ليست هذه المرة الأولى التي يرفع فيها العمال الفلسطينيون صوتهم معترضين على سياسة التحقير والعنصرية التي تتبعها إسرائيل ضدهم، فالعمال الفلسطينيون يعانون من التمييز المزمن بحقهم منذ تأسيس إسرائيل، فهم لا يحصلون على حقوقهم التي ينص عليها قانون العمال، كما يتم تجاهلهم من قِبل الشركات الكبيرة أو المؤسسات الضخمة، بالإضافة لقيامهم بأعمال يرفض اليهود القيام بها، وبخاصة في السلك التعليمي، حيث لا يعمل الفلسطيني بالمؤهلات التعليمية التي تؤهله لمناصب مرموقة في السلك التعليمي في الجامعات أو المدارس الإسرائيلية، يجب الذكر هنا بأن معظم عمال البناء في إسرائيل من الفلسطينين في الخط الأخضر ( لفظ يطلق على الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967)، أو من العمال الفلسطينين من الضفة الغربية.
كشف تقرير صادر عن بنك إسرائيل المركزي أن العمالة الفلسطينية التي لا تحمل تصاريح عمل داخل إسرائيل ازدادت في السنوات الأربع الماضية بنسبة كبيرة تصل إلى 100% بعدد يبلغ الـ 92 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل للعام الماضي، مما يعني أن هناك طلبًا متزايدًا على العمالة داخل إسرائيل، تزامنًا مع ارتفاع نسب البطالة في السوق الفلسطيني، ولكن يدخل معظم العمال بشكل غير قانوني إلى إسرائيل؛ حيث إن عدد العمال الفلسطينيين الذين يحملون تصاريح عمل داخل إسرائيل يصل إلى 59 ألف عامل بنسبة 64% من إجمالي عدد العاملين داخل إسرائيل.
يواجه العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية معاناة كبيرة في الوصول إلى أماكن العمل في داخل سوق العمل الإسرائيلية، فهم يخرجون من بيوتهم في الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، بسبب اضطرارهم إلى العبور من خلال الحواجز العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي كي يتمكنوا من الوصول إلى أماكن العمل عند السابعة صباحًا، تُعد الساعة الثانية صباحًا هي أفضل الساعات على الحواجز الإسرائيلية قبل أن يصلها المئات من العمال ليتجمهروا أمام البوابات قبل بداية رحلة العمل الشاقة، فيعبر العمال البوابات الإلكترونية الخاصة بالتفتيش قبل الوصول إلى نقطة فحص تصريحات السفر لديهم بعد أن يعبروا أراضي الضفة الغربية قبل السماح بدخولهم إسرائيل.
يقول أحمد أحد العمال الفلسطينين من الضفة الغربية لقناة الجزيرة واصفًا رحلته اليومية للعمل داخل إسرائيل بأنه يستيقظ يوميًا في الساعة الواحدة والنصف في الصباح ليستطيع الوصول إلى الحاجز الإسرائيلي في تمام الساعة الثالثة صباحًا، كما يعبر بأنه لا يجد الوقت الكافي لرؤية أطفاله أو زوجته، كما أكد بأنه لو لم تكن البطالة تفشت في سوق العمل الفلسطيني لما اختار تلك الرحلة التي يعتبرها عقابًا يوميًا له لكي يكسب قوت يومه.
وصل الآن عدد العمال الفلسطينين في إسرائيل إلى قرابة 105 ألف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل وهم يمثلون قرابة 2.2 من مجموع القوى العاملة في إسرائيل ونحو 11.7% من مجموع القوى العاملة في الضفة.
يعبر يوميًا ما يقرب من 30.000 ألف عامل من الضفة الغربية إلى إسرائيل يوميًا بطريقة قانونية، ولكن هناك العديد من الآلاف الذين يتخذون نفس الرحلة بدون تصريحات للعمل، مما يدفع الجانب الإسرائيلي إلى إعطائهم أجرة تقل عن الحد الأدنى للأجور الذي ينص عليه قانون العمل، كما أن المقاولين الإسرائيلين لا يقومون بتطبق قانون العمل الإسرائيلي على العمال إلا من كانوا من عرب 48 أو من القدس من يحمل منهم الهوية الإسرائيلية.
عمال المستوطنات
رغم توجه السلطة الفلسطينية في منع العمالة الفلسطينية من العمل داخل المستوطنات، ورغم أنه يعد غير مقبول وطنيًا، إلا أن الآلاف من العمالة الفلطسينية وجدت سبيل العمل فيها في قطاع البناء لأنها لم تجد له بديًلا في الضفة الغربية، تشتهر العمالة الفلسطينية أكثر في قطاعي البناء والقطاعي الصناعي، كما تعمل النساء في القطاع الزراعي وهو بمثابة عمل موسمي يعمل به ما يقرب من 6000 عامل داخل المستوطنات.
رغم جهود السلطة في سن قانون يجرم عمل الفلسطيني في المستوطنات، إلا أن عدم قدرة السلطة الوطنية على توفير بدائل في ظل أزمة مالية تعصف بها تعد أحد أبرز الأسباب التي تحول دون مكافحة ظاهرة العمل في المستوطنات، فالحكومة الفلسطينية مطالبة بتوفير 38 ألف فرصة عمل جديدة سنويًا في الأراضي الفلسطينية، لافتًا إلى أن ما يتم توفيره من قِبل الحكومة والقطاع الخاص لا يتجاوز ثلث ما هو مطلوب ما يجعل البطالة تتفاقم عامًا بعد عام.
ويتعرض العمال الفلسطينيون في المستوطنات أو داخل الخط الأخضر لانتهاكات لحقوقهم الوظيفية والإنسانية، مثل تعرضهم للاعتداء المباشر، بالإضافة إلى التمييز العنصري ضدهم من حيث قيمة الأجور وطبيعة العمل وقيامهم بأعمال لا يقوم بها اليهود، كذلك يخصم جزء من رواتبهم لصالح الهستدروت ( الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية) رغم أنهم ليسوا أعضاءً فيه لأنهم لا يحملون الهوية الإسرائيلية، ويخصم جزء آخر لصالح التأمينات الاجتماعية رغم أنهم لا يستفيدون منها كذلك.
كثير من العمال يدفعون مبالغ كبيرة مقابل تصاريح العمل، ويتعرضون للاستغلال من المقاولين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، الذين يعطونهم الحد الأدنى من الأجور ويتقاسمون الباقي فيما بينهم، كما يتعرض العديد من العمال لحملات اعتقال جماعية من قِبل جيش الاحتلال ويتم ابتزازهم ووعدهم بإعطائهم تصاريح للعمل وفرص للعمل بأجور عالية إذا ما تم تعاونهم مع الأجهزة الأمنية في إسرائيل وإلا يتم سحب تصاريحهم ومنعهم من الدخول للعمل للأبد، كما نشرت تقارير حقوقية عن تعرض العاملين داخل إسرائيل لاعتداءات نوعية منها النهش بالكلاب البوليسية المرافقة للجيش من خلال كمائن، والاعتداء عليهم بالضرب والاعتقال.
يجد الفلسطيني عمله في المستوطنات أمرًا مخزيًا باعتبار المستوطنات كالسرطان الذي ينتشر على أرضه ويعتبر التهديد الأول للأرض الفلسطينية، إلا أن العمال الفلسطينين في إسرائيل أجمعوا بأنهم لو وجدوا فرصة العمل داخل الضفة الغربية لما فكروا يومًا في الذهاب لإسرائيل للعمل.