قد يكون أحد أقدم أشكال الفن في العالم قادرًا على توفير الإلهام لابتكار بعض التكنولوجيات المستقبلية، ففي بحث تم نشره في مجلة “Nature”، أظهر فريق من العلماء من جامعة كورنيل، كيف يمكن لفن الأوريغامي (فن طي الورق) أن يؤثر على تصاميم كائنات الجرافين ذات السماكة الذرية، بحيث يتم استخدامها يومًا ما في تكنولوجيا النانو.
قام فريق كورنيل بإجراء تجاربه على الكيريغامي (kirigami)، وهي شكل من أشكال الأوريغامي التي يتم فيها قص الورقة إلى جانب طيها، لصنع أشكال جديدة أكثر تعقيدًا، وبحسب الباحث الرئيسي للدراسة، بول مكيون، فإن هذا البحث جاء بعد أن كان يتحدث مع إحدى طالبات الدراسات العليا ميلينا بليز، والتي تمتلك خلفية فنية، عمّا يمكن أن يتم صنعه بمادة الجرافين، وهي طبقة ذرات سميكة من الكربون، لا تختلف كثيرًا عن ورقة رقيقة جدًا، وقدمت حينها بليز فكرة الأوريغامي والكيريغامي كأفكار ممتعة للتلاعب بهذه المادة.
بحسب مكيون فقد بدأ العمل بهدف صنع طائر يشبه طائر القبرة، ولكن مع تقدم العمل توصل الباحثون إلى أن هذا ليس أمرًا ممكن التطبيق فحسب، بل ويمكن أن يكون مفيدًا أيضًا.
قامت بليز بابتكار نموذج ثلاثي الأبعاد لهياكل كيريغامي على الكمبيوتر، ومن ثم ذهبت بها إلى قسم الفن واستخدمت قاطعة الليزر لإخراجها على الورق، ثم أحضرتها مرة ثانية إلى مختبر مكيون، حيث قام فريقه بالتلاعب بها، وبعد أن حددوا الأشكال التي تعجبهم، قاموا بصنعها على الجرافين والتلاعب بها تحت المجهر، وأنشأوا مفصلات ونوابض مجهرية يمكن تفعيلها عن بعد، باستخدام المغناطيس.
اكتشف الفريق أيضًا أن ورقة الجرافين يمكن أن تطوى مثل الورقة العادية ومن ثم يعاد تسويتها لاستعادة شكلها الأصلي، وكما أظهر فريق مكيون في بحثه، الذي كان يشبه جلسة للفنون والحرف أكثر من شبهه بتجربة علمية، بأن الجرافين يتصرف أساسًا بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها قطعة من الورق.
يتصور مكيون بأنه في المستقبل القريب، ستكون التكنولوجيا القائمة على تقنيات الكيريغامي، قادرة على الوصول إلى ابتكارات تعتمد على الإلكترونيات المرنة، حيث إن إحدى الخصائص المعروفة للجرافين هي خاصيته الموصلة للكهرباء، كما يشير مكيون بأن الهياكل التي ابتكرها فريقه يمكن نظريًا أن يتم زرعها في جلد أو جسم أي شخص، لأن بإمكانها الانحناء والتحرك مع أنسجة الجسم، كما يمكن زرعها في الدماغ للكشف عن الإشارات العصبية، فتبعًا له، مع وجود هذا النوع من المواد، يمكن أن نتصور أن يتم صناعة إلكترونيات مرنة يمكنها أن تذهب إلى داخل خلايا الجسم، أو الخلايا العصبية.
يضيف مكيون أنه مستقبلًا، يمكن لهذا النوع من التكنولوجيا أيضًا أن يمهد الطريق لظهور الروبوتات النانوية، حيث إنه يسعى لتوجيه البحوث التي يقوم بها حاليًا نحو بناء روبوتات صغيرة، كالروبوتات التي تحاكي الحيوانات الصغيرة والحشرات، ومن ثم يتم تقليصها إلى حجم نانوي يقل عن نسبة الحجم الخلوي، ولكن مكيون يعترف بأن الروبوتات الصغيرة المعقدة من هذا الحجم لا تزال على بعد ما لا يقل عن 50 سنة من الابتكار.
يشير مكيون إلى أن فن الأوريغامي بدأ يجد طريقه إلى العديد من التخصصات العلمية، فمؤخرًا قامت ناسا بإطلاق تجربة لألواح شمسية يمكن “طيها” في الفضاء، كما أن هناك روبوتات لا يزيد حجمها عن حجم الظفر يمكن طيها مثل الأوريغامي.