ساعات قليلة تفصلنا عن شهود أضخم مناورات في الشرق الأوسط كما وصفتها وسائل الإعلام العربية، وتبدأ ثلة من الجيوش العربية في المملكة العربية السعودية مناورة “رعد الشمال” العسكرية في منطقة حفر الباطن التي تعتبر أبرز حدث عسكري تعيشه شمال المملكة لمدة 18 يومًا، بريًا، بحريًا، وجويًا.
هذه المناورات الضخمة أهدافها عديدة، وأهمها كما نقلت وسائل الإعلام السعودية رفع معدلات الكفاءة الفنية والقتالية والتدريب على مواجهة المخاطر والاستعداد لتنفيذ مهام مشتركة بين القوات بالإضافة إلى التصدي لتحديات أمن واستقرار المنطقة وحماية الأمن العربي والتدرب على استخدام الآليات العسكرية الحديثة.
لكن هل تساءلنا لماذا قرر العرب الذين اتفقوا طيلة عقود على ألا يتفقوا أن يتوحدوا تحت تشكيل مسلح متجانس بعد قرار المملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر الماضي تشكيل تحالف إسلامي سني ضد الإرهاب؟
وهل سألنا أنفسنا لماذا تأخرت مثل هذه المناورات طوال السنوات الماضية في حين قتلت شعوب عربية وذبحت من قِبل طغاة العصر على غرار العقيد معمر القذافي وبشار الأسد وعلي عبد الله صالح؟
الحقيقة المُرة التي لا يريد البعض الإقرار بها أن رعد الشمال ما هي إلا زوبعة في فنجان تهدف أساسًا لإيصال رسائل سياسية لأطراف إقليمية ودولية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أننا موجودون ومستغنون عنكم وعن جنودكم الذين أذللتمونا طيلة سنوات بسببهم بعد رفضكم التدخل البري في العراق وفي سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وكذلك رسالة إلى إيران التي لم تترك فصيلاً شيعيًا مدنيًا أو مسلحًا إلا ومولته ودعمته وقامت بتسليحه واستخدمته لتحقيق أهدافها التوسعية لإعادة مجد الإمبراطورية الفارسية تحت غطاء الأخذ بثأر أهل البيت من السنة “النواصب”، على غرار ما أحدثه حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن.
بعد أيام من إرسال الجيش المصري لمجموعة كبيرة من جنوده إلى السعودية استعدادًا للمشاركة في المناورات ثم التحاق كل من المغرب وتركيا والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر، أعلن العميد أحمد عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، الخميس الماضي استعداد السعودية للمشاركة في أي عملية برية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سوريا إذا ما تم الاتفاق على تنفيذها في سوريا.
هذا الحماس المفرط والاغترار المبرر لدى العميد العسيري يبدو أن سببه الرئيسي هو مشاهدته بعينيه أو ربما سماعه ما نقلته وتحدثت عنه شبكة “CNN سي إن إن” الأمريكية عن مصدرين سعوديين مطلعين على خطط المملكة للتدريبات العسكرية قولهما إن “عدد المتدربين قد يصل إلى 150 ألف جندي، وأن معظم الأفراد سعوديين مع قوات مصرية وسودانية وأردنية داخل المملكة حاليًا”.
لكن في الحقيقة قرار السعودية بقيادة تدخل بري في سوريا ما هو إلا استنزاف لها ولجيوش البلدان الإسلامية التي تعتزم المشاركة في حرب الوكالة وتحت راية الولايات المتحدة الأمريكية، التي شكلت هذه القوات ووضعتها تحت وصايتها وأمرها ونهيها خاصة وأن المسؤولين الأمريكيين سبق وأن أعلنوها مرارًا وتكرارًا “لن نقاتل نيابة عنكم”.
أجواء مناورات رعد الشمال وتصريحات الجهات الرسمية وبهجة وسائل الإعلام في السعودية هي الأجواء نفسها التي سبقت انطلاق عاصفة الحزم في شهر مارس الماضي بقيادة السعودية، والتي كان هدفها الوحيد تحرير اليمن وإرجاع الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، لكن ما الذي حدث؟
خسائر بمليارات الدولارات بعد أن قذفت الطائرات السعودية المدن اليمنية والتجمعات العسكرية والمدنية التي يسطر عليها أذناب إيران من الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح بآلاف الصواريخ التي كلفت المملكة نزيفًا حادًا في مواردها المالية لسنة 2015.
لكن سوريا ليست اليمن بل إنه من المسلم به ومن المجمع عليه أن تنظيم الدولة الإسلامية يفوق الحوثيين قوة على جميع المستويات ولا نبالغ إن قلنا إنه لا مجال للمقارنة بين الطرفين خاصة إذا ما وضعنا في حسباننا أن بضع مئات من المقاتلين الموالين للتنظيم في فرعه اليمني قد أوجعوا مقاتلي الحوثي وقوات علي عبد الله صالح أكثر من مرة منذ أن أعلنت “الدولة الإسلامية” رسميًا تمددها إلى اليمن في شهر نوفمبر 2014، بل إن مقاتلي التنظيم ألحقوا خسائر جسيمة بقوات التحالف العربي هي الأخرى، على غرار التفجيرات الانتحارية التي استهدفت أماكن حساسة وسيادية في مدينة عدن شهر أكتوبر الماضي.
تشكيل “التحالف الإسلامي” البري الجديد هو الآخر لن يكون شفيعًا للسعودية بالدخول بمفردها وبمحض إرادتها للأراضي السورية لمقاتلة تنظيم الدولة بعد فشل عشرات الفصائل الممولة والمدعومة من قِبلها في تحقيق المرجو منها، فوزير الخارجية السوري وليد المعلم حذرها وحلفاءها السبت 6 فبراير قائلاً “إن أي تدخل بري في الأراضي السورية دون موافقة الحكومة السورية هو عدوان، نأسف أن يعود هؤلاء (المعتدون) في صناديق خشبية إلى بلدهم”.
لهذا فهذه القوات البرية الآن في انتظار موافقة نهائية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي (ناتو) الذي يبدأ اجتماعات وصفت بالهامة يومي الأربعاء والخميس المقبلين في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث من المنتظر أن يشارك فيه وزراء دفاع دول الناتو ووزراء دفاع التحالف الدولي في اجتماع خاص يوم الخميس، للتشاور مع الدول المجاورة فيما يتعلق بالأزمة السورية.
كذلك فإن هذا الاجتماع الهام سيناقش مبادرة السعودية مشاركتها بقوات برية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وسط مشاركة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير “محمد بن سلمان” للاستماع والذي سيقدم رؤيته حول كيفية مكافحة تنظيم الدولة ومبادرة بلاده بالمشاركة في قوات برية في سوريا وتفاصيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
المملكة العربية السعودية تدرس كل الاحتمالات التي يبدو أن أحلاها مر، فأي تدخل فردي من جهة تحالفها الجديد يمكن أن يعرضها إلى فتح جبهة حرب جديدة مع الحلف الإيراني السوري الروسي، لهذا أكد العميد أحمد العسيري، الإثنين أن مشاركة بلاده بقوة برية في سوريا سيكون بقدر التهديد الذي تتعرض له من تنظيم الدولة، ومشددًا في الوقت نفسه أن المملكة لا تعمل منفردة إنما ضمن تحالفات دولية.
الأيام القادمة تحمل بلا شك مفاجآت غير سارة للمنطقة العربية التي فقدت سيادتها وقرارها الداخلي الذي ظل يطبخ في مكاتب البيت الأبيض وفي قاعات الكرملين التي يتسابق ويتنافس حكام العرب للحج إليها طيلة شهور السنة الـ 12، فها نحن ننتظر ما ستسفر عنه اجتماعات بروكسيل بعد أن انتظرنا لساعات اجتماعات جنيف 3 التي لا تسمن ولا تغني من جوع.