كانت ألعاب الفيديو محط أنظار علماء الاجتماع منذ الخمسينات، كما كانت ألعاب الفيديو بالتحديد محلًا للدراسة والنقاش المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولكن الآن أصبح لتلك الألعاب مجالات للدراسة والصناعة خاصة بها وحدها دون كل الوسائل الترفيهية، حيث أصبحت أكثر عنفًا وأكثر دموية، وأكثر تأثيرًا على اللاوعي بشكل غير مباشر وبقوة أكثر من ذي قبل.
أثبت الدراسات بأنه يمكن لألعاب الفيديو التأثير على اللاعبين، وبخاصة الصغار منهم، ودفعهم نحو سلوك عداواني مقارنة بأقرانهم، وذلك لفترة قد تمتد لسنوات أو قد تقتصر على فترة عمرية في عمر اللاعب، كما استنتجت العديد من التجارب العلمية القائمة على المقارانات بين مجموعتين احداها تخضع لممارسة لعبة فيديو عنيفة والآخرين يمارسون لعبة عادية، ليتم استنتاج النتيجة بأن من خضعوا للعبة الدموية اتجهوا نحو أسلوب أكثر وقاحة في التعامل فيما بينهم على عكس ما فعل الأخرون.
لا يمكن الجزم بأن من تعوّد من الأطفال على ألعاب الفيديو العنيفة أو الدموية سيرتكب جرائم في المستقبل، إلا أن أمر ألعاب الفيديو كان مثيرًا للجدل مؤخرًا لدرجة اهتمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة به وإصدارها قرارًا بمنع بيع ألعاب الفيديو العنيفة للأطفال بدون إشراف والديهم على ذلك في عام 2011، ورغم زعم البعض بأن اتهام ألعاب الفيديوبالعنف يبدو مبالغًا فيه في كثير من الأحيان، إلا أنه مؤخرًا بدأ مصممي الألعاب في التأكيد على تأثير ألعاب الفيديو النفسي والسلوكي على اللاعب؛ فبدأوا في استغلال ذلك ليخدم التأثير الإيجابي لألعاب الفيديو على اللاعب.
لعبة ” الزومبيز، اهرب!” :
تعد اللعبة من الألعاب الربحية، وهي مصممة في موقع يُعبر عن نهاية العالم المتصورة و كما يُحفز تصميم اللعبة اللاعب على البحث عن طريقة الخروج كما تسمح له بالتجول على الأقدام بين مدن العالم في العالم الحقيقي وتسمح لهم بالاستيلاء على مقاطعات من تلك المدن، لا يلعب اللعبة فقط من يريد الهروب من الزومبي أو غزو المدن، بل يستخدمها البعض في محاولة السيطرة على القلق.
أظهرت بعض الدراسات نتائج تفيد أن مستخدمي ألعاب الفيديو الدموية يتجهون لتقليد الرجولة الكرتونية ” cartoonish machismo”، الأمر الذي دفع العلماء لعقد مقارنات ما بين ألعاب الفيديو العنيفة ومعدلات الجريمة، وبخاصة جرائم العنف، في المجتمعات التي ينتشر فيها بيع ألعاب الفيديو القتالية، فكانت لدراسة ألمانية النصيب في وضع نتائج أولية أفادت بأن كلما ازدادت مبيعات ألعاب الفيديو العنيفة كلما قلّت معدلات الجرائم العنيفة، ووضعت الدراسة إفتراضات تفيد بأنه من الممكن أن تقوم تلك الألعاب بإلهاء من لهم قابلية افتعال الجرائم عن الخروج في الشوارع وارتكاب المشاكل، أو من الممكن أن تلك الألعاب تقوم بإشباع حاجة بعض اللاعبين لارتكاب العنف، وهي النظرية التي لا يفضلها العديد من علماء الاجتماع، ولكن يتفق معها العديد من اللاعبين.
كما يتم استخدام الإعلام والسينما في لعبة تغيير العقول، وكما يتم السيطرة بهم على مختلف وجهات النظر وتوحيد الضعيف منها ليتفق مع القوي، جاءت ألعاب الفيديو كوسيلة أخري لإحكام تلك اللعبة على الشباب والصغار، ساعد سهولة الحصول على هواتف ذكية رخيصة الثمن مع اتصالها بالإنترنت في معظم الوقت على انتشار الألعاب العنيفة أو القتالية بشكل كبير، ففهي نهاية عام 2013 وصل عدد لاعبي ألعاب الفيديو حول العالم إلى 1.2 بليون لاعب، وهي النسبة التي تشكل 44 % من مستخدمي الإنترنت، كما تشكل الإناث من تلك النسبة ما يقارب 48% فقط، كما يقل استخدامهم لألعاب العنف مقارنة بالذكور، كما يجب ذكر مستخدمي تلك الألعاب في مناطق النزاع في الشرق الأوسط، فاستخدام ألعاب الفيديو في الشرق الأوسط في ازدياد مستمر وتشكل نسبة اللاعبين حوالي 65% من إجمالي مستخدمي الإنترنت كما ورد في تقرير صحيفة ” فورين بولسي”.
لعبة ” نداء الواجب (Call of Duty) :
على الرغم من أنها أحد الألعاب العنيفة والقاسية، إلا أن العديد من اللاعبين يعتبرها من أجمل ألعاب القتال على الإطلاق، حيث اكتملت مجموعتها إلى أربعة أجزاء نتيجة لتزياد الطلب عليها عالميًا، هي سلسلة ألعاب تصويب حائزة على عدة جوائز، انطلقت السلسلة على الكمبيوتر الشخصي، ثم امتدت لتشمل أنظمة الألعاب والأنظمة المحمولة، تدور أحداث معظم ألعاب السلسلة خلال الحرب العالمية الثانية إلا أن أجزاء السلسة الجديدة تدور في أزمنة حديثة.
لعبة “صانع السلام” (PeaceMaker) :
اللعبة مصممة بناءً على فكرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اللعبة مشهورة عالميًا بتأثيرها الاجتماعي منذ عام 2007، ويقوم اللاعب بلعب دور وسيط السلام بين الطرفين، أو رئيس للمفاوضات من طرف أحد الجانبين، وهي تعطي فرصة للاعب في تعلم فن إدارة الأزمات والمفاوضات، كما تعطيه فرصة التعامل مع الضغط السياسي وتحويل مجرى الأمور في صالح هدفه سواء كان في خدمة الجانب الفلسطيني أو في خدمة الجانب الإسرائيلي، كما وجدت بعض الدراسات الخاصة بتلك اللعبة مدى تأثير اللعبة على وجهات نظر اللاعبين، فبعد إجراء تجربة مع 68 لاعبًا قاموا بلعب دور القائد الفلسطيني في اللعبة، وُجد بأن رأيهم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تغير كليًا بشكل درامي.
مثال اللعبة الأخيرة يوضح مدى أهمية تصميم لعب النزاع والقتال في التأثير على وجهات النظر، ومدى تأثيرها على تغيير عقول اللاعبين سواء كان بشكل إيجابي أم سلبي، فقد تم تكوين مؤسسات تدعم تلك الألعاب مثل مؤسسة ” ألعاب من أجل السلام” (Games for Peace )، وهي مؤسسة تهدف إلى تصميم ألعاب الفيديو التي تعمل على تقريب الشباب المتنازعين في مناطق الحروب والنزاعات، قامت تلك المؤسسة بتصنيع نموذج من الألعاب يقوم بجمع الشباب الفلسطينين مع اليهود وتقريبهم من بعض، كما فعلت من قبل في الصراع بين جورجيا وأبخازيا، في محاولة لكسر الحاجز الفكري بينهم، ومحاولة تبادل الأفكار بعيدًا عن الصراع المسلح.
مازالت ألعاب الفيديو أمرًا محيرًا ومثيرًا للجدل، في كونها مفيدة في التعليم وتقوية الذاكرة والتدريب على التفكير المنطقي واستراتيجيات إتخاذ القرار السليم، وما بين دورها في تنمية العنف والسلوك العدائي لدى اللاعبين، وما بين وجهة نظر أخرى؛ وهي هل يمكن لألعاب الفيديو أن تنجح بالفعل في تقريب وجهات النظر المتنازعة في مناطق الحروب، وتغيير منظور الشباب في تلك المناطق وإعادة التفكير في تلك النزاعات من زاوية أخرى، والأهم من ذلك هل إذا نجحت بالفعل في ذلك الأمر، هل يكون هذا شيء إيجابي في مصلحة إيقاف الحروب، أو شيء سلبي في هضم حقوق بعض الشعوب أو بعض الأقليات؟.