الحرب الباردة بين المنامة وطهران لم تخمد يومًا منذ عقود، بداية من لحظة استقلال البحرين عن الاحتلال البريطاني في العام 1971، ثم الاستفتاء على انفصالها التام عن إيران، وحتى الآن وبعد مرور ما يقرب من 45 عامًا لا تزال طهران تحلم بإعادة هيمنتها على الدولة الخليجية لنهب ثرواتها واستغلالها كحجر عثرة وشوكة في حلق دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة ككل.
عداوة تاريخية
لم تهدأ محاولات طهران في تأجيج الوضع الداخلي بالبحرين، تارة بإثارة القلاقل، وأخرى بمحاولة إشعال الأزمات الطائفية التي كان ذروتها دعم التظاهرات الشيعية في فبراير ومارس 2011، ليكتمل بذلك مسلسل العقدة التاريخية بين إيران ودول الخليج بشكل عام، والتي تدعمها دائمًا الدولة الفارسية بنزعة شوفينية، وثالثة بمحاولات خلق أزمات داخلية اكتشفت منها شرطة المنامة مؤخرًا مخبئًا للمواد المتفجرة، وتصنيع الأسلحة متورط فيه مجموعات إرهابية تابعة لكيانات شيعية بالعراق وسورية، تتبع إيران، وباتت الحرب الباردة بين البلدين فعلية لكن “دون رصاص”.
استكانة وضعف
برؤى الخبراء والمحللين، فإن التوتر “الجديد – القديم” بين الجانبين لا يمكن عزله عن محيطه الخليجي، وهو التوتر القائم على العنترية الإيرانية والنفسية الاستعمارية التي تتعامل بها الدولة الفارسية تجاه دول الخليج كافة.
ما لا يدركه الكثير حول عناصر ومفردات رغبة الهيمنة الفارسية على منطقة الخليج، هو أن دول التعاون نفسها تتحمل جانب كبير في مسؤوليته، فعلى الرغم من حضور مفردات الوهم الفارسي التاريخي والتطلعات الاستعمارية لدولة إيران بالمنطقة، ومحاولاتها لتصدير الفكر الصفوي لتلك الدول، والهيمنة عليها اقتصاديًا ومكانيًا، مستعينة باتفاقات سرية مع الولايات المتحدة، ساهمت في السيطرة على العراق، مستغلة الطموحات الروسية في الحفاظ على موطئ قدمها بالمنطقة عبر اللعب بالداخل السوري، بالإضافة لدورها في اليمن ولبنان، بأذرعها الموالية، الحوثيون وحزب الله، لم تتحرك دول التعاون لتفعيل التحالف القائم فيما بينها منذ ثلاثة عقود والانتقال للخطوة التالية بنقل حالة التعاون لحالة الاتحاد، مكتفية بتشكيل قوات درع الجزيرة.
عمان والإمارات
الأزمة الخليجية في مواجهة محاولات الهيمنة لم تتوقف عند حد تخاذل وسكون تلك الدول عند حالة التعاون الخليجي دون تطويرها كما يرى المحللين، لكن ما زاد منها هو عمل بعض من تلك الدول بمفردها، وفق مصالح ضيقة على تقوية علاقتها بإيران على حساب باقي الدول الخليجية، والنموذج العماني والإماراتي، واضح في ذلك؛ فعلاقات عُمان مع إيران، أقوى من علاقاتها مع أي دولة خليجية أخرى، والإمارات تتناسى دومًا أزمة الاحتلال الفارسي لجزرها الثلاث، والتي هي في الأساس منبع مشكلات دول الخليج مع طهران، وتسعى لتقوية علاقتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إيران لمحاربة نفوذ التيارات الإسلامية بالمنطقة سواء بسوريا أو اليمن والعراق وغيرها، ما يرشح الأزمة بين المنامة وطهران للتصاعد خلال الفترة المقبلة.
انقلاب المدرسي
رأي آخر يبعد دول الخليج واستكانتها عن أسباب اشتعال الأزمة، كونه لا يرتبط بالخلافات الخليجية، لأن عدم وجودها لم يكن ليمنع الطموح الفارسي التاريخي بالمنطقة، منذ عهد الشاه وما بعده، مستشهدًا بمحاولة الانقلاب الشهيرة بالبحرين التي قادها هادي المدرسي، الموالي لإيران، في العام 1981، وهي الحادثة التي عدها الكثير من الخبراء بمثابة التحول الأكبر في علاقات البلدين حيث تحولت وقتها محاولات إيران للهيمنة على البحرين، من مجرد المحاولات على استحياء للتدخل في الشأن الخليجي لاسيما البحريني، عبر التصريحات غير المباشرة والتلميحات، إلى مسألة التمويل والتدريب والتحريض والإسناد، في الداخل البحريني ذاته.
وهن عربي
هذا الرأي يوسع أطراف الأزمة ومسببيها بضم الجامعة العربية لها، باعتبار أن غياب منظومة الدفاع العربي المشترك، في مواقف مشابهة سبقت الأزمة بين البحرين وإيران شكل حافزًا لطهران لتوسيع عدائها لتلك الدول، مستشهدًا بالموقف العربي من الحرب العراقية – الإيرانية، والاحتلال الصهيوني لفلسطين، والأزمة في اليمن، والجزر الإماراتية ، وقضية الأحواز، ما يعني أن وهن هذا الدور، يمثل أكبر عامل إغراء للدولة الفارسية في محاولاتها للتوسع وفرض الهيمنة على كل محيطها الخليجي والعربي والإقليمي.
تقسيم أدوار
وجهة نظر ثالثة ترى أن البُعد المصلحي بالمنطقة بين إيران والولايات المتحدة، به الكثير من التقارب مستشهدًا بالاتفاق النووي الأخير، الذي أطلق أيدي طهران بالإقليم ككل كشوكة تستدعي الوجود الأمريكي في مواجهة النفوذ الروسي كمحاولة لتقسيم الأدوار بين موسكو وواشنطن، فالولايات المتحدة تدعم الدولة الفارسية في محاولاتها المستميتة لتأجيج الاضطرابات بمنطقة الخليج لتنصيبها شرطي المنطقة من جهة، وتحافظ على فوائد الوجود الأمريكي من جهة أخرى، عبر استدعاء تلك الدول للحماية الأمريكية في مواجهة النفوذ الروسي الداعم لطهران، وبالتالي تقسيم المنطقة مكانيًا للهيمنة الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا، الأولى تفوز بالعراق، والثانية بسوريا بعد صعوبة الموقف في اليمن بعد عاصفة الحزم.
حروب الجيل الرابع
ما يدعم هذا التصور هو أن براجماتية الدولة الفارسية تدفعها لمحاولة اقتسام السلطتين السياسية والعسكرية بينها وبين أمريكا، خصوصًا بعد هيمنتها على العراق، وموقفها المتأزم باليمن وسورية، ضمن إستراتيجية حروب الجيل الرابع التي تنتهجها الولايات المتحدة بالمنطقة، عبر محاولات إفشال الدول – خصوصًا دول الخليج – من الداخل، وإعادة توزيع نسب السكان بها بما يخدم أهدافها في إشعال الأزمات الداخلية وتضخيمها، وإشاعة حالة عدم التوازن الداخلي بين الفئات المختلفة دينيًا وثقافيًا، وهو ما تفسره تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في نهاية الثمانينات، التي قال فيها إن أهمية الدولة الفارسية بالمنطقة خصوصًا منطقة الخليج تدفع الولايات المتحدة لتحسين علاقتها بطهران، وهو ما ظهر جليًا في الدور الإيراني الداعم لأمريكا في احتلال العراق 2003.