ترجمة وتحرير نون بوست
* ساعد في كتابة هذا المقال زكريا زكريا
انخرط الثوار السوريون داخل وحول مدينة حلب الشمالية بمعركة مصيرية، البارحة الخميس، مع القوات الحكومية المدعومة بالضربات الجوية الروسية، والتي استطاعت قطع طريق الإمداد الحيوي للثوار السوريين في مناطق الريف الشمالي الحلبي، مما أسفر عن خلق موجة جديدة من اللاجئين الفارين باتجاه الحدود مع تركيا.
تزامن هذا الهجوم الذي تدعمه روسيا ضد مواقع الثوار في حلب مع فشل محادثات السلام في جنيف، مما ساهم في تأكيد الشكوك التي كانت تساور المعارضة السورية حول اهتمام وتركيز روسيا وحلفائها في الحكومة السورية على تأمين النصر العسكري ضد الثوار أكثر من اهتمامهم بالتفاوض للوصول إلى تسوية للوضع القائم.
بعد يومين مما وصفه المقاتلون المعارضون بالغارات الجوية الأكثر شدة التي تتعرض لها المنطقة، نجحت القوات الحكومية يوم الأربعاء في قطع طريق الإمداد الرئيسي للثوار من الحدود التركية إلى الجزء المحرر من مدينة حلب؛ أي الذي ما يزال تحت سيطرة قوات المعارضة، وفي يوم الخميس، استطاعت القوات الحكومية السيطرة على عدة قرى أخرى في المناطق الريفية بالشمال السوري؛ مما أثار هلع ومخاوف السكان والثوار على حد سواء من احتمالية فرض القوات الحكومية لطوق حصار كامل على مدينة حلب في القريب العاجل.
فقدان حلب، كبرى المدن السورية والمركز الحضري الأهم في الدولة، من أيدي الثوار المعارضين، جزئيًا على الأقل، سيمثل ضربة محتملة حاسمة للجهود الثورية المضنية المستمرة منذ خمس سنوات تقريبًا ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث استطاع الثوار السوريون المحافظة على سيطرتهم على قطاعات كبيرة من محافظة حلب بعد انضمام المدينة إلى الحركة الثورية في عام 2012، ودفعت سيطرتهم على هذه المناطق حينها إلى بزوغ تقديرات استخباراتية أمريكية تشير إلى أن سيطرة الثوار على مدينة حلب ستفضي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالحكومة في دمشق.
ولكن بدلًا من ذلك، كثّفت روسيا وإيران مساعداتهما لنظام الأسد، مما ساعد القوات الحكومية على الثبات، ومن ثم عكس تأخرها وخسائرها العسكرية على الأرض بشكل مطرد؛ حيث تشير مصادر داخلية من أعضاء المعارضة المسلحة وبعض المحللين العسكريين، بأن معظم القوات الموالية للحكومة التي تقاتل الآن في شمال محافظة حلب تتألف من الميليشيات الشيعية القادمة من العراق أو أفغانستان والذين تم تجنيدهم من قِبل إيران لمساعدة حليفها في دمشق، كما أن تدخل سلاح الجو الروسي، الذي يزعم ظاهريًا أنه يهدف لمحاربة الدولة الإسلامية، استهدف في معظم ضرباته مراكزًا للثوار المعتدلين؛ مما رجح كفة التوازن العسكري لصالح الأسد ومكّن القوات الحكومية من تحقيق طفرة من المكاسب على الأرض في الأسابيع الأخيرة.
السكان يتفقدون الخراب في منطقة الشعار بحلب إثر غارات جوية من القوات الحكومية على المنطقة.
أسفر الضغط الذي مارسته القوات الحكومية حول مناطق حلب، عن كسر الحصار الذي فرضه عناصر المعارضة المسلحة على القريتين الشيعيتين في شمالي حلب، نبل والزهراء، واللتان كانتا قد حوصرتا من قِبل قوات المعارضة على مدى السنوات الثلاث الماضية، واستطاع سكانهما النجاة بحياتهم من خلال المواد الغذائية والمساعدات التي أسقطتها القوات الحكومية على البلدتين عبر سلاح الجو الحكومي.
وفي ذات السياق، وفي خضم تصميمها لانعقاد محادثات السلام الجارية في جنيف، ضغطت الولايات المتحدة على حلفاء المعارضة الدوليين، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية، للحد من إرسال إمدادات الأسلحة؛ مما ترك قوات المعارضة ضعيفة تجاه أي هجوم جديد، وفقًا لما نقله قادة المعارضة السورية.
تستبطن المعارك الحديثة أيضًا مخاطر اندلاع شرارة أزمة إنسانية كبرى جديدة، حيث ظهرت مسألة عدم قدرة الأمم المتحدة على إيصال المساعدات إلى المدن المحاصرة من قِبل القوات الحكومية كعقبة رئيسية في المحادثات المتوقفة، واليوم، وفي ظل إحكام الطوق الحكومي تقريبًا على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في الشمال السوري، يبزغ خطر قطع الإمدادات الإنسانية عن مئات آلاف القاطنين في تلك المناطق، حيث أشارت وكالات الإغاثة بأن الضربات الجوية الأخيرة علّقت بشكل شبه تام وصول المساعدات عبر الحدود التركية.
“قوات المعارضة تفقد السيطرة على الأراضي على مدار الدقيقة” قال راي ماكغراث، مدير العمليات في شمال سوريا وتركيا في وكالة المساعدات ميرسي كوربس، وتابع قائلًا: “نحن ننظر إلى وضع إنساني كارثي، فهناك الكثير من الأشخاص الذين نزحوا من مناطقهم، والوضع حاليًا بالتأكيد هو أسوأ وضع شهدناه منذ بداية الحرب”.
أما على الأرض، فقد ظهر مقاتلو المعارضة المسلحة يائسين للغاية وهم يصفون استهداف المنطقة بأكثر من 200 ضربة جوية خلال الـ24 ساعة الماضية وحدها، حيث وجه قادة المجموعات المسلحة، ابتداءًا من المجموعات المعتدلة وانتهاءًا بذراع تنظيم القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، نداءات عاجلة لإرسال التعزيزات من باقي أجزاء البلاد.
“نخوض اليوم معركتنا الأهم على الإطلاق، فنحن نحارب للحؤول دون محاصرة النظام لحلب”، قال عبد السلام عبد الرزاق، المتحدث باسم حركة نور الدين الزنكي المعارضة، الذي وصلنا إليه عبر اتصال هاتفي من الضواحي الشمالية لمدينة حلب، وتابع قائلًا: “ستكون المعركة شرسة للغاية في الأيام المقبلة، وسنستمر بالقتال حتى آخر مقاتل، ونأمل ألّا نخيب ظن الشعب بنا”.
وفي سياق منفصل، أعلن البارحة رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، من مؤتمر لندن للمانحين، المبرم لتأمين التبرعات لمساعدة السوريين داخل وخارج البلاد، تدفق حوالي 70.000 مدنيًا نحو الحدود التركية هربًا من الهجوم العنيف الأخير للقوات الحكومية، ومن جهتها، صرّحت وكالات الإغاثة عن تجمع ما لا يقل عن 10.000 مدني على طول الحدود السورية الشمالية مع تركيا، ولكن الأخيرة، التي تستضيف بالفعل نحو 2.5 مليون لاجئ وتقبع تحت ضغوط المجتمع الدولي لوقف تدفق المقاتلين الأجانب، أبقت حدودها مغلقة قبالة اللاجئين الجدد القادمين من الحدود البرية السورية – التركية على كامل مدار العام الماضي، ولم تعلن حتى لحظة كتابة هذا المقال عن فتح حدودها بوجه الموجة الجيدة من اللاجئين، حيث أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرها نشطاء على وسائل الإعلام الاجتماعية آلاف الأشخاص المتشبثين بما استطاعوا حمله من ممتلكاتهم، وهم يقطعون الجانب السوري من معبر الحدود من باب سلامة، قبل أن يتكدسوا بالآلاف أمام أبواب الجانب التركي الموصدة.
تجمع آلاف اللاجئين السوريين على الجانب السوري من معبر باب السلامة الحدودي
على صعيد آخر، يشكل سقوط حلب بأيدي القوات الحكومية تحديًا كبيرًا وبالغ الأهمية بالنسبة لتركيا والمملكة العربية السعودية، أشد مؤيدي المعارضة السورية، ولكن حتى الآن تبدو السبل المتوافرة أمام الأتراك والسعوديين لمنع حدوث هذا السيناريو غير واضحة، هذا إن كان يوجد سبيل لمنع حدوثه في المقام الأول؛ فخلال الأشهر القليلة الماضية، عززت القوات التركية تواجدها على طول الحدود التركية مع سوريا، حيث صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشنكوف، للصحفيين في موسكو، بأن روسيا تشتبه في استعداد تركيا للقيام بعمل عسكري في سوريا، ولكن على الأرض، تبدو المساحة المتوافرة أمام تركيا للمناورة في الداخل السوري محدودة للغاية منذ أن أسقطت طائرة روسية ضلت طريق لبرهة في المجال الجوي التركي في ديسمبر الماضي، مستثيرة بذلك ردات فعل انتقامية من قِبل الجانب الروسي.
وفي سياق منفصل، علق المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، محادثات جنيف القائمة لإيجاد مخرج للأزمة السورية، مشيرًا إلى رفض الحكومة السورية لتنفيذ مطالب وفد المعارضة المتمثلة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الداعية لوقف الغارات الجوية وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة.
كما تعثرت المحادثات أيضًا لجهة تحديد الأطراف التي تعتبر “إرهابية” في ساحة المعركة السورية المعقدة؛ فالحكومة السورية تعتبر جميع من يحارب الأسد، بما في ذلك المعارضين المعتدلين المدعومين من قِبل الولايات المتحدة، على أنهم إرهابيون، حيث صرّح وفد الحكومة السورية على لسان رئيسه، بشار الجعفري، بأنه لن يتفاوض مع الجماعات المسلحة التي كانت ممثلة بوفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف.
تصريح بشار الجعفري المثير للجدل حول عدم نية الحكومة السورية بالتفاوض مع المسلحين.
https://youtu.be/rUHPBy_feao
أخيرًا، وفي تصريح منفصل، قال المتحدث باسم الجيش السعودي، أحمد العسيري، في تصريح خاص لقناة العربية الأخبارية المملوكة للسعودية، بأن بلاده مستعدة لإرسال قوات برية للمشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن صفة هذه القوات، والمكان الذي تتوخى الحكومة السعودية نشرها ضمنه، بقيت غير واضحة ومبهمة.
تصريح أحمد العسيري حول استعداد السعودية للتدخل بريًا في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية
المصدر: واشنطن بوست