دعت 4 منظمات حقوقية اليوم السلطات التونسية إلى الحد من تطبيق قانون 52 المتعلق باستهلاك المخدرات، واعتبرت كل من منظمات “هيومن رايتس واتش”، “محامون بدون حدود”، “شبكة الملاحظة للعدالة الانتقالية” و”إنترناشيونال ألرت”، في مؤتمر صحفي مشترك اليوم بالعاصمة أن القانون 52 “تسبب في التضحية بمستقبل العديد من الشباب دون أن يكون مجديًا في الوقاية والعلاج”.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته أمس الثلاثاء 2 فبراير 2016 بعنوان “كل هذا بسبب سيجارة حشيش، قانون المخدرات التونسي القمعي وخارطة طريق لإصلاحه”، أن مشروع القانون المتعلق بتخفيف العقوبات على تعاطي المخدرات قد لا ينجح في معالجة الإشكاليات الحقوقية في القانون الحالي.
وطالبت المنظمة الدولية السلطات التونسية بمراجعة القانون وإلغاء جميع العقوبات السجنية المتعلقة بتعاطي أو حيازة مخدرات لغايات ترفيهية.
ويحجر القانون عدد 52 المؤرخ في 18 مايو 1992 المتعلق بالمخدرات استهلاكها وشراءها وبيعها أو تصديرها أو توريدها أو التوسط فيها أو ترويجها أو تهريبها، وحجر تحجيرًا باتًا زراعة كل النباتات الطبيعية المخدرة وكل العمليات الصناعية والتجارية المتعلقة بها إلا في الأحوال المسموح بها قانونًا وذلك بالنسبة لميادين الطب والصيدلة والبيطرة والبحوث العلمية فقط، وقد أوجب القانون على كل مالك أو حائز على أرض تحتوي نباتات مخدرة إعدامها بنفسه.
ويعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 1000 دينار إلى 3000 دينار، كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك نباتًا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونًا والمحاولة تستوجب العقاب، كما يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى 3 أعوام وبغرامة من 1000 دينار إلى 5000 دينار، كل من تردد على مكان أعد وهيئ لاستهلاك المخدرات، أما المروج للمواد المخدرة، فتتراوح العقوبة من 6 سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة من 5000 دينار إلى 10 ألاف دينار، أما المهرب أو المورد فيعاقب بالسجن من 10 أعوام إلى 20 عامًا وغرامة مالية من 20 ألف دينار إلى 100 ألف دينار. ويحكم بأقصى العقاب المستوجب للجريمة، إذا ارتكبت ضد قاصر لم يبلغ 18 عامًا كاملة أو بواسطته أو من له سلطة عليه بداخل المؤسسات التربوية، أو إذا ارتكب أو شارك فيها أحد الأشخاص الذين عهد إليهم القانون مكافحة ومعاينة جرائم المخدرات والبحث فيها أو أحد المسؤولين عن إدارة أو حراسة الأماكن التي تحفظ فيها المواد المخدرة، ويتم الحكم بأقصى العقاب المقرر للجريمة في صورة العود.
ويمكن للمحكمة المختصة أن تأذن إلى جانب العقوبات الأصلية بفرض المراقبة الإدارية على المحكوم عليه لمدة 10 سنوات وبحرمانه لمدة تتراوح بين 5 و10 سنوات من مباشرة الحقوق والامتيازات كالحق في الوظيفة العمومية، وحمل السلاح والأوسمة الشرفية الرسمية والحقوق المدنية والسياسية والحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج، كما يفرض القانون التونسي طرد وترحيل الأجنبي المحكوم عليه من أجل جرائم المخدرات من التراب التونسي بمجرد قضائه للعقاب ويحجر عليه دخول البلاد التونسية مدة 10 سنوات إن كان العقاب من أجل جنحة، ومدى الحياة من أجل جناية وكل من يخالف ذلك يعاقب بالسجن من عام إلى 5 سنوات وبغرامة من 1000 دينار إلى 5000 دينار، والمحاولة موجبة للعقاب، وتسقط الدعوى العمومية بمرور 5 سنوات إن كانت ناتجة عن جنحة، وبمرور 10 سنوات إن كانت ناتجة عن جناية، ويسقط العقاب المحكوم به بمرور 10 أعوام بالنسبة للجنحة وبمرور 20 عامًا بالنسبة للجناية.
وأكدت مديرة مكتب هيومن رايتس واتش في تونس آمنة القلالي، وجود قرابة 5200 سجين من أجل مسك أو استهلاك مادة مخدرة في السجون التونسية وفقًا لإحصائيات الرسمية لإدارة السجون وهو ما يكلف السلطات مصاريف سنوية للسجين الواحد بنحو 38 مليون دينار ( قرابة 19 مليون دولار) حسب قولها.
وجاء في تقرير المنظمة، بحسب الإدارة العامة للسجون والإصلاح التابعة لوزارة العدل، أن عدد السجناء المدانين في جرائم تتعلق بالمخدرات قد بلغ حتى منتصف ديسمبر 2015 في تونس7451 شخصًا: منهم 7306 رجال و145 امرأة، أدين تقريبًا 70% من هؤلاء ـ حوالي 5200 شخص ـ باستهلاك أو حيازة مادة الزطلة، كما تبلغ نسبة المُدانين في قضايا مخدرات 28% من مجموع السجناء في تونس.
ورصدت هيون رايتس واتش من خلال التقرير الذي اعتمد شهادات لـ 47 شابًا وشابة تونسية، تجاوزات سواء في عملية إيقاف المتهمين من ناحية التعنيف الجسدي وكذلك يُزج بالمتهمين وفقًا لهذا القانون في زنزانة يختلط فيها المجرمون في قضايا كبرى كالاغتصاب والقتل مع بقية السجناء.
وكشفت القلالي أن سجين من بين 5 مُحاكم وفقًا لقانون 52 واعتبرت الرقم ”كارثي” بحكم أن 20% من المساجين في تونس تمت محاكمتهم وفقًا لهذا القانون.
وطرحت وزارة العدل التونسية نهاية ديسمبر الماضي نص مشروع قانون جديد يتعلق بالعقوبات المترتبة على استهلاك المخدرات ينتظر أن يناقشه البرلمان لاحقًا.
وبين تقرير المنظمة أن مشروع القانون الجديد قد ألغى عقوبات السجن في جميع القضايا المتعلقة بحيازة مخدرات للاستهلاك الشخصي للمرة الأولى والثانية، وعقوبات السجن الإلزامي للمعاودين، كما يمنح للقضاة سلطة تقديرية لفرض عقوبات بديلة، ويركز بشكل أكبر على خدمات العلاج غير أن المشروع يحتوي أيضًا على أحكام قد تنتهك الحق في حرية التعبير والخصوصية، فقد أضاف جريمة التشجيع العلني على ارتكاب جرائم تتعلق بالمخدرات.
وقالت الوزارة في نص مشروع القانون الذي نشرته على الإنترنت إنه يمثل “خطوة تشريعية هامة تنتظرها شريحة واسعة من الشباب التونسي” على أن يقدم لاحقًا لمجلس نواب الشعب للنظر والمصادقة عليه.
وينقح مشروع القانون الجديد ما يعرف بـ “قانون عدد 52” والذي يواجه انتقادات متواصلة من قِبل الحقوقيين كونه ينص على “عقوبات شديدة” في حق المستهلكين للمخدرات للمرة الأولى وخاصة منهم التلاميذ والطلبة خصوصًا ما ينجر من تبيعات عند دخولهم السجن.
ووفق نص مشروع القانون “لا يقع تتبع أو محاكمة من تورط لأول مرة في استهلاك مادة مخدرة في صورة موافقته على الخضوع للعلاج أو وضعه تحت المراقبة الطبية”، ويفرض مشروع القانون غرامة تتراوح بين 1000 و2000 دينار على المستهلك الذي يرفض الخضوع للعلاج أو المراقبة الطبية، وغرامة بين 1000 و50000 دينار على من يعود لاستهلاك المخدرات مرة ثانية، أما العائد مرة ثالثة فيواجه عقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى عام واحد مع غرامة من 2000 دينار إلى 5000 دينار مع إمكانية استبدال عقوبة السجن بعقوبة “العمل لفائدة المصلحة العامة”.
وقالت وزارة العدل إن تعديل قانون المخدرات “خطوة تشريعية هامة تنتظرها شريحة هامة من الشباب التونسي ممن زلت به القدم ومن ورائهم عدد هام من عائلاتهم والذين ظلوا ينتظرون استجابة الحكومة الحالية لتنقيح هذا القانون”، وأضافت أن التعديل “أخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن ينجر عنه (سجن مدخني الحشيش) من ضياع الشباب جراء دخول السجن ومرافقة المجرمين أثناء قضاء المدة السجنية خاصة بالنسبة إلى المبتدئين، ولاسيما التلاميذ والطلاب”.
وقرر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة التونسية، الإفراج بموجب “عفو خاص” عن نحو 900 سجين أدينوا باستهلاك “مادة مخدرة لأول مرة”، وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أن قايد السبسي قرر بموجب هذا العفو “الإفراج عن 1178 سجينًا من ضمنهم 885 محكومًا عليهم بسبب استهلاك مادة مخدرة لأول مرة”.
وكان قائد السبسي قد تعهد خلال حملته الانتخابية بتعديل القانون 52 الصادر سنة 1992 المتعلق بالمخدرات، الذي يقضي بسجن المدانين بتدخين الحشيش عامًا نافذًا على الأقل مع تغريمهم ألف دينار.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قدم وعدًا خلال حملته الانتخابية في 2014 بمراجعة قانون 52 ووصف مشروع القانون الجديد بـ ”الجيد”.
وأظهرت دراسة حديثة أجرتها المدرسة المتوسطية للحد من إدمان الكحول والمخدرات في الأوساط المدرسية “ماد سباد” بالتعاون مع وزارة الصحة ومنظمة التعاون لمكافحة استهلاك المواد المخدرة للمجلس الأوروبي على تلاميذ بين 15 و17 سنة أن نسبة 33.6% من الفتيات تقوم بترويج المخدرات في تونس.
وتعود أسباب ترويج الفتيات للمخدرات إلى سهولة استقطابهن وإغرائهن بالمال خاصة إذا كانت تعاني مشاكل مادية، إضافة إلى أنهن لا تثرن الشبهة في غالب الأحيان حسب نفس الدراسة.