تقول التجربة الفلسطينية: استمع إلى الكذاب حتى النهاية، وغربل كلامه، وستكتشف في غفلة منه صحيح الكلام من كذبه.
لقد تتبعت مقال الكاتب اليهودي يسرائيل هرئيل، في صحيفة “هآرتس” ودققت في كلامه لأمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون الذي تجرأ قليلًا فوصف الضفة الغربية بالأرض المحتلة واعترف بحق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال، فجاء رد الكتاب اليهودي صريحًا، حيث قال:
“يجب على اليهود قول الحقيقة الراسخة وغير الخجولة، التي ستجبر الجميع على تصديق ادعائنا أخلاقيًا وتاريخيًا، علينا أن نقول الحقيقة عن أسباب عودتنا إلى أرض الآباء، وكون يهودا والسامرة هي قلب أرض الآباء”.
واستشهد الكاتب بالمقولة التاريخية لسمعان الحشموني، كما وردت في “سفر المكابيين” والذي قال: “لم نأخذ أرضًا لغريب، ولم نستول على شيء لأجنبي، ولكنه ميراث آبائنا الذي كان أعداؤنا قد استولوا عليه ظلمًا حينًا من الدهر، فلما أصبنا الفرصة استرددنا ميراث آبائنا”، إن لدى اليهود في حوار الحقوق الأساسي والأخلاقي ادعاءات مقنعة أكثر بكثير مما لدى العرب.
انتهى حديث يسرائيل هارئيل الذي يقرع أجراس الخطر في الساحة السياسية الفلسطينية، وهو يكشف عن مكامن الوجدان اليهودي، الذي يعتقد راسخًا بأنه يعود إلى أرضه التاريخية لمقتضيات عقائدية وليس لأسباب سياسية.
إن هذه الصراحة اليهودية لتمثل دعوة صريحة إلى الشعب الفلسطيني، ولاسيما إلى قيادته السياسية بضرورة الوعي بمنطلقات الصراع الدائر على أرض فلسطين، والذي لا يجابه إلا بمزيد من الحرص على إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية على أسس الوعي الدقيق لطبيعة الصراع، ولأطماع العدو، والذي يؤكد في كل لحظة بأنه لا يحتل أرضًا لشعب آخر، وإنما يسترد أرض آبائه وأجداده من الغزاة العرب، لذلك فهو لا يعترف للغرباء ـ وهم الفلسطينيون ـ بأي حق بالوجود فوق أرضهم، وهو يعترف علانية بأن الصراع الدائر على أرض فلسطين هو صراع عقائدي يتسلح بالسياسة لتحقيق أهدافه على مراحل.
وعي القيادة الفلسطينية لطبيعة الصراع لا يستنهض المقاومة الفلسطينية فقط، وهو حق وواجب، الصراع العقائدي يلملم شمل الفلسطينيين، ويستنهض همة العرب أجمعين، ويشعل نيران الغضب في بلاد المسلمين.