النشأة والبدايات
في رياضةٍ قوامها الفكر والفن والمهارة ككرة القدم، ليس بغريبٍ أن يكون للنساء من طيبها نصيب، فهن شقائق الرجال في جل مقوماتها، وإن زاد الرجال عنهن درجةً فيما يتعلق بالقوة البدنية واللياقة، فهذا لا يشكل عائقًا يمنعهن من مزاولة اللعبة الشعبية الأولى، التي صدق من قال عنها بأنها تُلعب بالرأس قبل القدمين، وعلى هذا فقد مارست النساء اللعبة منذ القدم، بشكلها البسيط الخالي من التعقيدات والقوانين، كما مارسنها بشكلها الحديث المحكوم بالضوابط والأنظمة، والذي ظهر أواخر القرن الـ 18، في البلاد التي تعتبر مهد كرة القدم الحديثة، ألا وهي بريطانيا العظمى، حيث مورست في بعض المدن الإنجليزية والإسكتلندية في نطاقٍ غير احترافي، قبل أن تشهد مدينة غلاسكو عام 1892، إقامة أول مباراة كرة قدم نسوية موثقة، تحت إشراف الاتحاد الإسكتلندي للعبة، وحذت لندن حذوها عام 1895، باستضافة مباراةٍ جمعت فريقي شمال المدينة وجنوبها، قبل أن تظهر إحدى اللاعبات البريطانيات وتدعى إليزابيت بروجاني عام 1899، وتطالب الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بإقامة دوري احترافي خاص بالسيدات أسوةً بدوري الرجال، ولكن طلبها جوبه بالرفض بداعي الحفاظ على “رجولة” اللعبة!
لم تيأس الفتاة البريطانية، واستمرت في النضال من أجل المساواة الكروية، فقامت بجمع بعض فرق عاملات المصانع لتشكيل دوريٍ خاصٍ بهن، ولاقت فكرتها ترحيبًا حارًا ورواجًا شعبيًا هائلًا، استمر حتى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أصدر الاتحاد الإنجليزي قرارًا يحظر إقامة مباريات النساء على الملاعب الخاصة به، مما حد من شعبية وانتشار اللعبة، التي اقتصرت على إقامة بعض المباريات على الملاعب الخاصة بالركبي.
محطات هامة في مسيرة تطور الكرة النسائية
جانب من المباراة النهائية لمسابقة كرة القدم النسائية بأوليمبياد لندن 2012
– عام 1969، أُنشئ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم النسائية، وهو الأول من نوعه في العالم، وبعد ذلك بأعوامٍ قليلةٍ، سمحت إيطاليا رسميًا بإنشاء فرقٍ خاصةٍ بالسيدات، ونسجت على منوالها كلٌ من الولايات المتحدة واليابان في الثمانينات، قبل أن تُعلن اليابان عن إقامة أول دوري للمحترفات عام 1989.
– عام 1975، أقيمت في هونغ كونغ فعاليات بطولة أمم آسيا الأولى للسيدات، وهي أول بطولة نسوية خاصة بالمنتخبات الوطنية، وقد تُوجت سيدات نيوزلندا بلقب تلك البطولة، التي بقيت تقام كل عامين، ثم كل 4 أعوام، وتحمل الصين الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بها برصيد 8 ألقاب.
– عام 1984، أقيمت – برعاية الاتحاد الأوروبي لكرة القدم – بطولة أمم أوروبا الأولى للسيدات، وقد فازت سيدات السويد بلقب تلك البطولة، التي أقيمت على مبدأ مباريات الذهاب والإياب، ومازالت تقام دوريًا حتى يومنا هذا، حيث تحمل ألمانيا الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بها برصيد 8 ألقاب.
– عام 1991، كان فارقًا في تاريخ الكرة النسائية، حيث شهد إقامة النسخة الأولى من كأس العالم للسيدات، برعاية الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، كما شهد العام نفسه انطلاق 3 بطولات قارية للسيدات، في كلٍ من أمريكا الشمالية والجنوبية وأفريقيا، لتلحق بنظرتيها في آسيا وأوروبا.
– عام 1996، أدرجت مسابقة كرة القدم النسائية ضمن فعاليات أوليمبياد أتلانتا، وذلك لأول مرةٍ في تاريخ دورات الألعاب الأولمبية الصيفية، وقد تُوجت سيدات الولايات المتحدة بذهبية المسابقة، التي بقيت تقام في جميع الدورات التالية، والتي كان آخرها في لندن عام 2012، حيث توجت سيدات الولايات المتحدة بذهبيتهن الرابعة تاريخيًا، بعد الفوز على اليابانيات في المباراة النهائية.
كأس العالم للسيدات
سيدات الولايات المتحدة بطلات العالم
– البطولة الأولى (الصين 1991): أقيمت بمشاركة 12 منتخبًا، وتُوجت الأمريكيات باللقب بفوزهن على النرويجيات بنتيجة 2-1 في النهائي.
– البطولة الثانية (السويد 1995): تُوجت سيدات النرويج بلقبهن الوحيد، بعد فوزهن في النهائي على الألمانيات بنتيجة 2-0.
– البطولة الثالثة (الولايات المتحدة 1999): أحرزت الأمريكيات لقبهن الثاني، بعد انتصارهن الصعب في النهائي على الصينيات بفارق ركلات الترجيح، إثر انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي.
– البطولة الرابعة (الولايات المتحدة 2003): ارتفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 16، وتُوجت الألمانيات بلقبهن الأول، إثر فوزهن على السويديات في النهائي بنتيجة 2-1 بعد التمديد.
– البطولة الخامسة (الصين 2007): أحرزت الألمانيات لقبهن الثاني تواليًا، بعد الفوز على البرازيليات بنتيجة 2-1 في النهائي.
– البطولة السادسة (ألمانيا 2011): شهدت تتويج اليابانيات بلقبهن الوحيد، بعد فوزهن في النهائي على الأمريكيات بفارق ركلات الترجيح، إثر انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 2-2.
– البطولة السابعة (كندا 2015): ارتفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24، واستطاعت الأمريكيات تحقيق لقبهن الثالث تاريخيًا، إثر انتصارهن في النهائي على اليابانيات بنتيجة 5-2.
أفضل نجمات المستديرة
البرازيلية مارتا أسطورة كرة القدم النسائية
ميشيل إيكرز: لاعبة وسطٍ أمريكيةٌ معتزلة، قادت منتخبها للتتويج بكأس العالم عامي 1991 و1999، حيث أحرزت لقب هدافة النسخة الأولى، كما اختيرت من قِبل الفيفا كأفضل لاعبة كرةٍ في القرن الـ 20.
سون وين: مهاجمةٌ صينيةٌ معتزلة، قادت منتخبها إلى نهائي مونديال 1999 الذي أحرزت لقب هدافته، كما اختيرت من قِبل الفيفا كأفضل لاعبة كرةٍ في القرن الـ 20 (بالاشتراك مع إيكرز).
ميا هام: مهاجمةٌ أمريكيةٌ معتزلة، شاركت في فوز منتخبها بكأس العالم عامي 1991 و1999، قبل أن تتوج بالنسختين الأوليتين من جائزة أفضل لاعبةٍ في العالم من قبل الفيفا، عامي 2001 و2002.
بريجيت برينز: مهاجمة ألمانية معتزلة، قادت منتخبها للتتويج بكأس العالم عامي 2003 و2007، واختيرت كأفضل لاعبةٍ في العالم من قبل الفيفا 3 مراتٍ متتالية، بين عامي 2003 و2005.
مارتا: مهاجمة برازيليةٌ حاليةٌ تُعتبر أهم أساطير اللعبة، بلغت نهائي مونديال 2007 مع منتخبها، وانفردت مؤخرًا بلقب الهدافة التاريخية لكؤوس العالم برصيد 15 هدفًا، كما اختيرت كأفضل لاعبةٍ في العالم من قبل الفيفا 5 مراتٍ متتالية، بين عامي 2006 و2010.
هوماري ساوا: لاعبة وسطٍ يابانيةٌ حالية، قادت منتخبها للتتويج بلقبه الوحيد في كؤوس العالم عام 2011، وهو العام الذي شهد اختيارها كأفضل لاعبةٍ في العالم من قِبل الفيفا.
آبي وامباك: مهاجمةٌ أمريكيةٌ معتزلة، تحمل الرقم القياسي في عدد الأهداف الدولية برصيد 184 هدفًا، اختيرت كأفضل لاعبةٍ في العالم لعام 2012، قبل أن تختتم مسيرتها بإحراز كأس العالم العام الماضي.
نادين إنجرير: حارسة مرمى ألمانيةٌ معتزلة، توجت بكأس العالم مع منتخبها عامي 2003 و2007، قبل أن تصبح عام 2013 أول حارسة مرمى تحرز جائزة أفضل لاعبةٍ في العالم.
نادين كيسلر: لاعبة وسطٍ ألمانيةٌ حالية، قادت منتخبها لإحراز لقب أمم أوروبا عام 2013، قبل أن يختارها الفيفا كأفضل لاعبة في العالم لعام 2014.
كارلي لويد: لاعبة وسطٍ أمريكيةٌ حالية، قادت منتخبها العام الماضي لإحراز لقب كأس العالم، بعد أن تصدرت هدافات البطولة (إلى جانب الألمانية سيليا ساسيتش)، كما اختيرت كأفضل لاعبةٍ في البطولة ذاتها، وتوجت مؤخرًا بجائزة أفضل لاعبةٍ في العالم لعام 2015.
الكرة النسائية العربية
منتخب سيدات الأردن: أول منتخبٍ عربيٍ ينجح ببلوغ كأس أمم آسيا
بالرغم من امتلاك جل الدول العربية منتخباتٍ وطنيةً نسائيةً منذ أكثر من 20 عامًا، إلا أن أيًا منها لم ينجح في التأهل إلى المحفل العالمي الأهم: كأس العالم، واكتفت منتخبات عرب أفريقيا بالتأهل إلى كأس أمم أفريقيا 8 مرات، بمعدل 4 مراتٍ للمنتخب الجزائري، ومرتين لشقيقه المغربي، ومشاركةٍ وحيدةٍ لكل من مصر وتونس، كان مصيرها جميعًا الخروج من الدور الأول!
وتبقى منتخبات عرب أفريقيا أفضل حالًا من نظيرتها في آسيا، والتي فشلت في بلوغ المحفل الآسيوي ولو لمرةٍ واحدة، قبل أن تكسر سيدات الأردن ذلك النحس المزمن، بنجاحهن في بلوغ كأس أمم آسيا الأخيرة في فيتنام 2014.
وإذا بحثنا عن أسباب هذا التأخر الواضح في مسيرة الكرة النسائية العربية، نجد أن ضعف الاهتمام هو المتهم الأول، فلو أنفق القائمون على المنتخبات النسائية في الحكومات العربية عُشر ما ينفقونه على منتخبات الرجال، من مدربين ومعسكراتٍ ومكافآتٍ ومعداتٍ وتغطيةٍ إعلامية، لوجدنا نساءنا أبطالًا في المحافل العالمية، فهن لا ينقصن موهبةً ولا ذكاءً عن نظيراتهن الصينيات واليابانيات وحتى الأوروبيات والأمريكيات اللواتي يتسيدن الكرة العالمية!
ويبدو أن نظرة الاستخفاف الذكورية تجاه كل ما هو أنثوي مازالت تسيطر على عقلية مسؤولي كرة القدم في بلادنا العربية، سواءً على الصعيد الرسمي أو حتى على صعيد الأندية، التي مازال قائموها يتعاملون مع اللاعبات على مبدأ “اشكرننا لأننا سمحنا لكن بلعب الكرة”!
وإذا عُرف الداء فمن السهل وصف الدواء، الذي يكمن في تغيير تلك العقلية المتحجرة، والسعي الجاد نحو نقل الكرة النسائية العربية من حدود الهواية الضيقة إلى فضاءات الاحتراف الرحبة، الكفيلة بجذب الاهتمام الشعبي والإعلامي نحو رياضةٍ لم تعد حكرًا على الذكور.