ترجمة وتحرير نون بوست
كثيرًا ما يتم تصوير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من قِبل منتقديه باعتباره نسخة من سلفه، الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث يتم وصف فترة رئاسة السيسي باعتبارها استمرارية أكثر إجرامًا واستبدادية من حكم مبارك.
بشكل ظاهري، يبدو سهلًا للغاية تشبيه السيسي بمبارك، فكلاهما من ضباط الجيش المتقاعدين اللذين أضحيا حكامًا طغاة سيئي السمعة، ولكن هذا الأمر هو القاسم الوحيد المشترك بينهما، فهما يختلفان تمامًا عن بعضهما البعض سواء في رحلتهما السياسية، سياساتهما الداخلية والخارجية، مستشاريهما، وأساليب حكمها؛ فالسيسي ليس مبارك، ولقد آن الآون ليقر الجميع بذلك.
بادئ ذي بدء، يتمتع السيسي ومبارك بالرحلة بمسار مختلف جذريًا في رحلة رئاسة الجمهورية؛ فمبارك بدأت حياته السياسية في عام 1975، واستغرق الأمر منه ست سنوات كاملة قبل أن يصبح رئيسًا لمصر، وخلال السنوات التي قضاها في منصب نائب الرئيس في عهد أنور السادات، انخرط مبارك بشكل كامل في المؤسسة السياسية في مصر، وخلال رحلاته الدبلوماسية العديدة، طور علاقات شخصية قوية مع أهم القادة العرب، بما في ذلك ولي العهد الأمير فهد من المملكة العربية السعودية وسلطان عمان قابوس بن سعيد، وبحكم منصبه كنائب لرئيس الحزب الوطني الديمقراطي، كثيرًا ما دُعي لترؤس الاجتماعات بدلًا من السادات، حتى تم اعتباره كزعيم للحزب قبل توليه الرئاسة، وبطبيعة الحال، ولكونه بطل حرب ونائب وزير دفاع سابق، كان يتمتع بولاء القوات المسلحة أيضًا.
عندما اغتيل السادات في عام 1981، تم اختيار مبارك للرئاسة بدعم كامل من حلفاء مصر الغربيين، نخبة رجال الأعمال، القوات المسلحة، ورجالات الحزب الوطني، وعلى مدى العقود التي تلت ذلك، اطردت قوة موقف مبارك ضمن المؤسسة السياسية، حيث استمر بسياسة السادات بالخصخصة التي منحته ميزات عديدة؛ فباع الشركات العامة للحلفاء السياسيين الأشد أهمية، وأعطى بقية الحصة التافهة للقوات المسلحة، والأمر الأهم من ذلك ربما، قيامه بتحويل الحزب الوطني إلى المؤسسة السياسية الرئيسية في مصر، بحيث كان يتوجب على جميع الأشخاص الذين ينوون الانخراط بالسلك السياسي، على جميع الأصعدة، الحصول على تأييد الحزب الوطني للوصول إلى المنصب.
السيسي على الناحية الأخرى، يعد شخصية جديدة على المشهد السياسي في مصر؛ فقبل تعيينه من قِبل محمد مرسي كوزير للدفاع في عام 2012، لم يسمع أحد تقريبًا بالسيسي، وخلافًا لمبارك، ارتقى السيسي بشكل مفاجئ وقوي وغير تقليدي إلى السلطة؛ فبعد أقل من عام على تعيينه كوزير للدفاع، خلع مرسي من منصب الرئاسة بانقلاب عسكري مدعوم شعبيًا، ومن ثم، وبعد الانقلاب بحوالي شهر ونصف، أمر بتفريق احتجاجين إسلاميين بشكل دموي، مزهقًا أراوح أكثر من 1000 شخص؛ مما جعله عرضة لموجة صلدة من الإدانة الدولية، حيث علّقت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية السنوية لمصر للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عامًا، استقال نائب الرئيس محمد البرادعي من منصبه احتجاجًا على المجزرة، وأعرب أنصار الإخوان المسلمين في جميع أنحاء البلاد عن غضبهم.
عندما ترشح السيسي لمنصب الرئاسة في الانتخابات التي جرت في ربيع ذلك العام، لم يتمتع بأي دعم من أي مؤسسة سياسية، ولكن، وعلى أرض الواقع، كان المشهد السياسي في حالة من الفوضى في تلك المرحلة، لذا بالكاد ترشح أي خصم سياسي مُعتبر لخوض الانتخابات ضد السيسي، خاصة في ظل منع رجالات مبارك من الترشح لمنصب الرئاسة، وإعلان أكبر حركة معارضة في البلاد، الإخوان المسلمين،كمنظمة إرهابية، وبالمحصلة، ظفر السيسي، بدون منافسة تقريبًا، بالانتخابات الرئاسية بنسبة مشاركة بلغت 37%.
لا يتمتع السيسي إلا ببعض الكماليات التي كان يحظى بها مبارك، فعند تسلمه حكم البلاد، نفدت الشركات العامة التي يمكن له خصخصتها ومبادلتها بالولاء السياسي، كما وأن علاقته مع كبار رجال الأعمال في البلاد لا يمكن اعتبارها مستقرة جرّاء الحالة الاقتصادية المزرية التي وصلت لها مصر إثر سنوات من انعدام الاستقرار السياسي، وعلاوة على كل شيء، يفتقر السيسي لوجود الحزب الوطني أو أي مؤسسة سياسية قادرة على منحه الشرعية.
ومن هذا المنطلق، فإن المؤسسة الوحيدة التي تدعم السيسي هي الجيش المصري، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يحذو بنا للقول بأن السيسي ليس مبارك ولا يمكن له أن يكون كذلك، وهذه النقطة هامة لسببين.
أولًا وقبل كل شيء، هذا يعني أن موقف السيسي كرئيس للجمهورية أبعد ما يكون عن كونه آمنًا؛ مبارك كان قد أنشأ أساسًا متينًا لإمبراطوريته السياسية، بينما يقف السيسي على مملكة من الرمال المتحركة متكئًا على مؤسسة الجيش فقط، حيث تمكّن من استغلال النعم الطيبة للقوات المسلحة حتى الآن من خلال تزويد شركات القوات المسلحة بالتدفق المستمر للعقود والمشاريع، كمشروع قناة السويس ومشروع استصلاح الأراضي الزراعية.
لكن تمويل هذه المشاريع في المستقبل يعتمد إلى حد كبير على الاستثمارات الخليجية، ومع هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال العقد الحالي، يبدو تمويل الدول الخليجية لمصر أمرًا مستبعدًا، وإذا جفت منابع المال، قد يجد السيسي نفسه بمواجهة ضغوط ليست متأتية عن الشعب فحسب، بل من القطاع الخاص، ناهيك عن ضباط الجيش.
في مثل هذه الحالة، قد لا تعترض القوات المسلحة على قيام انتفاضة شعبية أخرى للإطاحة بالسيسي، والأخير يدرك ذلك جيدًا؛ فسلطته لا يمكن تأمينها إلا من خلال إبقاء الضباط سعداء، والسيسي ملتزم بشكل تام بضمان حصول ذلك.
ثانيًا، ولكون السيسي يدين بالفضل لما هو عليه للقوات المسلحة، فإن هذا يسمح للأخيرة بالتدخل بشكل مباشر في السياسة المصرية أكثر من أي وقت مضى في تاريخ مصر الحديث؛ فعلى الرغم من أن مبارك ينحدر من خلفية عسكرية، إلا أنه تحول إلى رجل سياسي بالكامل بمجرد اعتلائه دفة الرئاسة، وخلال ذلك، كان مبارك يدرك، بطبيعة الحال، أهمية الحفاظ على ولاء القوات المسلحة، ولكنه لم يسمح لها بالانخراط بشكل سافر في مجال الحكم.
من الجهة الآخرى، بقي السيسي في سلك القوات المسلحة حتى أعلن عن ترشحه لمنصب الرئاسة، وحينذاك تحول إلى حاكم مدني ولكن على الورق فقط؛ فهو لا يزال رجلًا عسكريًا بكامل جوارحه، ومن خلاله، استطاعت القوات المسلحة إملاء القوانين التي تعطيها صلاحيات موسعة ضمن النظام المدني للعدالة الجنائية، كما استغلته لتوسيع حصتها من الاقتصاد المدني.
أصدر السيسي 263 مرسومًا رئاسيًا في فترة غياب البرلمان، 32 مرسومًا منها يخص قوات الأمن والقوات المسلحة، حيث أصدر مراسيمًا لزيادة المعاشات العسكرية في عدة مناسبات، ومنح القضاء العسكري سلطة وامتيازات على المؤسسات العامة، بما في ذلك المدارس، كما أدخل تعديلات على القوانين التي تحكم رتب ضباط الجيش وفوائدها.
مبارك كان ديكتاتور الديكتاتورين، حيث حافظ على ولاء المؤسسات الرئيسية في جميع أنحاء الطبقة الحاكمة دون أن يعدهم بأي ولاء بالمقابل، ولم يكن مسؤولًا أمام أحد، كما لم يدن بالفضل لأحد، وحكم مصر لمدة 30 عامًا متمتعًا بالحصانة من العقاب، أما السيسي فهو ديكتاتور عسكري، يدين بولائه للقوات المسلحة علاوة على كل شيء، ويتصرف بالنيابة عنها، وكرئيس، بدأ السيسي لتوه بإقحام مصر في حقبة غير مسبوقة من الحكم العسكري.
المصدر: ميدل إيست آي