بدأت القصة برفض دولة البرازيل قبول تعيين الدبلوماسي الإسرائيلي داني ديان سفيرًا لتل أبيب لديها بسبب ماضيه الاستيطاني، حيث سبق وأن عمل ديان رئيسًا لمجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
جاءت هذه الخطوة في إطار سياسة دولة البرازيل في محاربة الاستيطان الإسرائيلي وعدم الاعتراف به، حيث قدمت دعمًا قويًا للقضية الفسلطينية متمثلًا في الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وذلك قبل خمسة أعوام، وهو الأمر الذي دعا إسرائيل حينها إلى التعبير عن خيبة أملها من إعلان البرازيل اعترافها بدولة فلسطينية، متهمة ذلك الأمر بمناقضة خارطة الطريق المتفق عليها مع الفلسطينيين.
كما تأتي أزمة السفير المستوطن في ظل دعوات شعبية لمقاطعة إسرائيل في البرازيل بلغت ذروتها عند إعلان المغني والموسيقار البرازيلي كايتانو فيلوسو – وهو بعد من أكثر المغنين شعبية في البرازيل – أنه لن يزور إسرائيل مجددًا، بعدما زارها عدة مرات في ثمانينات القرن الماضي.
أوضح المغني البرازيلي فيلوسو سبب مقاطعته لإسرائيل بالقول “إن السلام الذي ظننت أنه موجود في تل أبيب غير قائم فعلاً، وأشعر نفسي قريبًا من الفلسطينيين أكثر مما توقعت، وبعيدًا من داخلي عن الإسرائيليين بصورة غير مسبوقة”
إسرائيل تتعرض الآن لموجات من المقاطعة في الخارج بفضل جهود الجاليات العربية الفلسطينية في التواصل مع الشعوب والحكومات بشأن القضية الفلسطينية وأزماتها والتي أحسن الفلسطينيون تسويقها بالخارج كقضية الاستيطان الإسرائيلي الذي أثر على العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع الغرب وكثير من دول العالم.
وقد كانت آخر هذه التداعيات إعلان الاتحاد الأوروبي الشروع العملي في تصنيف بضائع المستوطنات الإسرائيلية أمام المواطنين الأوروبيين لمقاطعتها، مما دفع الخارجية الإسرائيلية إلى استدعاء السفراء الأوروبيين في تل أبيب، وتوجيه احتجاج رسمي إليهم واتهامهم بمحاربة إسرائيل ومعاداتها.
ومن أبرز آثار هذه الحملات كانت قضية رفض البرازيل تعيين إسرائيل سفير لديها ناشط في قضايا الاستيطان الذي ترفضه حكومة البرازيل، مما دفع إسرائيل للتمسك بعدم تغيير السفير المرشح ديان، وقد نقلت وسائل الإعلام في هذا الصدد عن تسيفي حوتوبيلي نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية أنها أعدت خطة عمل لمواجهة الرفض البرازيلي، بحيث لن تسمح بتسجيل هذه السابقة بمنع قبول دبلوماسيين إسرائيليين على خلفية مواقفهم السياسية في القضية الفلسطينية.
إسرائيل لجأت إلى تصعيد الأمر أمام البرازيل التي لم تبال باعتراضات تل أبيب بعدما أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن لقاءات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وديان نفسه، لإصدار قرارات بالاستمرار في اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه البرازيل، من خلال وضع جدول زمني للتعامل مع هذه الأزمة.
الإسرائيليون يعتقدون أن البرازيل رضخت لضغوط منظمات مناصرة للعرب داخلها، واستمر رفض إسرائيل الموافقة على تغيير ديان لأنه اعتبر بالنسبة إليها خطًا أحمر لن تتنازل عنه، مع طرح مسألة فرض عقوبات على البرازيل.
لذلك رأت إسرائيل أن تتعامل بنفس أدوات الضغط الشعبي كما تظن بحث الجالية اليهودية في البرازيل المقدر عددها بنحو 120 ألف يهودي لممارسة الضغوط على الحكومة البرازيلية هناك من أجل قبول تعيين ديان سفيرًا لإسرائيل في برازيليا، لكن المفاجأة أن الحكومة البرازيلية تمسكت برفضها القاطع لاعتماد السفير الجديد صاحب الماضي الاستيطاني.
حتى إن الجالية اليهودية في البرازيل أكدت للحكومة الإسرائيلية ضرورة التصلب في الموقف نظرًا لأنه إذا قدمت تل أبيب أي تنازل في هذه القضية، فإن ذلك سيتسبب بأضرار بالغة للجالية اليهودية في البرازيل، مبررين ذلك بحسب وصفهم بأنهم بدأوا يواجهون “مظاهر معادية للسامية”، وبالإشارة إلى ذلك فإن الغالبية العظمى من البرازيليين ضد تعيين ديان سفيرًا لدى بلادهم، ولا يكاد يمر يوم دون أن يتناول الإعلام البرازيلي هذه القضية، متضمنًا مقالات تعارض هذا التعيين.
استمر هذا الأمر واستمرت الضغوط الإسرائيلية حتى إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتصل شخصيًا برئيس الكونغرس البرازيلي، كما تحدث وزير الدفاع موشيه يعلون مع نظيره البرازيلي، وفي كل هذه الاتصالات كان الرد البرازيلي الوحيد هو التجاهل للمطالب الإسرائيلية، فيما تواصلت وزارة الخارجية الإسرائيلية مع أصدقاء إسرائيل في البرازيل، ولكن جاءت تلك الجهود بلا جدوى، ولم تُفلح في إقناع البرازيل باعتماد السفير.
إلى أن نقل المراسل السياسي لصحيفة هآرتس الإسرائيلية باراك رابيد، عن رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست تساحي هنغبي، قوله “إن نقاشًا برلمانيًا شهدته اللجنة أمس الأحد، خرج بخلاصة مفادها أن الرئيس السابق لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية داني ديان لن يكون سفيرًا لإسرائيل في البرازيل”.
هزيمة دبلوماسية شهدتها إسرائيل أمام البرازيل بعد أن أُجبرت على تغيير السفير المستوطن، وهو ما عبر عنه رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن التابعة للكنيست الذي أكد أن الأمر يتعلق بمصالح إسرائيل وليس بالعواطف الشخصية، ولا يمكن بحسب قوله أن تترك إسرائيل دولة مثل البرازيل بدون سفير لها هناك.
كما أكد رئيس قسم أميركا اللاتينية بالخارجية الإسرائيلية مودي أفرايم، خلال اجتماع اللجنة أهمية البرازيل بالنسبة لإسرائيل، مشيرًا إلى حجم الجهود التي بذلتها إسرائيل لإبقاء ديان سفيرًا لها هناك ولكن أتى ذلك كله دون جدوى عند الجانب البرازيلي.
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين البرازيل وإسرائيل افتتحت سفارة لدولة فلسطين في البرازيل والتي تعد الأكبر في دول أمريكا اللاتينية، حيث أقيمت على مساحة 1600 متر وهي مساحة أكبر بكثير من السفارات الأخرى في البرازيل.
افتتحت السفارة في احتفال ضخم نظمه السفير الفلسطيني هناك إبراهيم الزبن، وشارك فيه نشطاء اليسار البرازيلي، وممثلون من الدول العربية، وزعماء الجالية العربية المحلية، وقد تم وضع كرة مذهبة فوق سطح السفارة في إشارة للمسجد الأقصى.