حقائق لا بدّ من تذكّرها عند الحديث عن اغتيال “عبد القادر الصالح”
تمّ اغتيال “عبد القادر الصالح” بعمليّة مخابراتيّة متقنة .. ولا أعرف أو أسمع شخصياً عن عمليّة مشابهة (في حلب على الأقل) إلا حينما تمّ قصف المبنى المجاور لمشفى “دار الشفاء” والذي كان يجري فيه في حينه اجتماع لقادة من الجيش الحر قُتل أغلبهم ولم يتم تداول الأمر إعلامياً بمقابل التركيز على قصف المشفى ..
عدا ذلك .. تبدو مقرّات الجيش الحر في مأمن تماماً من عمليّات القصف الذي يكون عشوائياً تماماً لا يختلف شيئاً عن الضرب العشوائي “للحر” لقذائف الهاون .. سوى أنّ “براميل” النظام و”قذائفه” و”صواريخ السكود” خاصته تحدث دماراً أكبر بكثير وتقتل العشرات من المدنيين دفعة واحدة ..
الجليّ جداً .. أنّ الأمر لم يعد كذلك في الأيّام السابقة .. لا أعرف السبب (هل هو تطور مخابراتي للنظام .. أم تطوّر تقني .. أم أنّه يأخذ معركة حلب بشكل جدّي أكثر من أي وقت مضى!) .. إذ حتّى المراكز الإعلاميّة لم تسلم خلال اليومين الماضيين من قصف النظام الذي استهدف مركز حلب الإعلامي وحلب نيوز ..
لا أمتلك نظريّة مكتملة تتنبّأ بقادم الأيّام .. لكن أستطيع أن أرمي عدّة حقائق على الطاولة لمن يودّ صياغة نظريّة ..
– تكمن أهميّة هذا الرجل في كونه “صمام أمان” للتيار المعتدل من الثورة السوريّة .. كان في طريقه للتوحّد مع كتائب وقوى ثوريّة عديد لتشكيل أكبر كيان عسكري يُقال أنّه سيضم “جيش الإسلام” (الذي أباح أحد شيوخ داعش دم قائده منذ أيام) و”أحرار الشام” و”صقور الشام” وغيرهم من الكتائب المقاتلة تحت راية ما سيُسمّى “جيش محمّد” .. كما كان أبرز الحاضرين في “اسطنبول” قبل أيام مع كبرى قيادات الجيش الحر في اجتماعٍ لتحديد رؤية حول “جنيف2” غلب عليه طابع الرفض .. وسط ضغوطات دولية على المجتمعين لتغيير الموقف ..
– هُمّش لواء التوحيد في الفترة الأخيرة بشكل يبدو مقصوداً .. يُحكى أنّه لم يتلقّ دعماً ولو “برصاصة” خلال الأسابيع الماضية .. في وقت تشهد فيه جبهة الاقتتال في الحلب المعارك الأقوى والأكثر تهديداً يعود فيها النظام لزمام المبادرة ويحشد لها إعلامياً ويحقق انتصارات محدودة تجعل كبرى وسائل الإعلام العالميّة تتوقّع تقدّماً كبيراً للنظام في حلب خلال أيام (يمكن مراجعة مقالات التايم .. الغارديان .. وغيرها خلال الأيام الماضية)
– تقدّم لـ”داعش” في مناطق الجيش الحر .. وسيطرتها على عدّة قرى ومناطق سكنيّة في المدينة حتى باتت تشكّل تهديداً حقيقياً حذّرت منه قوى عالميّة .. إذ لم تتوقّف وسائل الإعلام الغربية والتركية عن التحذير خلال الشهور الماضية من خطر بسط “داعش” سيطرتها على كامل الشمال السوري ..
لا تبدو علاقة “عبد القادر الصالح” و”لواء التوحيد” مستقرّة مع داعش .. حشد لواء “التوحيد” أمام اعزاز لكنّه لم يتدخّل ورضخ لسيطرة داعش على المدينة واكتفى بحماية معبر “باب السلامة” .. أصدرت “جبهة علماء حلب” (التي تضمّ رجال دين مقرّبين للألوية المعتدلة كالتوحيد) بياناً قبل أيّام يدعو للتبرّؤ من “داعش” ويحث المقاتلين على تركها والانضمام للقوى العسكرية الأخرى ويُلقي “المسؤولية الشرعيّة” في الانتهاكات التي تقوم بها “داعش” على من يستمرّ في القتال فيها .. وكتب “عبد القادر الصالح” على صفحته على الفيسبوك قبل استشهاده بأيام: (ما زال مجاهدي الكلمة الحرة يعانون تارة في سجون النظام وتارة في سجون الظلام ( عبد الوهاب ملا – مؤيد سلوم …) لن نتوانى عن نصرة هؤلاء المجاهدين ما استطعنا لذلك سبيلا) .. إضافة لكلّ ما سبق .. خلى أيّ بيان مشترك من الكتائب المقاتلة في حلب (سواءً حول جنيف أو الائتلاف أو غيره) من أيّ ممثل عن “داعش” ..
أخيراً .. فإنّ عمليّة عسكريّة مخابراتيه بهذا الحجم .. أودت بفقيد وحّد السوريين في رثائه .. لأوّل مرّة ربّما منذ أن دخل السلاح للثورة .. لكنّها أيضاً .. حقّقت أهدافاً استراتيجة للنظام (على الأقل) تجعل الشمال السوري محلّ تهديد كبير .. يسير إلى حيث يريد له النظام (على الأقل) أن يسير .