كشف تقرير للكاتب البريطاني ديفيد هيرست عن مصرع العشرات من اللاجئين خلال الأسبوعين الماضيين في مخيم أقيم للاجئين السوريين في منطقة الرقبان على حدود سوريا مع الأردن، حيث قال هيرست في تقريره الذي نشرته صحيفة “ميدل إيست آي” إن المخيم الذي أقيم في منطقة نائية على الحدود مع الأردن تنقصه التجهيزات اللازمة.
وأضاف الكاتب أن عواصف الشتاء القارص وجراحات الحرب وسوء التغذية والأمراض اجتمعت لتفتك بالضعفاء من هذا الفوج الجديد من اللاجئين الذين شردهم من ديارهم داخل سوريا القصف الروسي وتنكيل تنظيم الدولة، حسب ما أفادت له به مصادر مطلعة.
وتقول المصادر إن معظم الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن، والذين يشكلون جزءا من تجمع جديد للاجئين يقدر عددهم ما بين 18 و19 ألفا انتهى بهم المطاف إلى منطقة الرقبان، ويقع مخيم الرقبان في منطقة حرام حيث تلتقي الحدود الأردنية والسورية والعراقية، والمخيم الذي يبعد ما يقرب من 120 كيلومترا عن أقرب قرية له هي الرويشد، لا توجد فيه سوى بئر مياه واحدة جرى حفرها، ولا توجد فيه طرق معبدة، وقبل عشرة أيام أدى سقوط الأمطار الغزيرة إلى عزله تماما وظلت السبل إليه لما يقرب من عشرة أيام غير نافذة.
وتابع التقرير أن الأحوال الصحية وأوضاع النظافة في غاية السوء، الأمر الذي أدى إلى انتشار التهاب الكبد الوبائي بين قاطني المخيم.
ونقل التقرير تصريحا عن أحد مسؤولي الإغاثة عاد من الرقبان يوم الأربعاء، واشترط عدم الإفصاح عن هويته: “ما بين سبعين إلى مائة لاجئ لقوا مصرعهم خلال الأسبوعين الماضيين في الرقبان بسبب عواصف الشتاء، في الوقت الذي استمر فيه تدفق اللاجئين من كل مكان بما في ذلك منطقة الحجر الأسود، ما لبث هؤلاء يتدفقون على المكان منذ شهور عدة، وبعضهم وصل لتوه”.
وفي معرض وصفه للأوضاع هناك، قال مسؤول إغاثة أردني آخر عاد لتوه من المخيم: “معظم من توفوا هم من الأطفال والنساء والمسنين، وبعض هؤلاء قضوا نحبهم بسبب جراحات أصيبوا بها في الحرب ولم يجدوا من يداويها لهم، كما توفي عدد منهم بسبب الأمراض مثل التهاب الكبد الوبائي. لا يوجد صرف صحي واللاجئون يعانون من نقص في التغذية ثم هناك البرد القارص، وكل هذه عوامل اجتمعت لتقضي عليهم”.
أما زينب الزبيدي، رئيسة جمعية الأيادي البيضاء للتنمية الاجتماعية، وهي واحدة من الوكالات القليلة جدا التي تقدم العون للاجئين في المخيم، فقالت: “لا أبالغ حين أقول إن الكلاب تعيش في أوضاع أفضل من تلك التي يعيش فيها هؤلاء اللاجئون”
وتضيف زينب الزبيدي: “يوجد بعض الأطباء ولكن عددهم غير كاف على الإطلاق، ولا توجد سيارات إسعاف لنقل الحالات المستعجلة والطارئة للعلاج في المستشفيات، ولا توجد مواد طبية كافية. الجيش الأردني يشرف على المخيم ولكن لا توجد منظمات دولية فيما عدا الصليب الأحمر وبعض المنظمات الأردنية مثل جمعيتنا، بل نحن المنظمة الوحيدة تقريبا التي تعمل هناك بشكل منتظم”.
وتابعت: “حتى الأمس (وكان ذلك يوم الأربعاء) كان تعداد اللاجئين في المنطقة يتراوح ما بين 18 و19 ألفا. لا توجد سلطة تنظم الأمور داخل المخيم، والناس يحاولون العيش بشكل طبيعي قدر استطاعتهم، ولكن لا توجد سلطة تفرض النظام والأمن، كما يتعرض اللاجئون من حين لآخر للسرقة”.
ويتم تطعيم أفراد الطواقم الطبية التابعة للجيش قبل دخولهم المخيم، إلا أن نشطاء الإغاثة الأردنيين الذين يدخلون المخيم غير مطعمين.
تقول زينب الزبيدي: “تعيش خمس عائلات في كل خيمة، وهذا يعني أن كل خيمة تؤوي ما بين 30 إلى 40 فردا، وكثير من هؤلاء هم من الفتيات اللواتي تقطعت بهن السبل وانفصلن عن عائلاتهن هربا من ظروف مأساوية في غاية السوء، معظم اللاجئين فروا من بطش تنظيم الدولة ومن بطش نظام الأسد على حد سواء”.
تأتي أخبار الوفيات داخل المخيم في الوقت الذي يتقاطر فيه زعماء ودبلوماسيو العالم على لندن للمشاركة في مؤتمر المانحين بهدف جمع التبرعات للاجئين السوريين، وكانت المملكة المتحدة ومملكة النرويج قد أعلنتا قبل أن تبدأ أعمال المؤتمر بأنهما ستخصصان مبلغا قدره 2.9 مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.
تسعى الأمم المتحدة إلى جمع 9 مليارات دولار لهذا العام وحده نظرا لاستمرار تدفق اللاجئين من سوريا بسبب القتال، والذي لم تفلح محادثات السلام في جنيف في وضع حد له.
ما من شك في أن اللاجئين المحصورين في منطقة الرقبان هم الآن في أمس الحاجة إلى أموال المجتمع الدولي.
ترددت زينب الزبيدي في البداية في توجيه أصابع اللوم إلى جهة بعينها جراء الأوضاع المزرية التي يعاني منها سكان المخيم، وقالت إن خدمات الإغاثة التابعة للجيش الأردني مستنزفة تماما، لكنها أضافت: “رغم أنه ليس بإمكانك تحميل المسؤولية إلى جهة بعينها، إلا أن المنظمات الدولية ملامة لأنها لم تقم بما يكفي، ويبدو أنها لم تصح بعد من غفوتها لترى عظم حجم الكارثة، لقد تحمل الأردن الكثير، بل إن 49 بالمائة من سكان الأردن اليوم هم من اللاجئين، ماذا بإمكاننا أن نفعل أكثر من ذلك؟”.
ونقل التقرير عن عضو البرلمان البريطاني أندرو ميتشيل، والذي كان يشغل منصب وزير العون الدولي في حكومة كاميرون الأولى والذي زار مؤخراً الحدود التركية قوله: “تؤكد هذه الظروف المزرية والمأساوية الحاجة الملحة لإزالة جميع العوائق أمام هيئات الإغاثة الدولية حتى تتمكن من الوصول إلى اللاجئين وتقديم العون الذي يحتاجون إليه”، وأضاف: “في الأسبوع الذي ينعقد فيه مؤتمر المانحين في لندن وتتجدد فيها محادثات جنيف، ثمة حاجة طارئة لتحقيق تقدم على المستوى السياسي ولتحسين أوضاع اللاجئين والنازحين وتقديم العون اللازم لهم”.
ولم يجد اللاجئون ملاذا سوى التوجه نحو أبعد نقطة في منطقة نائية عند الحدود الشرقية بسبب اتفاق أبرمه الجيش الأردني مع القبائل في الجانب السوري من الحدود بين البلدين والذي يقضي بغلق الحدود تماما ومنع تسرب اللاجئين عبرها. وفعلاً، تشهد الحدود تواجدا أمنيا مكثفا، كما أن المخيم الرئيس للاجئين في الزعتري عليه حراسة مشددة، ولا يسمح بالدخول إليه أو الخروج منه إلا بإذن مسبق من الأجهزة الأمنية الأردنية.
وكشف ديفيد هيرست أن المخابرات العسكرية في الأردن أحبطت محاولة اغتيال استهدفت مسؤولا عسكريا أردنيا رفيع المستوى أثناء حفل لتخريج الضباط في واحدة من ضواحي العاصمة الأردنية عمان.
ومن الجدير بالذكر أن الأردن هو واحد من ثلاثة أقطار عربية تدعم الهجوم الروسي ضد الثوار في سوريا. ولقد تحدث عاهل الأردن الملك عبد الله سرا وعلانية عبر وسائل الإعلام هذا الأسبوع معبرا عن دعمه لحملة القصف التي يشنها الروس، والتي يعتقد هو أنها أسهمت في تنشيط رد الفعل الغربي المتهاون تجاه تنظيم الدولة.
أما على الحدود، فيتأجج الغضب كلما جاء الناجون السوريون برواياتهم عن المآسي التي يسببها القصف الروسي والذي يدفع بدوره بأفواج جديدة من الناس نحو الحدود مع الأردن هربا من الموت والدمار.
ونقل “ميدل إيست آي” عن أحد العاملين في مجال الإغاثة طلب عدم الإفصاح عن اسمه قوله: “يتحمل القصف الروسي المسؤولية 100 بالمائة عن التدفق الأخير للاجئين. بعض الناس هربوا من داعش (تنظيم الدولة) وبعضهم لاذ بالفرار من بطش النظام، وبعضهم وصلوا من داخل دمشق نفسها”.
وتابع: “لولا القصف الروسي لما شهدنا الأعداد نفسها من اللاجئين. بل إن بعض الناس المحاصرين في حماة وحمص وحلب قطعوا المسافة كلها من شمال سوريا وصولا إلى الحدود الجنوبية الشرقية بحثا عن الأمن والأمان”.
ويؤوي مخيم الزعتري، الذي تعتبر الأوضاع فيه هي الأفضل على الإطلاق بالنسبة للاجئين، ما يقرب من 80 ألف لاجئ سوري من بين ما مجموعه 140 ألف لاجئ مسجلين في المخيمات، بالإضافة إلى ذلك يعيش ما يقرب من 350 ألف سوري في العاصمة عمان، وما يقرب من 125 ألف سوري في مدينة الزرقاء، وما يقرب من 200 ألف سوري في مدينة إربد. ولا غرابة إذن أن يصرح الملك عبد الله هذا الأسبوع في مقابلة مع الـ”بي بي سي” بأن الأردن وصل إلى “نقطة الغليان” قائلاً: “عاجلاً أم آجلاً، أعتقد بأن السد سوف ينهار، وأظن أن هذا الأسبوع مهم جداً بالنسبة للأردنيين الذين يرقبون بشغف ليعرفوا ما إذا كانوا سيحصلون على أي مساعدة، ليس فقط من أجل اللاجئين السوريين بل من أجل مستقبلهم هم أيضا”.