على مدى مرتين إلى ثلاث مرات، حاولت فرنسا وضع مبادرات سياسية تهدف إلى حل القضية الفلسطينية، وذلك بناءً على فكرة تعزيز مكانتها الدولية باعتبارها من الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن، وترتيبًا على ما تتطلبه حاجاتها ومصالحها الخاصة، لكنها وبعد احتفالٍ قصيرٍ، كانت تتخلى عن مبادراتها بلا أي تردد، وسواء كان نتيجة لفشلها في حيازة أصوات كافية، كما حدث بشأن مشروعها بالاشتراك مع المجموعة العربية أواخر 2014، أو نتيجة تلقيها ضغوطًا أمريكية – إسرائيلية، باتجاه إزاحتها من جداول المجلس، كما حصل خلال 2015، وبحجة أن المفاوضات الثنائية فقط، هي السبيل الوحيدة التي بإمكانها إنتاج السلام.
وبرغم توقفها عن إنتاج مبادرات منذ ذلك الحين، وهذا بالضبط ما شعر به الكل، إلا أنها الآن تبدو وكأن عاودها الحنين للحديث عن مبادرة سياسية جديدة تتضمن الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، وبمشاركة الأطراف الرئيسية والمركزية – الولايات المتحدة الامريكية، مجموعة الدول الأوروبية، الدول العربية – وذلك بهدف الحفاظ على فكرة حل الدولتين وإمكانية تحقيقه كأمرٍ واقعٍ.
تميزت هذه المبادرة في نظر كل من الولايات وإسرائيل، بمشكلتين في آنٍ معًا، تكمن الأولى: في إهمال فرنسا لمسألة التشاور مع واشنطن بشأنها، كما حدث وأن قامت بذلك خلال مساعٍ سابقة، والثانية: تكمن في قيامها بإرفاق المبادرة، بتهديدٍ واضح إلى إسرائيل، والذي يشير إلى أنها – حسبما أعلن وزير الخارجية الفرنسي ” لوران فابيوس”- ستقوم ببساطة ودونما أي مطلب سابق أو حرجٍ لاحق، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا ما قامت إسرائيل بإفشالها.
فالولايات المتحدة وفي ضوء استبعادها لتحقيق حل الدولتين وسواء في الوقت الحالي أو حتى القريب، نجدها وقد أبدت تحفظًا مهما باتجاه الخطوة الفرنسية، لإرفاقها بتهديد ضد إسرائيل، باعتباره سيؤدي إلى نتائج مُعاكسة، سيما وأن باعتقادها أن الفلسطينيين والإسرائيليين، سيتوصلون إلى اتفاق عبر المفاوضات المباشرة فقط، ما يعنى أنها تعارض أية تدخلات تهدف إلى الضغط على إسرائيل وليس التهديد بمفرده.
أما إسرائيل، التي كانت تُوغل في شأن استبعادها، لأن تقوم فرنسا بتكرار أفشالها السابقة، فقد كانت أكثر حذرًا في شأن ردها على المبادرة، حيث إنها لم تبدِ مُعارضة ولا مُوافقة أيضًا، وفي نفس الوقت، لم تقم كعادتها، بطلب إيضاحات حولها، أو تسأل فيما إذا كان يتوجب على فرنسا، الطلب من الفلسطينيين بوقف نشاطاتهم (التحريضية) ضدها.
وإن كان حذر إسرائيل توضح على ما سبق، إلا أنها أسرفت في غضبها بشأن التهديد المُرفق بالمبادرة، حيث أظهرت غضبًا كبيرًا باتجاهه، مُعتبرة إياه بأنه سيكون مسؤولًا عن تعنت الفلسطينيين باتجاه متطلبات السلام، بسبب تجاوزه لأكثر مما درجوا عليه في السابق، بمعنى أن فرنسا ستكون مسؤولة عن أفول السلام، سيما وأنها أصدرت حكمًا مُسبقًا ضدها، برغم عدم عِلمها بموقفها من دعوتها للمؤتمر والتي لاتزال في علم الغيب.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن ما أثار إسرائيل أكثر، هو أن المبادرة أظهرت، بأن لفرنسا صلات قوية بالسلطة الفلسطينية، والتي تُوحي بوجود خطوط تشابه كثيرة معها، وهذا الغضب قد ينتهي إلى إرسالها قرارات صعبة باتجاه فرنسا، تكون أشد كثيرًا نسبةً إلى سياستها، وعندها ستكون حيرتها من نوع المشكلات التي تخوضها الدول الضعيفة أو الفاشلة على أقل تقدير، خاصة وأن لديها ما يدعوها إلى الشعور بعدم الارتياح لمنظومة العلاقات معها والولايات المتحدة بشكلٍ خاص.
إلى حد الآن، فإن الفلسطينيين وحدهم، هم الذين سارعوا باتجاه الترحيب بالمبادرة، وهم وحدهم الذين قاموا إلى تعزيز اتصالاتهم مع فرنسا، أملًا منهم في دفع هذه الخطوة إلى الأمام، برغم عِلمهم بأن المبادرة هي بمثابة إلغاء أو تحييد لاشتراطاتهم السابقة التي كانوا يشترطونها للعودة إلى المفاوضات.
ربما يُكتب النجاح لانعقاد المؤتمر، وقد يتم الخروج منه بعناوين مُهذبة، ولكن الصعوبة تكمن فيما إذا كانت هناك إمكانية لتحقيق تقدم في المفاوضات التالية له، سيما وأننا سنعاود الاستماع عن إسرائيل اليهودية واحتياجاتها الأمنية، وقضايا أخرى مُركبة والتي تُعتبر غير مقبولة لدى الفلسطينيين، وعندها سنرى كيف تحدد فرنسا موقفها.