بعد موقعة الألتراس: هل يلجأ النظام المصري لاحتوائهم أم يستمر الصدام؟

شهدت مدرجات ملعب “مختار التتش” أمس بالنادي الأهلي بالجزيرة إحياء ذكرى مذبحة بورسعيد الرابعة من قبل روابط مشجعي “ألترس أهلاوي” الذين تواجدوا بالآلاف في المدرجات وسط تواجد أمني مكثف في محيط المكان.
هذه الذكرى تبدو مختلفة بعض الشئ في سياق الأحداث التي تمر بها مصر، والتي تشهد اضطرابًا سياسيًا حادًا منذ انقلاب الثالث من يوليو وحتى اللحظة. روابط مشجعي الأندية المعروفة باسم “الألتراس” لم تكن بعيدة عن هذه الاضطرابات كثيرًا بعد توقف النشاط الرياضي في مصر لفترة ثم عودته بدون جمهور.
كما استمر عداء بعض المسؤولين في الأندية المصرية لظاهرة الألتراس وكذلك مجموعات من الإعلام الرياضي التي ناصبت هؤلاء المشجعين العداء، عقب عدة أحداث صدامية مع هذه الراوابط على مدار السنوات الماضية والتي أسفرت عن مقتل العشرات منهم.
قرر “ألتراس أهلاوي” أمس تخليد ذكرى شهداء النادي الأهلي بمذبحة بورسعيد التي وقعت قبل أربع سنوات عقب مباراة الأهلي والنادي المصري البورسعيدي التي أسفرت عن مقتل 72 شهيدًا من مشجعي النادي.
الذكرى لم تمر دون أن يردد مشجعو الألتراس هتافات مناوئة لوزارة الداخلية والمجلس العسكري الذي كان يدير البلاد في هذه الفترة، متهمين إياهم بالمسؤولية الكاملة عن مقتل زملائهم في حادثة استاد بورسعيد.
الهتافات الأبرز كانت ضد رئيس المجلس العسكري السابق ووزير الدفاع إبان ثورة يناير والمرحلة الانتقالية المشير محمد حسين طنطاوي، حيث طالبت الهتافات بإعدام الرجل، كما طالبت بالقصاص لزملائهم.
هذا واستكمل ” ألتراس أهلاوى” إحياء هذه الذكرى بحضور بعض أهالي ضحايا المذبحة فى مدرجات ملعب التتش بالألعاب النارية وإطلاق الشماريخ فى الهواء وتعليق لافتات وصور لشهداء مجزرة بورسعيد.
لم ترض هذه الهتافات المعادين للألتراس من المقربين للنظام الحالي، وبدء سيل من الهجوم عليهم متهمين إياهم بتهم “البلطجة” و”الإرهاب”، كما خشيت إدارة النادي الأهلي من عواقب “موقعة التتش” التي هتف الشباب فيها ضد المجلس العسكري الذي كان الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي أحد أعمدته آنذاك.
حيث اعتذر رئيس مجلس إدارة الأهلي محمود طاهر عما بدر من المشجعين في النادي اليوم متهمًا من فعل ذلك بوصف “القلة”، وأشار طاهر إلى أن الذين أقدموا على هذا التصرف الذي وصفه بـ “المشين” لايمثلون جماهير الأهلي التي لا يزايد أحد على وطنيتها وأن النادي وأعضاءه وجماهيره ومسئوليه دائمًا يضعون مصلحة مصر فوق الجميع، بحسب تصريحاته.
كما أوضح أن أمن النادي لم يكن في مقدورهم منع هؤلاء من دخول ملعب التتش بعدما تجاوز عددهم العشرين ألف فرد، وأصدر طاهر بيانًا يتبرأ فيه من روابط مشجعي “الألترس”، وهو تصرف عده البعض مفهومًا في إطار أن مجلس طاهر معين من قبل الدولة وله ولاءات داخل النظام.
أصداء موقعة التتش لم تنتهي عند هذا الحد حيث تدخل فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيًا عبر مداخلة هاتفية مع أحد البرامج الحوارية على إحدى الفضائيات، موجهًا رسالة إلى مشجعي الألتراس، حيث دعاهم قائلًا “لا أريدكم أن تنظروا فقط لشباب بورسعيد بل انظروا إلى جميع شباب مصر”.
وأضاف السيسي أنه “يريد الجلوس مع ممثلين لشباب الألتراس، للاطلاع على ما تم في تحقيقات مذبحة بورسعيد، وسأطالبهم بتزويدنا بما لديهم من معلومات”. وطرح السيسي على الألتراس مبادرة لتشكيل لجان منهم لكشف ملابسات الواقعة، بتحقيقات مدعومة من مؤسسة الرئاسة.
ما عرضه السيسي على شباب الألترس هو مسلك غير الذي تنحاه أجهزته الأمنية مع ظاهرة هذه الروابط الشبابية، حيث اعتاد النظام منذ نشأة هذه الروابط على المواجهة الأمنية والإعلامية للمشجعين، وهو ما خلق نوع من العداء بين النظام وأجهزته الأمنية والألتراس، ويظهر ذلك واضحًا في هتافاتهم على مر الأعوام الماضية في الأحداث المختلفة.
مبادرة السيسي التي أطلقها على الهواء لا يعتقد البعض أنها ستلقى قبولًا من جانب مشجعي الألتراس، ولا يظن البعض بالأساس أنها ستنفذ على أرض الواقع من قبل الأجهزة الأمنية، إذ أنهم يفضلون الصدام مع الشباب، محاولين تفكيك هذه التجمعات التي يرونها تمثل خطرًا على نظام الحكم القائم.
بينما يرى آخرون أنها محاولة من السيسي لامتصاص غضب الشباب بعدما أيقن عدائهم للنظام الحالي على طول الخط، معترفًا بعدم مقدرتهم على التواصل مع الشباب، ومما يدلل على تخبط النظام في التعامل مع شباب الألتراس هو أنه استمر هجوم الإعلاميين والمسؤوليين الرياضيين على الألتراس حتى بالرغم من حديث السيسي الودي إليهم، رافضين فكرة الحوار معهم التي طرحها السيسي ومطالبين بتعامل أمني معهم.
وهو ما يرجح أن التعامل الحقيقي مع تصريحات السيسي سيكون من قبيل “الشو” الإعلامي ولن تكون لها أصداء على أرض الواقع، لأن أجهزة الدولة والألتراس لن تكون لديهم أي ردود أفعال إيجابية على أحاديث السيسي التي تنافيها الوقائع، إذ أن السيسي أحد المتهمين من قبل الألترس في مذبحة بورسعيد كونه عضوًا سابقًا في المجلس العسكري في فترة حدوث المجزرة، واليوم يدعي أن الحادثة بها قدر من الغموض.
الجدير بالذكر أن النظام الحالي سعى عبر أذرعه لاستصدار حكم لحظر جميع روابط الألتراس على مستوى الجمهورية واعتبارها جماعات إرهابية، حيث قضت بذلك محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة في العام الماضي، وقد اتهمت حينها شخصيات رياضية ودعمت حديثها بمصادر أمنية روابط الألتراس بالتورط في أعمال شغب وتخريب في البلاد، ناهيك عن عمليات الاعتقال التي طالت بعض صفوفهم.
التعامل مع روابط الألتراس من قبل نظام السيسي لا يمكن أن ينفك عن طريقة تعامله مع المجال العام في مصر، إذ يسعى النظام لتفكيك أن تنظيم أو تجمع شبابي يراه خطرًا على أمنه، عبر حظره أو ملاحقته أمنيًا، وهو ما يحدث مع الألتراس منذ نشأة نظام السيسي بعد الانقلاب العسكري.
أما ما تحدث عنه السيسي من سياسة عقلانية لا يمكن أخذه على محمل الجد في هذا الصدد، لأنه لم يعهد على أجهزة النظام احتواء ظواهر في المجال العام، إنما السياسة المتبعة هي “خنق” المجال العام، بالإضافة إلى عدم وجود أي رصيد من الثقة المتبادلة بين الأطراف، ناهيك عن المناخ السياسي المأزوم، وعقلية النظام الأمنية التي ترى كل تجمع خارج سرب أذرع النظام، هو تجمع يستهدف إسقاطه، لذا يعتبر الأمن شباب الألتراس ضمن “المجموعات الإرهابية”.
في الوقت الذي لا تزال فيه قضية الشباب وتعامل النظام معهم طافية على السطح، بعدما ظهر رفضهم للنظام في أكثر من مشهد كان آخرهم ذكرى ثورة يناير التي تعامل معاه النظام بطريقة تنم عن سعيه للصدام وبعده تمامًا عن أي بوادر احتواء.