هل يعلم بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة أن مآسي الكرة الأرضية كلها تهون أمام مأساة الشعب الفلسطيني؟ وهل يعلم أن كل الصراعات القائمة بين الجيوش المحلية والدولية لا تقوم بنزع المواطن من أرضه وبيته، باستثناء الجيش الإسرائيلي الذي فعل ذلك مع الفلسطينيين؟ وهل يعلم بان كي مون أن كل الصراعات الدائرة على وجه الأرض لم ينجم عنها نزع ملكية صاحب الأرض، باستثناء الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث انتزع الجيش الإسرائيلي المواطن العربي من أرضه، وتركه مشردًا في كل المعمورة، بلا هوية أو وطن؟ وهل يعلم بان كي مون أن الخلافات الحزبية والصراعات الطائفية قد تجد طريقًا للتفاهم باستثناء الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تنكر إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه؟
تلك الحقائق التاريخية لا يمكن أن يتنكر لها أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون ولا غيره ممن شغل المنصب نفسه، ولاسيما أن المؤسسة الدولية قد وثقت بالقرارات الصادرة عنها اغتصاب فلسطين، فكيف ينسى أمينها العام مأساة الشعب الفلسطيني الذي لما يزل يتلقى الغذاء والدواء من وكالة هيئة الأمم المتحدة حتى يومنا هذا؟ لينتقد بان كي مون، ويدين بشده في مقاله المنشور في صحيفة نيويورك تايمز عمليات الطعن والدهس التي ينفذها شباب فلسطينيون في أنحاء الضفة الغربية ومدينة القدس، وينتقد التحريض على العنف كما يدعي، في الوقت الذي يعترف بحق الشعب القابع تحت الاحتلال في مقاومة المحتلين؟
لقد نسي بان كي مون موقعه الوظيفي، وحسب نفسه عضو في منظمة إيباك اليهودية، حين انتقد إعلان الحكومة الإسرائيلية مصادقتها على أكثر من 150 وحدة سكنية “في المستوطنات غير القانونية الواقعة في المناطق الفلسطينية المحتلة”، بالإضافة الى إعلان الحكومة الشهر الماضي عن ضم 370 دونم من مناطق الضفة الغربية.
لقد قزّم بان كي مون الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وحصرها في لحظة الاعتداء على أراضي الضفة الغربية، وتجاهل أصول الصراع الدامي الذي يمتد لأكثر من ستين عامًا، وهو يبدي حزنه على ما يعانيه الفلسطينيون من سياسات تمييزية، والتي قد يكون لها أساس قانوني، والتي تهدد بيوت العديد من الفلسطينيين بالهدم.
هذا المنطق النقدي السخيف الصادر عن أمين عام هيئة الأمم المتحدة والذي لم تعقب عليه السلطة الفلسطينية بالنقد أو الاعتراض مرفوض من قِبل الشعب الفلسطيني، صاحب الحق بأرضه فلسطين، وصاحب الحق في الدفاع عن وطنه بكل السبل والوسائل، ولاسيما حين يتوسل بان كي مون في نهاية مقاله رضا اليهود، ويدافع عن نفسه أمام النقد الإسرائيلي، فيقول: “عندما يكون هنالك قلق صادق حول سياسات خاطئة أو غير أخلاقية، صادر عن هذا العدد الكبير من الجهات، من ضمنها جهات التي تعتبر من أقرب الأصدقاء لإسرائيل، لا يمكن الاستمرار بمهاجمة ناقد له نوايا صادقة”.
يا صاحب النوايا الصادقة، مأساة الفلسطينيين تكمن في العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الأرض والإنسان، وتكمن في عدم الرد على مقالك ببيان رسمي فلسطيني، يرفض محاباتك لليهود، ويفضح العدوان الإسرائيلي المتعمد على حياة الصبايا، والاقتحام الفاضح للمؤسسات المدنية والمستشفيات، والحصار المهين لمدينة رام الله والخليل وغيرهما من المدن الفلسطنيية.