تاريخ 30 من سبتمبر عام 2015 كان مفصليًا في الصراع السوري، حيث حمل البشرى لنظام الأسد الذي كان ينزف أمام المعارضة المسلحة منذ 6 أشهر كاملين، بعدما استطاعوا طرده من محافظة إدلب الشمالية الغربية، ووضعوا مناطق سيطرته العلوية الساحلية في مرمى نيرانهم، وهو ما دعى البعض للقول بأن أيام الأسد باتت معدودة في السلطة بسبب موقفه الضعيف أمام المعارضة المسلحة في ذلك الوقت.
وبعد هذا التاريخ تغير هذا الموقف تمامًا حيث دخلت روسيا على الخط بشكل مباشر دون الاكتفاء بدعم النظام لوجستيًا وعن طريق خبرائهم العسكريين، حيث قررت روسيا توجيه ضربات جوية لمساعدة قوات الأسد في وقف تقدم زحف مقاتلي المعارضة تحت ذريعة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلا أن كافة التحليلات العسكرية أثبتت أن غالبية الاستهدافات الروسية كانت لكتائب المعارضة المسلحة التي تُقاتل نظام بشار الأسد والقليل منها طال تنظيم الدولة الإسلامية.
ضاعفت روسيا من عدد مستشاريها العسكريين على الأراضي السورية من عدد 2000 إلى 4000، وعمل الروس على توسيع حملتهم العسكرية عن طريق توفير بنية تحتية تتحمل هذه التوسعة، ليشمل ذلك إقامة قاعدة جوية ثانية في مطار الشعيرات، شرقي حمص، لاستخدامه للمقاتلات، بعدما كان يُستخدم للمروحيات فقط.
نفذت المقاتلات الروسية 15 ألف غارة جوية على المدن السورية خلال 4 أشهر فقط، تسببت في نزوح أكثر من 130 ألف شخص، كما نجحت في تكبيد المعارضة المسلحة وقواتها خسائر أجبرتها على التراجع أمام قوات النظام الأسدي وحلفائه من المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
وبعد أسبوع واحد، بدأ الجيش السوري النظامي بدعم من مقاتلين إيرانيين وفصائل من حزب الله اللبناني عمليات برية واسعة على جبهات عدة في أربع محافظات على الأقل في وسط وشمال وغرب البلاد.
حيث قدرت تقارير غربية تراجعات ميدانية لفصائل معارضة للأسد مدعومة من الغرب أي لا تصنف تحت بند “الإسلامية” بأنهم خسروا مناطق مساحتها تقترب من مساحة الأراضي التي استولوا عليها من قوات النظام، وذلك منذ بدء الحملة العسكرية الروسية.
وعلى الرغم من ذهاب بعض المحللين إلى أن الحملة العسكرية الروسية تستهدف بالأساس ضمان أمن المنطقة الساحلية وخصوصا محافظة اللاذقية معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الاسد، ستكون على هامش ذلك عملية استعادة المناطق التي فقدت قوات الأسد السيطرة عليها، وهو الذي تم بنسبة قدرتها الولايات المتحدة بأنها 0.4 في المائة منذ بداية التدخل العسكري الروسي المباشر.
وذلك أمام الهدف الأساسي من حماية المدن الساحلية من تهديد فصائل “جيش الفتح”، وفي مقدمتها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام، بعد سيطرتهم بالكامل على محافظة إدلب المجاورة من ناحية الشرق ومحاولتهم التقدم إلى اللاذقية من منطقة سهل الغاب في محافظة حماة.
في بداية الاشتباكات الميداينة لم تكن منجزات القوات النظامية السورية على الأرض تذكر لكن مع مرور الوقت حقق الجيش السوري النظامي بفعل الإسناد الروسي نتائج ميدانية مهمة على الأرض كان آخرها وأبرزها سيطرته على بلدة معرسته الخان، وتمكنه من الوصول إلى بلدتي نبل والزهراء المواليتين له في ريف حلب الشمالي، وفك الحصار عنهما، وهو ما يعد زيادة في تضييق الخناق على مقاتلي المعارضة في حلب بعد قطع خطوط الإمداد الرئيسية بالنسبة إليهم.
كان هذا التقدم بعد أسبوع واحد من تمكن قوات الأسد من السيطرة على بلدة الشيخ مسكين في محافظة درعا، وبذلك استطاع النظام السوري تأمين طريق استراتيجي على جبهة شمال دمشق وشرق مدينة السويداء، وتسهيل عملية محاصرة درعا التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.
كما استطاعت قوات الأسد إخضاع اللاذقية بالكامل إلى سيطرتها بعد تمكنها من دخول بلدة ربيعة والتي كانت تمثل آخر معاقل المعارضة المسلحة في هذه المحافظة، وهذا يعد أحد الأهداف الروسية من التدخل العسكري المباشر الذي يستهدف بالأساس تأمين الساحل السوري وإفراغه من مقاتلي المعارضة المسلحة، كذلك قبلها سقطت بلدة سلمى التي سيطرت عليها المعارضة منذ 3 سنوات والتي تقع في منطقة جبل الأكراد باللاذقية.
ومن ضمن أبرز تحركات جيش النظام السوري الميدانية كانت السيطرة على بلدة عران التي تبعد مسافة عشرة كيلومترات فقط عن مدينة الباب أحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في محافظة حلب، وهي خطوة أخرى بمساعدة الروس على طريق محاصرة حلب.
واستمرارًا لمسلسل سقوط البلدات المجاورة لحلب استطاعت قوات النظام ومليشيات إيرانية أن يتقدما نحو بلدة الحاضر جنوبي حلب على الطريق الدولية وطرد مقاتلي جبهة النصرة منها، فيما استطاع النظام أيضًا في مطلع هذا العام أن يكسر الحصار عن أحد مطاراته وحصونه المهمة وهو مطار كويرس القريب من حلب أيضًا، ناهيك عن إحداث الطائرات الروسية خسائر في صفوف المعارضة المسلحة كانت أبرزها استهداف زهران علوش قائد جيش الإسلام أحد أبرز الفصائل المعارضة التي تقاتل في محيط دمشق.
يُلاحظ من ذلك التقدم أن النظام يستهدف الآن محاصرة حلب وإخضاعها قبيل الدخول في أي مفاوضات جادة مع المعارضة برعاية دولية، وهو ما تستهدفه روسيا في مساعدة النظام بعملية المماطلة في محادثات جنيف بغية كسب الوقت، بالتزامن مع تكثيف غاراتها الجوية على مناطق سيطرة المعارضة المسلحة لفرض واقع ميداني جديد، حيث لا تعبأ روسيا بسقوط مئات المدنيين جراء تلك الغارات الوحشية كما وصفتها الحكومة التركية من قبل، وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتصريح به قائلًا: أن تدخل الجيش الروسي ساعد في “قلب الأوضاع”.