لم يعد خافيًا على أحد حجم التقارب الكبير الذي صاحب العلاقات التركية السعودية منذ مجئ الملك سلمان مطلع العام الماضي إلى سدة الحكم في السعودية، وقد تعززت العلاقات بتأييد أنقرة لعملية عاصفة الحزم التي بدأتها الرياض مع دول أخرى ضد الحوثيين وأنصار الرئيس السابق على عبدالله صالح في اليمن ومرورًا بالتوافق تجاه المحددات الأساسية للحل في سوريا واستبعاد الأسد ووصولاً إلى تشكيل مجلس التعاون الإستراتيجي بين قيادتي البلدين في ديسمبر الماضي.
ولكن حدثًا ما أثار بعض التكهنات والتحليلات خاصة لدى المعارضين العلمانيين في تركيا وهو أن رئيس هيئة الأركان العامة في تركيا الجنرال خلوصي أكار الذي يقود حوالي 700 ألف جندي قد صاحب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو في زيارته الأخيرة إلى السعودية، وتعتبر زيارة رئيس هيئة الأركان للسعودية سابقة من نوعها فضلاً عن أنها أيضًا المرة الأولى التي يرافق فيها مسؤول عسكري بهذه الرتبة وفدًا رسميًا حكوميًا في زيارة خارج البلاد.
وفيما ذكرت بعض المصادر ومن ضمنها موقع هيئة رئاسة الأركان أن انضمام خلوصي إلى الوفد التركي في السعودية جاء تلبية لدعوة نظيره السعودي عبد الرحمن صالح البنيان، فإن داود أوغلو أكد أن انضمام خلوصي للزيارات الحكومية الخارجية من الآن وصاعدًا لن يكون أمرًا استثنائيًا ولا داعي للشعور بالاستغراب.
ولعل في هذا رسالة أو رسائل متعددة الأوجه حيث أرادت القيادة السياسية في تركيا على مستوى السياسة الخارجية أن توجه رسائل بأن العلاقة مع السعودية يمكن أن تتطور في الجوانب العسكرية أيضا ولعل ما نشرته صحيفة الغارديان أمس حول إمكانية نشر قوات برية سعودية وتركية في سوريا يعزز هذا القول.
وعلى المستوى الداخلي وفي وقت يوجد فيه حالة من الاستقطاب مع عدد كبير من التهديدات أرادت القيادة أيضًا أن تقول إن هناك انسجام بين القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في البلاد، وقد أكد داود أوغلو هذا عندما قال: “إن هناك تعاونًا مشتركًا رفيع المستوى بين الأجهزة الأمنية في الدولة ولأول مرة في تركيا تعمل الشرطة إلى جانب العسكر وهناك شفافية وتعاون مباشر” وتوقع أن انعكاس أثر ذلك على أرض الواقع سيكون مختلفًا وأكثر تأثيرًا.
إذا فنحن أمام عدة سوابق في هذه المحطة وهي:
– أول مرة ينسق السياسيون والعسكر والأمن في تركيا بشكل مباشر.
– أول مشاركة لرئيس هيئة الأركان في زيارة خارجية مع وفد حكومي.
– أول مرة زيارة لوفد حكومي وعسكري تركي كانت إلى السعودية، وقد حرص رئيس الأركان أن يكون مرتديًا الزي العسكري خلال زيارته للسعودية ولقائه بالملك سلمان، وهنا تقتضي الإشارة أن الصحافة التركية تابعت عن كثب طبيعة الزي العسكري الذي ارتداه واستبداله الرتب على الكتف والذراع بإشارة على الصدر.
وكما ذكرنا فإن أجهزة الإعلام العلمانية خاصة والتي تنظر إلى الجيش في تركيا بأنه حامي قلعة العلمانية قد تساءلت حول إن كان رئيس الاركان قد أدى مناسك العمرة أم لا وعادت للتأكيد بناء على جدول الزيارة الذي أثبت أن رئيس الأركان لم يغادر الرياض وبالتالي شعر العلمانيون المستاءون من الزيارة بنوع من الراحة، وربما هذا يعيد إلى الذاكرة إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس في عام 1960 وهو قد قام بأداء الحج والعمرة سرًا.
فيما أغاظت بعض الكتاب العلمانيين صورة الملك سلمان ويجلس على يمينه داود أوغلو وعلى يساره رئيس هيئة الأركان التركي حيث قال أحدهم معلقًا: “وهل للملك إلا أن يكون سعيدًا وعلى يمينه رئيس حكومة تركيا الكبيرة وعلى يساره قائد عسكرها؟”.
وفيما شن آخرون هجمتهم على الوهابية مدعين أنها سبب انتشار التنظيمات الإرهابية، وقد حاول بعضهم القول أيضًا بأن رئيس هيئة الأركان لم يكن مرتاحًا خلال الزيارة من خلال مظهره في الصورة التي عرضت على وسائل الإعلام.
وعلى كل حال فإن دروسًا خاصة كثيرة يمكن أن تستخلص من هذه الزيارة مع الأمور التي حصلت فيها لأول مرة، ويمكن أيضًا توقع انعكاسات هذه الأمور الجديدة على مزيد من التعاون بين البلدين وعلى توجهات جديدة لدى الحكومة التركية في سياستها الخارجية مع عدم استبعاد وجود عوائق منها ما هو ظاهر ومنها ما زال طي الكتمان، لكن المؤكد أن هناك تحولات في تركيا بدأت تمتد إلى الجيش الذي كان حاميًا للعلمانية وأصبح مدافعًا عن الأتراك من الأخطار الخارجية وربما نرى أمورًا أخرى.