كشفت صحيفة جيروزالم بوست التابعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في تقرير نشرته في الخامس من فبراير لعام 2016، أخبارًا عن عقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جون برينان، لاجتماع سري في الشهر الماضي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومدير المخابرات المصرية، اللواء خالد فوزي، حيث وعد برينان الدولة المصرية بزيادة المساعدات لتعزيز جهود الأخيرة لمكافحة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي في سيناء، وفقًا لما نقلته الصحيفة.
وأوضح كاتب المقال، يوسي مليمان، بأن زيارة برينان تعد مؤشرًا جديدًا آخرًا على الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لتحسين العلاقات مع القاهرة، بعد بضع سنوات من جمود العلاقة جرّاء معارضة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لانقلاب السيسي العسكري قبل عامين الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، زعيم الإخوان المسلمين، والذي اعتلى سدة الحكم إبان انتخابات حرة وديمقراطية، كما وصفتها الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن موقع (Intelligence Online)، الذي يتخذ من باريس مقراً له، تقريرًا يوضح بأن الجيش المصري اعتمد في معلوماته الاستخباراتية على دعم استخباراتي من إسرائيل وفرنسا، حيث زودت فرنسا الجيش المصري بصور الأقمار الصناعية، بينما زودت إسرائيل مصر بمعلومات اعتراضية تنصتية.
عرّج التقرير أيضًا على أن الهيئة الاستخباراتية الأكثر أهمية في استخبارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي وحدة 8200، وأوضح بأن الشاباك (جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل) والموساد أيضًا يضمان وحدات متخصصة بالتنصت وفك رموز المعلومات، وشدد على مشاركة وحدة خاصة من جهاز الشاباك على مدى سنوات بنشاط وفعالية في الوقاية من عمليات الإرهاب الناشئ في سيناء.
وفي سياق منفصل، ذكر التقرير بأن المدير الحالي للشاباك، يورام كوهين، والذي ستنتهي مدة إدارته البالغة خمس سنوات بعد ثلاثة أشهر فقط دون وجود أي مؤشرات على تمديد ولايته لمدة عام آخر وفق نصوص القانون، هو شخصية معروفة في أوساط المخابرات المصرية، جرّاء زياراته المتعددة للقاهرة خلال وبعد عملية الجرف الصامد (الحرب على غزة لعام 2014) لمناقشة نشاطات حماس وقطاع غزة مع المسؤولين المصريين.
وأوضح التقرير بأنه وفقًا لنظام تقسيم العمل الداخلي بين الفروع الثلاثة للمخابرات الإسرائيلية، يضطلع الموساد بمهمة التواصل مع المؤسسات الاستخباراتية النظيرة، مشيرًا إلى وجود عدة تقارير في وسائل الإعلام تفصح عن عقد لقاءات بين قادة الموساد ونظرائهم المصريين، وإجراء زيارات متبادلة بين الطرف المصري والإسرائيلي، حيث أوضح المقال بأن اللواء عمر سليمان، على سبيل المثال، كان معروفًا بأنه قد زار إسرائيل.
ووفقًا لما جاء بالتقرير، ليس سرًا بأنه منذ اعتلاء السيسي لمنصب الرئاسة، تعززت مستويات التنسيق بين مصر وإسرائيل على مستوى عالٍ للغاية بشأن القضايا الأمنية، حيث ذكرت الصحيفة بأنه وكجزء من النضال المشترك الذي يخوضه كيان الاحتلال والدولة المصرية ضد حماس وتنظيم الدولة الإسلامية، سمحت إسرائيل لمصر بنشر قوات عسكرية في شبه جزيرة سيناء تزيد عن الحد المسموح به في اتفاقية السلام، كامب ديفيد، الموقعة في عام 1979.
وفي هذا السياق، عزا كاتب المقال حرص مصر والكيان الإسرائيلي على استمرار التعاون القائم بينهما للخوف الذي يتشاطرانه من اطراد قوة إيران ومحاولاتها لزعزعة استقرار الأنظمة السنية في الشرق الأوسط، سواء بصورة مباشرة، من خلال وكلاء مخابراتها، أو بشكل غير مباشر، من خلال حزب الله.
ومع ذلك، وصف الكاتب هذه العلاقة الحميمة باعتبارها “عقبة” أكثر من كونها رصيدًا إستراتيجيًا لسياسة كيان الاحتلال، مبررًا ذلك بأن العلاقة المصرية – الإسرائيلية تصعّب من مهمة الأخيرة في إحراز أي تقدم ضمن الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية مع قطاع غزة وتحسين العلاقات مع تركيا، وموضحًا بأن مصلحة إسرائيل تقتضي تخفيف معاناة سكان قطاع غزة، أو وضع حد للحصار، أو شعور السكان بالحصار، كما وصفه كاتب المقال.
حيث زعمت الصحيفة بأن سكان غزة يتلقون حاليًا معظم إمداداتهم وبضائعهم من كيان الاحتلال، مشيرة إلى مرور نحو 800 شاحنة يوميًا عبر المعابر الحدودية، وموضحة بأن الحدود مغلقة أمام حركة الناس، إلا لأسباب إنسانية، كتلقي العلاج الطبي، أو لأسباب دينية، كزيارات المسيحيين في عيد الميلاد، أو ذهاب المسلمين إلى مكة لأداء الفرائض، أو لأسباب تعليمية، كذهاب الطلاب للدراسة في الجامعات، وبالمقابل، أوضح المقال بأن معبر رفح بين غزة ومصر مغلق بالكامل تقريبًا على كامل مدار السنة، ففي عام 2015 بأكمله لم تُفتح الحدود أمام حركة الأشخاص إلا لمدة تقل عن 30 يومًا غير متتالية.
وخلصت الصحيفة بأن هذا الواقع يعني بأن الجهة المسؤولة عن تقييد سكان غزة، والتي تفرض حصارًا مشددًا على قطاع غزة، هي الجهة المصرية، وليست إسرائيل.
هذه الحقيقة، من وجهة نظر الكاتب، لا تسهّل الأمور أمام سلطات الاحتلال، لأن الإسرائيليين قلقين من أنه وفي نهاية المطاف، سيسفر تضخم هذا الشعور بالاختناق عن إطلاق الصواريخ أو القيام ببعض الأعمال، التي وصفها الكاتب بالإرهابية، ضمن الأراضي الإسرائيلية، رغمًا عن إرادة حماس، التي صرّح نائب رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية بأنها لا تسعى لفتح صراع مع إسرائيل.
يختلف المقال مع رؤية قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تتجه لاستبعاد انخراط حماس بحرب ضد إسرائيل، لأنها تخشى القوة الإسرائيلية التي تعمل بمثابة رادع لها، حيث يرى الكاتب بأن هذا الرادع لا يمنع حماس من إعادة بناء قدراتها العسكرية وحفر الأنفاق، التي وصل بعضها إلى مناطق قريبة من الأراضي المحتلة، أو ربما حتى اخترقها، كما لا يمنعها من بناء ما أسماه بالبؤر الاستيطانية على طول الحدود وتصنيع صواريخ بعيدة المدى ومعززة الدقة.
بالمقابل، أوضح المقال بأن بعض القيادات العليا في جيش الاحتلال تتخوف من أن حادثة صغيرة واحدة يمكن أن تخلق شرارة تشعل لهيب المنطقة بأسرها، مما قد يسهل تصعيد الموقف إلى حرب شاملة لعام 2016.
في ضوء ذلك، تقول الصحيفة، اقترحت القيادة الأمنية الإسرائيلية عددًا من الأفكار لتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في غزة، للسماح لهم بقدر أكبر من حرية الحركة ضمن الضفة الغربية، ولتزويدهم بكميات أكبر من مواد البناء بغية إصلاح منازلهم والبنية التحتية التي تم تدميرها في الحرب، حيث أعلنت تركيا عن استعدادها لتمويل عملية إعادة الإعمار.
دلف التقرير بعدها لإلقاء الضوء على الخيارات المطروحة لتنفيذ خطة إعادة الإعمار، حيث أوضح بأن أحد الخطط المطروحة تمثلت بتفريغ البضائع في ميناء في قبرص، لتخضع بعدها لفحوصات أمنية بإشراف مجموعة مشتركة من القوات الإسرائيلية والدولية، ليتم بعدها السماح للبضائع بالوصول إلى قطاع غزة، والاقتراح الآخر تمثل ببناء ميناء عائم بالقرب من الساحل الغزاوي يمكن أن يتم ربطه عن طريق جسر إلى غزة.
الجدير بالذكر بأن طلب تركيا من حكومة الكيان الإسرائيلي بإفساح موطئ قدم لها في غزة، هو أحد الشروط المسبقة التي وضعتها أنقرة لإعادة العلاقات مع إسرائيل، حيث يأتي هذا الطلب ضمن قائمة من الأمور الأخرى التي تم الاتفاق عليها بغية تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا، والتي توترت منذ حادثة سفينة “مافي مرمرة” قبل خمسة أعوام ونصف العام.
ووفقًا لما جاء بالصحيفة، تشمل الشروط المسبقة للتقارب، تقديم اعتذار رسمي إسرائيلي حول حادثة مرمرة، وهو الأمر الذي حصل مسبقًا في مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وموافقة إسرائيل على دفع 25 مليون دولار تعويضًا لعائلات المواطنين الـ9 الأتراك الذين قُتلوا في حادثة “مافي مرمرة”، وبالمقابل، أعلنت الحكومة التركية عن استعدادها لتمرير قانون في البرلمان من شأنه أن يمنع محاكمة الضباط الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وبطرد قيادات حماس وكبار مسؤوليها من أراضيها، وزيادة الرقابة على أماكن وجودهم.
كما كشف التقرير بأنه خلال جلسات الوفد الإسرائيلي، المكوّن من المحامي يوسي تشيخانوفير ويوسي كوهين، مع المسؤولين الأتراك، وافقت إسرائيل، جزئيًا على الأقل، على طلب تركيا بالسماح لها بفتح مكتب تمثيلي في غزة، ونقلت الصحيفة معارضة الجانب المصري على الفور لمثل هذه الخطوة؛ مما أدى وقوع كيان الاحتلال ضمن مأزق علاقات دبلوماسية، فمن جهة، ترغب إسرائيل تحسين علاقاتها مع تركيا، ولكن من ناحية أخرى، تبدو علاقة إسرائيل الإستراتيجية مع حكومة السيسي ذات أهمية قصوى لها.
وعند هذه النقطة، كما يقول الكاتب، رجحت قيادة الاحتلال بأن علاقات إسرائيل مع المصريين هي أكثر أهمية من إمكانية تجديد علاقاتها مع تركيا، وأوضح الكاتب بأن الأمور ازدادت سوءًا خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، هذا الأسبوع إلى اليونان، بعد اتهامه لتركيا بدعم تنظيم الدولة الإسلامية، ومن خلال هذا التصريح، يرى الكاتب بأن رأب صدع العلاقة ما بين إسرائيل وأنقرة أضحى أصعب من ذي قبل.