رؤية المؤسس: سنوات ما قبل الثورة
في مدينة الإسماعيلية حيث ظهرت فكرة جماعة الإخوان المسلمين للمرة الأولى حيث كان يعيش مؤسس الجماعة حسن البنا قبل أن ينطلق في أرجاء جمهورية مصر العربية ناشرًا مشروعه وفكرته الجديدة، كان يدرك البنا منذ البداية أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هذه الجماعة التي يسعى إلى إنشائها حكرًا على الرجال فقط من دون النساء؛ فكانت أول وأبرز الخطوات الفعلية في اتجاهه نحو المرأة والاهتمام بحالها لجذبها للفكرة الجديدة بتأسيس مدرسة “أمهات المؤمنين” وكان اختياره للاسم له إشارة ومدلول واضح لماهية ونوعية التعليم المقدم في هذه المدرسة، ثم بعد ذلك قام بإنشاء دار “التائبات” للنسوة الذين تركوا العمل بالبغاء لتعليم بعضهن البعض المهن الكريمة وتزويج البعض الآخر.
هذه الأفعال كانت في إطار ارتجاليّ ربما أكثر منه تنظيميّ، حيث إنها تمت قبل تأسيس “قسم الأخوات” في الجماعة وهو القسم الخاص بالمرأة داخل الجماعة، حيث تم تأسيس أولى اللجان الخاصة بالمرأة داخل جماعة الإخوان المسلمين سنة 1937 أي قبل مضي العقد الأول لإنشاء الجماعة، وكانت اللجنة تحت رئاسة السيدة لبيبة أحمد ثم تعاقب عليها بعد ذلك رموز للعمل النسائي داخل الجماعة مثل نعيمة الهضيبي وفاطمة عبدالهادي وزينب الغزالي.
لكن ومنذ مدة طويلة والجماعة تتعرض لانتقادات واسعة بخصوص دور المرأة ووضعها بداخلها ونظرتها للمرأة بشكل عام، لكن هذه الانتقادات لم تكن تأتي من الدولة التي لا تعير موضوع المرأة أي اهتمام ولا توفر لها أية حماية أمام الجزء المسعور من المجتمع، لكن الانتقادات الحادة كانت تأتي من تيارات معارضة أخرى حينها تقول إنها أكثر انفتاحًا في موضوع المرأة ومن ضمن هذه الانتقادات كان القول بأن لم يسبق أن دخلت امرأة مكتب الإرشاد أو تولت منصبًا قياديًّا داخل الجماعة، هذا على المستوى الداخلي أما الخارجيّ فالجماعة كانت ترفض ترشح المرأة للبرلمان، ومازالت ترفض أو لديها الكثير من التحفظات على ترشحها لمنصب رئيس الجمهورية.
لكن قبل البدء في شرح وضع المرأة عند الإخوان ومراحل التطور، سيكون من الأهمية بمكان العودة قليلًا إلى رسائل البنا لنستطيع أن نرى الأساس الذي بنيَ عليه هذا الوضع.
وبالإطلاع والقراءة لما ورد فيها سنجد أن نظرته للمرأة المسلمة، تضع عليها مسؤولية واحدة بشكل رئيسي وهي تربية النشء تربية إسلامية سليمة ورعاية زوجها، باعتبار أن هذه المهمة هي مهمة سامية، تزدهر بها أمم وتنهار بها أخرى.
يقول البنا في رسائله: وإنما يكون كمال المرأة ورقيها إذا استطاعت أن تكون فتاة عفة طاهرة، راجحة العقل، نبيلة العاطفة، سامية الغاية والمطمح، صحيحة الجسم والروح، وزوجًا مخلصة وفية، يجد فيها زوجها ما يملأ فراغ قلبه، ويصل إلى مقر الطمأنينة من نفسه، ويدبر شؤون الحياة في بيته، وأمًّا بارة صالحة تقدم للإنسانية رجالاً فضلاء، ذاك هو كمال المرأة الصحيح الذي إذا وجدت السبيل إليه فقد وفقت إلى كل خير. (إسلام أون لاين – الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين -، قسم الأخوات)
كان يرى البنا أيضًا أن المجال العام والمعترك السياسي ليس مكان المرأة المناسب وأنه ينتقص من أنوثتها، كما كان يرى أيضًا أنه ليس من حق المرأة الترشح في الانتخابات وأن ترشحها هذا ثورة على الإسلام، كما جاء في حديثه في مجلة الإخوان المسلمين يوم الخامس من يوليو لعام 1947.
كانت نظرة حسن البنا للمرأة واضحة المعالم فهو لا يقبل لها الانخراط في المجال العام من منطلق أن هذا ليس دورها وأن انخراطها هذا فيه تعارض مع طبيعتها وتكوينها ولا أعتقد أنه من منطلق يحتقر المرأة ويحط من شأنها أو ينظر لها نظرة دونية، لكن هذه الرؤية تعارضت مع ما فعله القائمون على الجماعة، حيث انخرطت المرأة الإخوانية في ما يمكن أن نطلق عليه “أعمال الدعوة” وفي بعض الأمور السياسية، لكن مشاركتها كانت محدودة أيضًا ولم تكن على نطاق واسع بسبب الظروف الأمنية قبل الثورة.
لم تكن حياة المرأة الإخوانية ووضعها داخل الجماعة قبل الثورة مليئة بالأحداث والتفاصيل كحياتها بعد الثورة إلا من بعض القصص التاريخية كقصة زينب الغزالي، فلقد اختلف الوضع كثيرًا عما كان عليه في السابق.
سنوات ما بعد الثورة
كانت التجربة الإسلامية في الثورة ملهمة للكثير من المتغيرات داخل الحالة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان المسلمون، وبطبيعة الحال فلقد أثرت على نظرتهم للمرأة، فمنذ انطلاق الشرارة الأولى للخامس والعشرون من يناير كانت المرأة متواجدة في ميدان الحدث وفي الثامن والعشرون من يناير ليلة القبض على داخلية ثم كانت متواجدة في الاعتصام وفي جميع الاشتباكات تسعف المصابين، تكسر الحجارة، ترد قنابل الغاز المسيل للدموع، هذه المشاهدات ساهمت في إعادة تشكيل وعي جموع الإخوان عن المرأة وأنها لا تقل عنهم وأن لها أدوارًا أخرى مهمة، وجعلت القائمين على الأمر داخل الإخوان يدركون أن دور المرأة أكبر بكثير من مجرد تربية أبنائها وإطعام زوجها.
وبالفعل تطور الوضع من بعد الثورة وبدأ دور المرأة بالتوسع وتم إنشاء أمانة خاصة بالمرأة داخل حزب الحرية والعدالة، وفي سابقة هي الأولى من نوعها ترشحت امرأة لرئاسة الحزب وهي السيدة صباح سقاري، لكن التطور لم يكن وصل إلى حده الأقصى بعد، فبعد انقلاب الثالث من يوليو ومذبحة فض رابعة واعتقال قرابة الثلاثين ألف من الإخوان وآلاف المطاردين أصبحت المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة داخل الإخوان كبيرة وتلزمها بتحمل أدوار وأعباء إضافية وأصبحت هي البطل الأول لصبرها وجلدها رغم ما تقاسيه يوميًا، صارت الأم الإخوانية هي الفاعل الرئيسيّ بالنسبة للجماعة، تشارك في المسيرات المناهضة للانقلاب، توضب الإعاشة لابنها أو زوجها المعتقل أو ربما كلاهما، حتى الأدوار الاجتماعية فلقد اختلفت ففي كثير من الأحيان صارت هي الأم والأب، واضطرت كثيرات منهن للعمل بعدما كن ربات بيوت فقط لأسباب مقتل زوجها أو اعتقاله، صارت حياتهن جحيمًا بحق، لكنهن ما زلن قادرات على تأدية الأمانة المنوطة بهن.
في النهاية، تظل تجربة المرأة داخل الإخوان رغم كل ما يشوبها وما يدور حولها من مشاكل وعقبات وما يقال عنها إنها شبهات دينية هي التجربة الأقرب للحداثة عند جموع الإسلاميين، وتجربة تؤكد أن التطور ومواكبة الواقع صار أمرًا محتومًا، ما سبق لا ينفي المشاكل الداخلية والقصور الواضح في بعض الجوانب الفكرية لكن هذه هي طبيعة وحال الإخوان منذ أمد بعيد حيث غلبة الحركيّ على الفكريّ.
على الناحية الأخرى، سنجد أن كثيرًا ممن ينتقد وضع المرأة داخل الإخوان دون أن يكون ملمًا بما يدور في الداخل الإخواني ولا آليات العمل بداخل الجماعة والحقيقة ينتقدون لأنه لديهم تصورًا واحدًا عن تحرر المرأة وشكلها ووضعها في المجتمع ولا يستطيعون قبول تصور آخر.