تعد محافظة الحديدة إحدى أهم مناطق اليمن التي استخدمتها مليشيات الحوثي في تسليح مجاميعها منذ سنوات طويلة حتى قبل اندلاع حروب صعدة الستة.
السواحل الغربية لليمن والتي تقع على امتداد محافظتي تعز والحديدة وصولاً إلى سواحل حجة مثلت طرق عبور وإنزال شحنات السلاح الإيرانية للحركة الحوثية وأيضًا بضائع واحتياجات الحركة الحوثية في عملية بناء هيكلها التنظيمي والتأهيل العام لأذرع الحركة المختلفة.
من ذباب والمعقر وواحجة والمخاء والخوخة وصولاً إلى اللحية وميدي كل الشريط الساحلي كان شريانًا مهمًا للحركة الحوثية في عملية التسليح وتهريب كل ما تحتاجه الحركة وربيبتها طهران وذلك هروبًا من عيون أجهزة أمن نظام صالح التي كانت هي من تتحكم بالمنافذ الرسمية للبلاد ومن تحتكر أحقية تمرير ما هو غير شرعي أو ممنوع ضمن صفقات متنوعة تدار من قِبل مجموعة من النافدين.
قبل انقلاب الحركة الحوثية المليشاوية بمساندة وحدات جيش صالح أو الموالية لصالح كانت الحديدة المحافظة الأكثر تبعية لحزب المؤتمر سياسيًا حيث يحتكر الحزب تمثيل المحافظة نيابيًا في كل الدوائر ويسيطر على غالبية التمثيل المحلي أيضًا، ويعد حضور خصوم صالح (حركة الإخوان المسلمين) باهتًا، بل كل القوى السياسية تكاد تكون غائبة ومنعدمة التأثير في محافظة الحديدة باستثناء حزب الإصلاح صاحب النشاط المتواضع لمجاميع من أنصاره ينحدرون من محافظات تعز وريمة ومناطق وصابين.
تركيبة محافظة الحديدة كإطار إداري أو تهامة اجتماعيًا ساهم كثيرًا في منع تشكل مراكز قوى محلية ذات تأثير فاعل على مستوى المحافظة سواءً سياسية أو عسكرية أو اجتماعية أو حتى دينية كما هو حال الجماعة السلفية في تعز والصوفية في حضرموت والتنظيمات الجهادية المتطرفة أو بالأصح الإرهابية في جنوب وشرق اليمن والمتمثلة بالقاعدة وداعش.
ورغم وقوع محافظة الحديدة أو تهامة ضمن سلطة اللواء علي محسن الأحمر العسكرية في نطاق وجود المنطقة العسكرية الشمالية الغربية إلا أن اللواء النافذ قبليًا وعسكريًا وسياسيًا في عهد نظام المخلوع صالح فشل في تسجيل اختراقات حقيقية داخل المجتمع التهامي لاكتساب حضور مبني على غير سلطة المنطقة العسكرية بل حتى الطرف القبلي الوحيد المساند للواء الأحمر حاليًا هو الشيخ منصر أحد شيوخ قبيلة الزرانيق القوية مرتبط بحركة الإخوان المسلمين كقيادي تنظيمي في حزب الإصلاح.
ومن المفارقات الغريبة أنه وطوال أكثر من عقد من الزمن بقي عبد بورجي الصحفي في رئاسة الجمهورية أكثر حضورًا ونفوذًا في الحديدة وتهامة من كل الأحزاب اليمنية ومعها قادة وحدات المنطقة العسكرية الشمالية الغربية بما فيهم قائد المنطقة اللواء علي محسن الأحمر، وهذا الحضور ليس المقصود به سلطة إنفاذ الأمر بل أيضًا الحضور كمركز نفوذ مقبول اجتماعيًا وسياسيًا لبورجي ممثل الحديدة في اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام.
وقد ساعدت الهوية الصوفية لأبناء تهامة والذهنية غير المنشدة للتطرف أو للجماعات الدينية المغالية على عدم تمدد حركة الإخوان المسلمين في المجتمع التهامي والحركات السلفية أيضًا التي فشلت في إيجاد حاضن اجتماعي لها في تهامة رغم أن تهامة هي من أكثر مناطق اليمن التي تقل فيها نسبة التعليم وهو المناخ الذي يعد ملائمًا للحركات الدينية المتطرفة.
الحديدة أو تهامة التي ظلت وفية لصالح وحزبة حتى في أحلك الظروف حين تمرد على صالح أبناء قريتة وعمومتة وأصهاره وشركاء مسيرتة السياسية حين مثلت الحديدة أقل محافظة تفاعلاً مع الثورة ضد نظام صالح عام ٢٠١١م مما دفع أطراف الثورة إلى الاستعانة بأبناء تعز وريمة ووصابين ومناطق أخرى لتنشيط العمل الثوري الجماهيري بينما كان أبناء تهامة هم الأقل حضورًا وتفاعلاً.
هذا الوفاء للمخلوع وحزبة جعل صالح يكافئ التهاميين بأن جعل تهامة ثاني وجهة للمليشيات الانقلابية بعد سقوط العاصمة صنعاء وتحول كل شيوخ حزب صالح وقيادات حزبه إلى رقم يضاف إلى رصيد المنبطحين أمام عجلات الشاصات الحوثية القادمة من أعالي الجبال الشمالية.
وخلال ثلاثة أرباع العام انتقلت القيادة والإدارة والسلطة في الحديدة وتهامة كلها إلى يد المليشيات الحوثية بل حتى أمين عام المجلس المحلي للمحافظة حسن هيج القيادي في حزب صالح تحول بين ليلة وضحاها إلى محافظ بقرار حوثي بل خدام للمليشيات بينما كان بإمكانة أن يكون محافظًا بموجب قانون السلطة المحلية الذي يعتبر أمين المجلس المحلي نائبًا للمحافظ والنائب في حال أصبح منصب الرجل الأول شاغرًا هو من يكون البديل.
ومنذ انطلاق عمليات التحالف المساند للشرعية ضد مليشيات الحوثي ووحدات جيش المخلوع صالح بقيت الحديدة خارج دائرة الحضور العسكري المقاوم للوجود المليشاوي الانقلابي وذلك بسبب حسابات خاصة بالتحالف وقادة العمل العسكري وراسمي الإستراتيجيات في غرف التحالف والجيش الوطني والمقاومة.
وقبل أيام بل الشهر الماضي بدأت عملية عسكرية انطلقت من جيزان السعودية دخولاً إلى الطوال اليمنية وصولاً إلى حرض وميدي وذلك لبدء معركة تحرير الحديدة وإغلاق خطوط الإمداد التي تربط المليشيات بصعده عبر محافظة حجة من حرض وتربط الحديدة بصنعاء وعمران وصعده في إطار دائرة مغلقة تطوق نصف اليمن جغرافيًا.
التحالف وقادة الشرعية كرروا نفس خطأ المخلوع بترك تهامة دون أي اهتمام ببؤر المقاومة في مناطق السهل الخصيب بل إن الحراك التهامي حين بدأ التحرك لمواجهة المليشيات الانقلابية كان هو الطرف الوحيد الذي لم يتم دعمه من قِبل التحالف على مستوى كل مناطق اليمن رغم أن دعم التحالف وصل إلى مختلف الفصائل التي تقاتل المليشيات الحوثية في كل منطقة ومحافظة وقطاع بل وجبهة.
الحراك التهامي هو تيار عريض وهام تشكل كردة فعل على الظلم والإجحاف الذي تجرعته تهامة طيلة أربعة عقود من الزمن منذ رحيل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وكان الحراك التهامي خطوة أراد التهاميون عبرها إسماع صوتهم وإثبات حقهم في أن يكون لهم حضور وشراكة تتجاوز احتكار تمثيل تهامة من قِبل عبده بورجي والشيخ منصر.
حراك تهامة تعرضت خطوته الأولى في مسيرة الكفاح المسلح ضد مليشيا غازية وانقلابية لقمع وحشي من قِبل المليشيات وتفريط غير مدروس من قِبل التحالف والرئيس هادي؛ الأمر الذي جعل الحديدة وتهامة ساحة استجمام بالنسبة للمليشيات الانقلابية لا يكدر صفوهم فيها سوى ضربات الطيران ومحاولة يتيمة لبحرية التحالف لمناوشة هذه المليشيات.
اليوم وبعد أن بدأت التحركات العسكرية للجيش الوطني والمقاومة والتحالف في الحديدة تم الاستعانة فقط بفصيل اجتماعي واحد من قبيلة الزرانيق بقيادة الشيخ منصر الحليف للواء علي محسن الأحمر والقيادي في الإصلاح وحتى ابن تهامة صخر الوجية الحليف للواء الأحمر والذي تمت تسميتة قائدًا لمقاومة تهامة غاب عن المشهد ولم تسجل مقاومته أي حضور في ميدان المواجهة حتى اللحظة.
في تهامة هناك آلاف الشباب الذين ينتظرون من يمد لهم اليد لينخرطوا في مقاومة مسلحة ضد مليشيات الحوثي الانقلابية وهم ليسوا أقل من شباب تعز وعدن والضالع استعدادًا للتضحية والمشاركة في معارك التحرير والدفاع عن أرضهم وحقهم في إدارة شؤونهم، لكن هؤلاء الشباب ليسوا في كشوفات من عينهم التحالف لإدارة معركة تهامة وهم لن يذهبوا إلى حزب الإصلاح والشيخ منصر لكي يحصلون على تزكية منهم تمنحهم جواز عبور إلى قلب معركة الدفاع عن تهامة.
اللواء علي محسن الأحمر والرئيس هادي أوكلوا إلى ضابط من غرب تعز قيادة المنطقة العسكرية السادسة التي تقع ضمنها الحديدة لأن الضابط عادل القميري كان من قادة الجيش المحسوبين على اللواء علي محسن والإصلاح وثلاثتهم ليس لهم حضورًا فاعلاً في تهامة فكيف ستكون معركة تحرير تهامة بعدد زهيد من الزرانيق وقادة من تعز وإدارة من قِبل اللواء الأحمر.
ليس المقصود هنا التقليل من دور أحد أو التشكيك في أي طرف كان بل تنبيها بعدم صوابية إغفال دور ضباط وقادة عسكريين واجتماعيين غير محسوبين على اللواء الأحمر والإصلاح أي أنه يجب أن يكون للتحالف ولقيادة التحالف ممثلة بالسعودية والإمارات خيارات موازية لحركة الإخوان واتباع اللواء الأحمر كما هو الحال في محافظة تعز ومناطق الجنوب حين تعددت الخيارات وتنوعت فصائل المقاومة لتمثل كل القوى السياسية والاجتماعية وحتى فئة شباب الحارات الذين ليس لهم إطار سياسي أو اجتماعي يمثلهم كما حصل في عدن سابقًا وتعز حاليًا.
حتى المعركة العسكرية تقتضي تكتيكاتها العملياتية إشراك العنصر المحلي في التخطيط والتنفيذ والمساعدة في الجانب المعلوماتي والإسناد اللوجستي على قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها.
من غير المنطقي الدخول إلى مناطق تهامة بقوات عسكرية وعناصر مقاومة شعبية دون وجود العنصر التهامي بفعالية لأنه في هذه الحالة لن تختلف الصورة كثيرًا في نطاق الرؤية؛ فالحوثي قادم من الشمال القبلي والجيش الوطني والمقاومة وجهًا آخر للقادمين من خارج حدود الإقليم التهامي وسيكون القميري نسخة من أبو علي الحاكم حينها وعلي محسن الأحمر نسخة من المخلوع صالح هذا في نظر التهاميين طبعًا.
ولا يجب هنا المبالغة كثيرًا في إضفاء الوطنية والشرعية على الطرف المواجه للمليشيات في معركة تحرير تهامة لأن أبناء تهامة شأنهم شأن أبناء الجنوب موجوعون بسنين عجاف من التهميش والظلم والإجحاف فلا يجب تهميشهم أيضًا في معركة تحرير بلادهم لان من يشارك في الحرب سيشارك مستقبلا في البناء واعادة تطبيع الاوضاع وليس عيبًا أو حرامًا أن نقول إن الإعداد لمعركة تحرير تهامة يحتاج إعادة نظر فتصحيح الخطأ إن وجد وتلافي أوجه القصور في البداية خير ألف مرة من الندامة في النهاية .