بعد، وبقي القيام ببعض العمل، ولذلك كان لافروف وكيري محقان في قولهما إن الـ 25 من يناير ليس موعدا مقدسا، لكننا مازلنا نتطلع إلى نهاية يناير”.
مؤتمر جنيف 3 الّذي ترعاه الأمم المتّحدة سبقه اجتماعين سابقين هما على التوالي:
جنيف1:
ففي 30 من شهر يونيو 2012، استضاف مكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف في سويسرا اجتماعا لـ “مجموعة العمل من أجل سوريا” بناء على دعوة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا في ذلك الوقت.
وضمّ الاجتماع كلا من الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية الإتحاد الروسي وتركيا والصين وفرنسا وقطر (رئيسة لجنة جامعة الدول العربية لمتابعة الوضع في سوريا ) والعراق (رئيس مؤتمر قمة جامعة الدول العربية) والكويت (رئيسة مجلس وزراء الخارجية التابع لجامعة الدول العربية ) والمملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة وممثلة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بوصفهم مجموعة العمل من أجل سوريا، برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا.
وكانت أبرز نقطة تمّ الإتفاق عليها نهاية الإجتماع وجوب تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية.- يمكن للحكومة الانتقالية أن تضم أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة، وستشكل على قاعدة التفاهم المتبادل بين الأطراف.
فشلت مقترحات المجتمعين في التطبيق على أرض الواقع وظلت الحرب على الأرض والأزمة السياسية قائمة بين الفرقاء السياسيين ليتم إقرار مؤتمر جديد في وسط 2014.
جنيف 2:
مؤتمر جنيف 2 للسلام في سوريا هو مؤتمر دولي مقترح دعمته الأمم المتحدة وعقد في جنيف بهدف إنهاء الحرب الأهلية السورية من خلال الجمع بين الحكومة السورية والمعارضة السورية لمناقشة إمكانية تشكيل حكومة انتقالية في سوريا مع صلاحيات تنفيذية كاملة.
جنيف 3:
انطلقت محادثات السلام السورية مساء الجمعة 29 يناير الماضي،في مدينة جنيف بسويسرا رغم مقاطعة وفد الهيئة العليا للمفاوضات التابع للمعارضة السورية والمنبثق عن مؤتمر الرياض.
بدأت المحادثات باجتماع بين المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من جهة، ووفد النظام السوري بقيادة المندوب السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري وبمشاركة عضو مجلس الشعب السوري عمر أوسي.
دي ميستورا قال في ختام اجتماعه مع وفد النظام في تصريحات صحفية «إن وفد النظام السوري حاول طرح موضوع مناقشة الجماعات الإرهابية ضمن أجندة المفاوضات، ولكن هذا الأمر ليس مدرجاً على قائمة المحاور الخاصة بالمفاوضات، فهي تتعلق بمناقشة المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وتغيير الدستور».
من جانبها، قالت الهيئة العليا للمفاوضات «إنها قررت المشاركة في محادثات السلام السورية في جنيف بعد يوم من انطلاقها، إثر حصولها على ما وصفتها المعلومات بضمانات أمريكية وأممية». وأعلنت الهيئة في بيان صحفي أن مشاركتها في المفاوضات تأتي «لاختبار جدية النظام السوري والمطالبة بإجراءات إنسانية تؤمن أرضية للعملية السياسية التفاوضية.
الأطراف المتدخّلة في الأزمة السورية
بين المؤتمرات الثلاث لجنيف، ظلّت أطراف الأزمة السورية الداخلية والخارجية هي نفسها وكلّ طرف يمثّله فصيل مسلّح أو آخر معارض، ففي شهر أكتوبر الماضي سلطت صحيفة “الغارديان” البريطانية الضوء على علاقة أطراف الأزمة السورية الداخلية بالأطراف الخارجية، عبر تقديم الدعم أو المواجهة العسكرية، وسط التدخل الروسي الجديد في هذه الأزمة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي أعده مجموعة من مراسليها، بالتعاون مع “معهد دراسات الحرب” الأمريكي، إن سوريا مقسمة في الوقت الحالي بين أطراف أربعة رئيسية: قوات النظام مدعومة من حزب الله، تنظيم الدولة الإسلامية، تنظيمات الإسلاميين، والمعارضة السورية المسلحة المعتدلة، فيما تسيطر المليشيات الكردية بشكل منفصل على مناطقها شمال البلاد.
أما الأطراف الخارجية الداعمة، فقد قسمتها الصحيفة إلى ثمانية دول رئيسية: روسيا وأمريكا وبريطانيا وتركيا وإيران والسعودية وقطر والأردن، وفصلت الصحيفة هذا الدعم بالتالي مع بعض الإضافات:
روسيا
كان الإدعاء الروسي المبدئي بأنها تضرب مواقع تنظيم الدولة فقط، فيما تعارض ذلك مع عدة تقارير على الأرض، وتقاطع مع اعترافها بضرب مواقع معارضة للنظام.
وتعتبر موسكو داعما قديما لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ويبدو الآن راغبا بضرب أي فصيل، علماني أو إسلامي، يقاتل الجيش السوري، بما فيها التنظيمات التي تقاتل تحت راية الجيش السوري الحر، المدعوم جزئيا بالتدريب والعتاد أمريكيا.
أمريكا
أمريكا بدورها تعارض نظام الأسد، مع اتخاذ خطوات محدودة لإسقاطه.
وشكلت أمريكا تحالفا لضرب أهداف لـتنظيم الدولة وتضرب أحيانا “جبهة النصرة”، بالإضافة لدعمها لبعض الثوار بالعتاد والتدريب لقتال تنظيم الدولة الإسلامية ودعمها العسكري الجوي للقوات الكردية التي قاتلته شمالا.
بريطانيا
تستخدم بريطانيا قاعدتها المهمة استراتيجيا في قبرص لضرب مواقع تنظيم الدولة دون مشاركة الرسمية في التحالف الذي تقوده أمريكا في سوريا.
ويعتقد أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يسعى لذلك، لكن التدخل الروسي عقد الأمور، بينما تعارض الحكومة البريطانية النظام السوري، وكانت داعما كبيرا للتنظيمات المعارضة السورية المعتدلة.
تركيا
تعارض تركيا، العضو في “الناتو” نظام الأسد بشدة، وأبدت مخاوفها من التدخل الروسي في أجوائها.
وتدعم أنقرة مجموعة من التنظيمات المعارضة للنظام، المعتدلة والإسلامية، بما في ذلك الجبهة الإسلامية التي تضمّ عشرات الكتائب المسلّحة على غرار جيش الإسلام وحركة أحرار الشام.
إيران
ترفض طهران أي اقتراح بتنحي، حليفها المخلص، الأسد، وتُعتبر داعما عسكريا كبيرا للنظام.
ودعمت إيران الحكومة السورية بالقادة العسكريين لتدريب ودعم قواتها المسلحة، وسط قتال كثيف لحليفها ووكيلها اللبناني حزب الله بجانب الأسد، بالإضافة لدعمها للمليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان.
السعودية
تصر الرياض على أن الأسد يجب أن يرحل كأي حل للأزمة، كما تدعم مجموعة من المعارضة الإسلامية والمعتدلة، وشنت ضربات جوية كجزء من التحالف الذي تقوده أمريكا.
ويقال إن السعودية دعمت الثوار السوريين بصواريخ مضادة للدروع، شمال سوريا، تحديدا بإدلب.
قطر
تمثل قاعدة العديد الجوية في قطر غرفة عمليات رئيسية للقوات الأمريكية، بالإضافة لشن قطر غارات ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية كجزء من التحالف.
وتدعم الدوحة طيفا من التنظيمات المعارضة، الإسلامية والمعتدلة، كما تفاوض أحيانا باسمهم، في حين وافقت الدوحة في وقت سابق على فتح مركز تدريب للثوار اللذين جندتهم أمريكا.
من أبرز المجموعات المسلحة التي تدعمها قطر حركة أحرار الشام الإسلامية كما لها علاقات اتصالية قوية مع جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة على غرار نجاحها في الوساطة لإطلاق سراح بعض المعتقلين السوريين “راهبات معلولا” وجنود في “الجيش اللبناني” اللّذين كانوا محتجزين عند النصرة.
الأردن
تعارض الأردن الأسد، وتدعم المقاتلين في الجبهة الجنوبية في محافظات درعا والسويداء، وتقدم الدعم اللوجستي والتدريب، بالإضافة لاستضافتها لغرفة عمليات مشتركة للجنوب، ومشاركتها بعمليات جوية عسكرية ضد تنظيم الدولة كجزء من التحالف.
يذكر أنه في 9 من شهر ديسمبر الماضي، استضافت المملكة العربية السعودية في عاصمتها الرياض أعمال مؤتمر المعارضة الموسع، والذي شارك فيه أكثر من مئة عضو من المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، في أكبر تجمع لهم منذ بدء الأزمة في البلاد قبل نحو 5 سنوات.
وضمت القائمة المشاركة في المؤتمر وقتها، شخصيات توزعت فيها الكيانات المشاركة، بين الجناحين السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حيث شارك الإئتلاف الوطني السوري بوفد من أعضائه مع شخصيات معارضة بلغ عددهم 36 شخصية، بينما مثل المعارضة المسلحة نحو 19 شخصية، وبقية الأعضاء من تيارات وكيانات مختلفة، أبرزها هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ومؤتمر القاهرة، وتيار بناء الدولة السورية، فضلاً عن معارضين مستقلين، إضافة إلى شخصيات سورية عامة وناشطين.
وكانت أبرز فصائل المعارضة السورية التي شاركت في الإجتماع، حركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام، ونور الدين زنكي، وفيلق الشام، والفرقة الساحلية الأولى والثانية، وغيرها من فصائل الجيش الحر.