واصل أحمد، الطفل الأفغاني البالغ من العمر عشرة أعوام، والذي أعلنته قوات الشرطة الأفغانية المحلية بطلًا للشرطة في محاربة طالبان، عندما اقتاد الشرطة طوال المواجهات المستمرة ما بين ميليشيات الشرطة وعناصر طالبان والتي استمرت 43 يومًا في إقليم أوروزغان العام الماضي في محاولة لفك الحصار الذي فرضته طالبان على ذلك الإقليم لمدة تقارب الـ 71 يومًا.
كان واصل طالبًا في المدرسة، ولاعبًا لكرة القدم وللكريكيت، إلا أن واصل لم يكن طفل عادي كغيره من في نفس العمر، فمع كونه طفلًا في العاشرة من عمره إلا أنه كان يتمتع بالقدرة على استخدام السلاح، والتعامل مع قذائف الهاون، وكان مقاتلًا في صفوف الجيش الوطني، المدعوم من القوات الأمريكية، والمعروف بالقوات المحلية الأفغانية، وتمّ إعلان واصل بطلًا وطنيًا، وتم تتويجه في احتفالية ارتدى فيها زي يشبه ملابس الأمن الأفغاني حاملًا رشاش من طراز AK-47.
ما سبق ذكره لم يجعل من واصل بطلًا قوميًا فحسب، بل جعله هدفًا لعناصر طالبان كذلك، والتي أعلنت يوم الإثنين الماضي مسؤوليتها على الموقع الخاص بها عن مقتل الطفل واصل أحمد بعيارين ناريين واحد منهم في الرأس أرداه قتيلًا.
لم يفجر مقتل الطفل الحزن فقط بين عائلته وبين صفوف القوات الأمنية كذلك، بل فجر تساؤلات عديدة حول قضية تجنيد الأطفال الأفغان بين صفوف قوات الشرطة المدعومة من الحكومة الأمريكية واستخدامهم في الحرب، بل وفجر تساؤلات وانتقادات عدة حول قضية من هو المسؤول الحقيقي وراء قتل الطفل واصل أحمد.
قالت باتريسيا جوسمان، الباحثة المتخصصة فى شؤون أفغانستان بمنظمة هيومان رايتس ووتش لصحيفة الغارديان البريطانية: “لا يوجد شيء بطولي في تعريض طفل للخطر من خلال تسليحه وجعله يقاتل في الحرب، طالبان قتلت الفتى واصل أحمد البالغ من العمر عشر سنوات، ولكن هؤلاء الذين شجعوه على القتال يتحملون المسؤولية أيضًا”.
تجنيد الأطفال غير قانوني في العالم وكذلك في أفغانستان، كما زعمت قوات الشرطة بأن الفتى لم يكن عضوًا رسميًا بين قوات الأمن إلا أن عمه “صمد” والذي كان بين صفوف طالبان سابقًا لينتقل بعد ذلك إلى صفوف الشرطة قد ساعد الطفل في الانضمام إلى قوات الأمن، وعلمه كيفية استخدام السلاح بناءً على رغبة الطفل نفسه في تعلم السلاح للانتقام ممن قتلوا أبيه.
طفل يقود فرق الشرطة
يقول عمه لصحيفة “الإندبندنت” بأنه كان طفلًا ذكيًا للغاية، تعلم استخدام مختلف أنواع الأسلحة في وقت قصير، واستطاع اقتياد فرق للشرطة في فك الحصار، حيث كان يعتلي أسطح المنازل ويطلق النيران من الصباح وحتى المساء، فكان بإمكانه إطلاق ما يقرب من 3000 رصاصة في اليوم، حيث استطاع قتل العديد من عناصر تنظيم طالبان أثناء المواجهات.
عاد واصل إلى الحياة المدنية منذ العام الماضي، حيث انضم للمدرسة آملًا الالتحاق بالشرطة حين تخرجه، إلا أن طالبان كان لها رأيًا آخر في بقاء واصل في الحياة المدنية،، وأردته قتيلًا كما فعلت مع أبيه.
طالبان ليست القاتل الحقيقي
رغم أن طالبان اعترفت يوم الإثنين الماضي بقتلها للطفل أثناء عودته من المدرسة، إلا أن الحكومة الأمريكية الآن تواجه انتقادات بسبب دعمها للتجنيد الشرعي للأطفال في صفوف الأمن من أجل محاربة طالبان، فالأمن المحلي الأفغاني قوة أمريكية شبه رسمية تستخدمها أمريكا بعد الحرب في الاستمرار في محاربة طالبان، فبعد مقتل واصل تم تسليط الضوء على المحاولات الأمريكية في تحويل الأطفال إلى مقاتلين.
الأمر لا يقتصر على دعم الحكومة الأمريكية الملف المعقد من تجنيد الأطفال في أفغانستان، فالأطفال يتم تجنيدهم على كلا الجانبين، فبعد أن واجهت الحكومة الأفغانية انتقادات دولية بعد انتشار ظاهرة تجنيد الأطفال ضمن قوات الأمن، وهو الأمر الذي تعترف به الحكومة نفسها، أعلن البرلمان الأفغاني العام الماضي من إصدار مشروع يمنع تجنيد الأطفال في أفغانستان، ووضع خطة للحد من تجنيد المزيد من الأطفال.
كما اتهمت الحكومة الأفغانية هي الأخرى تنظيم طالبان المسلح في استغلال الأطفال في العمليات العسكرية وبخاصة في العمليات الانتحارية.
يعتبر تجنيد الأطفال من أبرز الملفات الاجتماعية التي تواجه الحكومة الأفغانية نتيجة الضغوطات المحلية والدولية المتزايدة بسبب تعرض الأطفال المجندين للأذى والاعتداءات الجنسية، وهو ما أثبتته التقارير والمؤسسات الحقوقية الخاصة بحقوق الأطفال، بالإضافة إلى أن تزايد أعداد الأطفال المجندين أساء عالميًا إلى سمعة الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية التي تحتاج إلى مساندة متواصلة من المجتمع الدولي.
أما المؤسسات الحقوقية وبخاصة منظمة “اليونيسف”، أعربت عن قلقها حيال المجندين من الأطفال، لا سيما أن دراسة ميدانية أجرتها بعض المؤسسات الحقوقية، أثبتت استغلال الأطفال جنسيًا من قِبل من كانوا يشغلون مناصب عالية في الجيش والأمن، وطالبت تلك المؤسسات الحكومة والجيش الأفغاني بأخذ تدابير في هذا الشأن، حيث تمّ تسجيل الشرطة الأفغانية ضمن القائمة السوداء بسبب استغلالها الأطفال في الأغراض العسكرية بالإضافة إلى استغلالها لهم في أغراض جنسية.
ملالا يوسفزاي وتعليقها على الحادثة
ملالا يوسفزاي
ملالا يوسفزاي هي أصغر الحاصلين على جائزة نوبل للسلام، وهي ناشطة حقوقية اشتهرت بتنديدها بانتهاك حركة طالبان باكستان لحقوق الفتيات وحرمانهن من التعليم، وقتلهم لمعارضيهم، حاولت طالبان اغتيالها عام 2012، إلا أنها أصيبت إصابة بالغة ونجت من الموت بعد أن ساعدت الإمارت في نقلها إلى بريطانيا لتلقي العلاج.
تقول ملالا لسي إن إن تعقيبًا على الحادث بأنه حادث مأساوي، ذلك الحادث لا يخص واصل فحسب بل هو مصير العديد من الأطفال المجندين للأغراض العسكرية، أو الذين تستخدمهم طالبان في العمليات الانتحارية، الحادث مأساوي بالفعل لأنه لم يعد هناك أي تعاطف تجاه الأطفال أو احترام لبراءتهم، فمع تحويلهم إلى مقاتلين وتكريمهم بألقاب البطولة نتاج مجهوداتهم العسكرية، يتحول الطفل من مجرد طفل برئ إلى مقاتل مسلح.
رغم توقيع أفغانستان اتفاقية مع الأمم المتحدة منذ يناير 2011 تنص على الحد من تجنيد الأطفال للأغراض العسكرية، إلا أن العدد قد تزايد منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، وسجلت منظمات حقوق الإنسان بأن عدد ضحايا العمليات الانتحارية من الأطفال يدعو للقلق، بالإضافة إلى الانتقادات التي تتلقاها الحكومة الأمريكية كان آخرها انتقاد صحيفة الغارديان البريطانية مصرّحة بأنه في ظل مشاعر الحزن الطاغية حول القضية، تظهر ممارسات غير شرعية من خلال السماح للأطفال بحمل السلاح في أفغانستان.