جاءت مداخلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع عمرو أديب عبر برنامج “القاهرة اليوم” المقدم على فضائية “اليوم” التابعة لشبكة أوربت لتكشف النقاب عن الكثير من الأسئلة الشائكة التي طالما رددها رجل الشارع خلال الآونة الأخيرة، لاسيما المتعلقة بسياسة الحكومة الحالية تجاه بعض القضايا والملفات الشائكة.
مداخلة السيسي مع أديب لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها العديد من المداخلات الأخرى مع أسامة كمال على فضائية “القاهرة والناس” واشتركت جميعها في إعلاء الخطاب العاطفي أكثر من الخطاب العقلاني وهو ما أرجعه المقربون من الاتحادية أن المصريين شعب عاطفي في المقام الأول، ويحتاج لمن يحنو عليه، وقديمًا قال المصريون في أمثالهم “لاقيني ولا تغديني” أي الاستقبال العاطفي الجيد أفضل من الخدمات المقدمة، وهو ما جعل الشعب المصري طيلة حياته فريسة سهلة لأصحاب الكلام المعسول سواء من حكام الداخل أو مستعمري الخارج.
الشباب… قنبلة موقوتة
الإنذار شديد اللهجة الذي قدمه شباب “الأولتراس” الأهلاوي خلال إحيائهم ذكرى استشهاد 74 شابًا من مشجعي الأهلي، وهتافهم المدوي “الشعب يريد إعدام المشير” وما إلى غير ذلك من الهتافات الثورية، وعزمهم على القصاص، دفع السيسي للقيام بهذه المداخلة، في محاولة لتهدئة الأوساط المشتعلة بين الشباب بصورة عامة والأولتراس بصورة خاصة.
القلق من غضبة الشباب – التي قد تدمر الأخضر واليابس – دفع رئيس الدولة إلى التخلي عن أحد الثوابت التي عزف عليها الإعلام خلال الآونة الأخيرة، كون أن الروابط التشجيعية الجماهيرية “كيانات إرهابية ” ولا يجوز التعامل معها، بل وصل الحد إلى مطالبة البعض بإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم فورًا، وهو ما نسفه السيسي بدعوته للجلوس معهم لمناقشة ما وصلت إليه التحقيقات في “مجزرة بورسعيد”.
الخبراء أرجعوا هذه الدعوة – غير المتناسقة مع توجهات وسياسات المقربين من الاتحادية – إلى أن هناك حالة من القلق الشديد انتابت النظام الحاكم خوفًا من تزايد السخط الشعبي المتنامي كل يوم ضد ممارسات الحكومة الحالية، لاسيما وأن هتافات الأولتراس قد نالت من المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع، ورئيس المجلس العسكري الأسبق والجميع يعرف مدى عمق العلاقة بين طنطاوي والسيسي، وهو الذي سعى لتكريمه أكثر من مره دون غيره من قادة الجيش، متجسدًا في إطلاق اسم “طنطاوي” على نفق ومسجد، وهو لازال على قيد الحياة، عكس المتعارف عليه، ومع ذلك سعى للجلوس مع الشباب الثائر في محاولة لامتصاص غضبه وتهدئته.
وفي عودة للوراء قليلاً نجد أن السيسي نفسه خرج بعد حكم تبرئة مبارك يدعو للجلوس مع عدد من الشباب لمناقشة دورهم في مصر المستقبل، وذلك بعد حالة الإحباط الشديدة والثورة الانتقامية التي انتابت الشباب عقب الحكم ببراءة المخلوع، وهو ما يترجم حالة “التوجس المخيف” من الشباب.
الأمر لم يقف عند هذا الحد؛ فالسخط المتزايد بين الشباب المحبط مما يُمارس على أرض الواقع، وتصاعد منحنى التوتر، أجبر الرئيس على الاعتراف بالفشل في الحوار مع الشباب وعدم احتوائهم، وأنه غير قادر على فتح نوافذ جديدة معهم لاسيما في ظل الممارسات القمعية الممنهجة ضد الشعب بصفة عامة والشباب الثائر بصورة خاصة، فهل سيظل الشباب القنبلة الموقوتة التي تهدد النظام الحالي وأي نظام آخر؟
انتهاكات حقوق الإنسان…العرض مستمر
تعد قضية حقوق الإنسان من أبرز القنابل الموقوتة في وجه النظام الحالي، فقد واجه المجتمع المصري انتهاكات حقوقية لم يشهد مثلها في أي من الأنظمة السابقة، وهو ما أشارت إليه التقارير المحلية والإقليمية والدولية، وبالرغم مما يمثله هذا الملف الشائك من خطورة حقيقية إلا أن النظام الحالي لا يضعه تحت مجهر أولوياته بالشكل الكاف، وهو ما تجسد في رد فعل السيسي على تساؤل عمرو أديب بخصوص حقوق الإنسان في مصر، حيث تشير إجابته إلى أنه يعترف بوجود مشكلة لكن القضية ليست على أولوياته وسوف تأخذ وقتًا، وقبل بتوصية عمرو أديب فيها.
السيسي الذي أكد أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به مصر هذه الأيام هو السبب الرئيسي في “خلط الأوراق” لدى الجهاز الأمني فيما يتعلق بالإشكالية الثنائية، الحفاظ على الأمن مع احترام حقوق الإنسان، لم ينج من هجوم الحقوقيين ممن تخوفوا من تصعيد جديد ضد منظومة حقوق الإنسان.
الحقوقيون أكدوا أن هذا الملف لو احتل ولو نسبة ضئيلة من اهتمامات الرئيس لما امتلأت السجون بما يزيد عن 40 ألف ما بين سجين ومعتقل ومختفي قسريًا، كل جريمتهم أنهم عبروا عن أرائهم، متوقعين المزيد من الانتهاكات خلال الفترة المقبلة بزعم بناء الدولة وتماسكها.
كما أشاروا إلى أن مسلسل الانتهاكات لم يتوقف عن محطة المصريين فقط، بل انتقل لمحطات الأجانب أيضًا وهو ما كشف عنه الشاب الإيطالي جوليو ريجينى، الذي عثر على جثته أمس الخميس، بعد اختفائه منذ 25 يناير الماضي، حيث قامت الخارجية الإيطالية باستدعاء السفير المصري بروما فضلاً عن مغادرة وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية فيدريكا جودى، للقاهرة فورًا دون إكمال برنامج زيارتها.
الفقراء… أين موقعهم من الإعراب؟
من يتابع حديث الرئيس في المداخلة التلفزيونية عن “الغلابة” و”فقراء الوطن” من المقهورين يشعر من الوهلة الأولى أنهم على قائمة أولوياته، لكن على أرض الواقع فهناك تناقض كبير بين تصريحات السيسي الرافضة لأي توصية بشأن الفقراء، لأنهم هم من يحيا لأجلهم، على حد وصفه، وبين ما يحياه قرابة 40 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر، فضلاً عن 19 مليون من قاطني العشوائيات والمقابر.
وكما تشير التقارير الاقتصادية فهناك تراجع كبير في مستوى المعيشة، ولا زالت الفجوة بين أغنياء الوطن وفقرائه في تصاعد مستمر، فضلاً عن حالة الإحباط التي غطت سماء تلك الملايين ممن يتسولون “لقمة العيش” من هنا وهناك، في الوقت الذي يعانى غيرهم من تخمة نتيجة الحياة المرفهة التي يتنعمون بها وفيها على حساب الغلابة.
ومع ذلك، فهناك سؤال يطرح نفسه بقوة: كيف يخاطب السيسي الفقراء من خلال قناة “مشفرة” لا يشاهدها إلا الأغنياء القادرين على دفع فاتورة الاشتراك؟ أو بمعنى آخر فإن مداخلة الرئيس لم يشاهدها حينها إلا أغنياء الوطن فقط، أما ماسواهم من المطحونين فلم يسمعوا عنها إلا عبر برامج التوك شو اليومية أو الصحف والمواقع الإلكترونية، ويبقى التساؤل الغامض: لماذا لم يخاطب السيسي فقراءه عبر التلفزيون الرسمي بدلاً من القنوات الخاصة التي قد لا يشاهدها الجميع؟
الحكم العسكري كارثة مصر الرئيسية
من الواضح أن الرئيس السيسي – بدون قصد – أقر بمنتهى الوضوح والشفافية أن وقوع مصر تحت الحكم العسكري منذ ثورة 23 يوليو، أو بمعنى أدق منذ نكسة 67، أفقدها توازنها الاقتصادي والسياسي والمجتمعي، وهو ما تجسد في حالة التراجع والانهيار الذي عانت منه مصر منذ تقلد “العسكريين” الحكم.
وأضاف السيسي أن الوطن تعرض للانهيار والتفكك على مدار خمسين عامًا مضت، وأنه بحاجة لخمسين عامًا أخرى لإصلاح ما تم إفساده خلال الفترة الماضية، مؤكدًا أنه ينتوي خلال الأعوام الأربعة القادمة وقف هذا الانهيار ليبدأ الوطن مرحلة البناء والإصلاح من جديد، وهذا يتعارض مع ما وعد به الشعب قبيل تقلده الأمور، حين أقر أن المصريين سيشعرون بالتحسين في الأوضاع عقب عامين فقط وليس 50 عامًا كما يقول الآن.
القضايا التنموية… آخر الأولويات
(التعليم – الصحة – حقوق الإنسان) هذا هو ثالوث التقدم والرقي لأي مجتمع متحضر، كما يرى المتخصصون في التنمية المجتمعية والسياسية، ويعد ترتيب هذه القضايا في قائمة أولويات الأنظمة هي الترمومتر الحقيقي لتقدم الدول ورغبتها في تحقيق آمال شعوبها والنهوض بها، وحين يتراجع الاهتمام بتلك الملفات الخطيرة فلا أمل في بناء أو تقدم.
تعليق السيسي على تساؤل المذيعة رانيا بدوي خلال المداخلة الهاتفية بشأن موقع التعليم وتطويره لدى النظام أثبت أن مثل هذه القضايا الحيوية لازالت في مرتبة متأخرة قياسًا بالملف الأمني، وهو ما تجسد في إجابة الرئيس بأن الدولة لازالت في مرحلة “التثبيت الأمني”.
عدم المكاشفة وغياب الرؤية
بالرغم من الثورة الهائلة في مجال الاتصالات، وما أقره الدستور من حرية تداول المعلومات، إلا أن السيسي أقر خلال المكالمة أن هناك أمور غائبة عن أعين الشعب، وأنه لا يريد “زعل المصريين”، وأن هناك العديد من الظواهر السلبية في كل مكان بالوطن، وفي هذا اعتراف واضح بما آلت إليه الأوضاع في ربوع مصر دون استثناء.
ومن ثم يرجع الخبراء هذه الجمل غير المكتملة والتي تفتقد للشفافية إلى أحد أمرين، إما أن الرئيس يخفي هذه الكوارث وهو ما يتعارض مع حق الشعب في المكاشفة والوضوح، وإما أن السيسي يخشى من رد الفعل حال فتح هذه الملفات.
هل يتابع الرئيس مواقع التواصل الاجتماعي؟
تعد هذه المكالمة الثانية للسيسي خلال شهر؛ فالأولى كانت مع أسامة كمال على قناة “القاهرة والناس”، وهذا يفسر مدى متابعة الرئيس للبرامج الإعلامية ويعد ذلك ظاهرة إيجابية، لكن يبقى السؤال: هل يتابع الرئيس مواقع التواصل الاجتماعي وما يبث خلالها من رسائل ليل نهار؟