لم يعُد يظهر موقعهم الرسمي في محرك البحث جوجل إلا في نهاية صفحة النتائج، حالةٌ يرثى لها وصل إليها “إخوان أون لاين” الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي ظل في الآونة الأخيرة محل صراع بين جناحي إدارة الجماعة الآن، وكان يسيطر عليه جناح الإخوان “الثوريين”، والذي يقوده عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، لتُنشئ جبهة الحرس القديم ورموزها محمود حسين وإبراهيم منير ومحمود عزت موقعًا آخر بعنوان “إخوان. سايت”، ويصبح المنصة الإعلامية الرسمية لجبهة محمود حسين كما أضحى موقع إخوان أون لاين منصة أخرى لجبهة محمد كمال، بالمناسبة، الموقع لم يعد يعمل الآن.
واقعيًا وطبقًا للأرقام واستطلاعات الرأي وقتها، فإن الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة كانت من أقوى الأجهزة الإعلامية في مصر بشكل عام، فموقع إخوان أون لاين والنوافذ الأخرى للجماعة كانت مصدرًا هامًا للأخبار منذ بدايةً الألفية الثالثة حتى عام 2010، بل كان إخوان أون لاين عام 2005 ضمن العشرة مواقع الأكثر شهرةً وتأثيرًا في مصر.
وبعد ثورة يناير، ومع بزوغ نجم نوافذ الإعلام الجديد، بدأت الجماعة عبر شبابها في تدشين مؤسسات وشبكات إعلامية وإخبارية جديدة، لكنها جميعًا حالفها الفشل نتيجة سوء الإدارة والتوجه، بخلاف شبكة رصد التي ظلت تحتفظ بمكانة قوية بين شبكات الإعلام الجديد حتى وقت قريب، ساعد على ذلك، شبه استقلاليتها عن الجماعة، ورفض إدارتها الخضوع بشكل تام للإخوان المسلمين.
بعد يناير أيضًا أسست الجماعة حزب الحرية والعدالة الذي انبثق عنه جريدة الحرية والعدالة الورقية، وبوابتها الإلكترونية، وكعادة المؤسسات الإعلامية الحزبية لم يقدم النموذجين أي إضافة إعلامية تُذكر، والآن توقف إصدار الجريدة الورقية نتيجة القمع الإعلامي لنظام السيسي، إلا أن البوابة الإلكترونية التي تعمل الآن، يتمنى الكثيرون من أعضاء الجماعة إغلاقها، نتيجة سياستها التحريرية السيئة والسقطات الأخلاقية والمهنية لها، أحد أسباب ذلك استخدام إدارتها لسياسة “المحررين المتدربين” توفيرًا للنفقات.
الجماعة أطلقت أيضًا عام 2011 قناة مصر 25، لكنها أثبتت بجدارة أن الأفكار الأيدلوجية إذا سيطرت على مؤسسة إعلامية أفشلتها.
(أحرار 25 – مصر الآن – تليفزيون وطن)
وبعد الانقلاب أطلق إعلاميو الجماعة من ميدان رابعة العدوية قناة أحرار 25، والتي أغلقت بعد مجزرة فض الاعتصام في أغسطس 2013، لتعود للبث مرةً أخرى لكن من لبنان هذه المرة.
تعرض مكتب أحرار 25 في لبنان إلى المداهمة، وكاد أن يتعرض طاقم القناة إلى الاعتقال لولا تدخل جهة سيادية (نتحفظ على ذكرها) ساعدت فريق العمل على الخروج إلى السودان دون أية مشاكل.
في تركيا، بدأ الطاقم في تأسيس القناة الجديدة والتي أُطلق عليها “مصر الآن”، القناة كانت بإشراف رئيسي من أمين عام الجماعة، محمود حسين، والدكتور جمال عبدالستار، القيادي بالجماعة، ويديرها، أحمد عبده، وهو أحد الكوادر الإعلامية الإخوانية القديمة.
مرّت القناة الجديدة، بعدد من الأزمات، أهمها أزمة العاملين، والتي أضرب العاملون في القناة على إثرها نتيجة بعض السياسات الإدارية المتبعة من قِبل الإدارة ممثلة في شخص أحمد عبده، ما دفع عبده بتهديد العاملين بطلب الشرطة التركية في حال رفضوا فك إضرابهم.
وبعد أشهرٍ قليلة وبدون أية تنبيهات مُسبقة، فوجئ العاملون بالقناة مساء الثامن من سبتمبر الماضي، بإبلاغهم من قِبل الإدارة بأن القناة ستوقف بثها، بحجة التطوير والتغلب على بعض المشكلات والعقبات التي تواجه القناة، وأشاعت الإدارة بين العاملين فيما يُعرف بقنوات الشرعية، أن القناة جرى إغلاقها بطلب من الإدارة التركية، وهو ما نفاه محمد زاهد جول، الباحث التركي عبر حسابه على موقع تويتر.
مصدر خاص من داخل القناة أخبرنا، أن القرار كان بمثابة عودة خطوة للوراء بين الجبهتين المتصارعتين داخل الجماعة، وفي هذا الوقت كانت القناة قد آلت إدارتها إلى ملف الإعلام في مكتب الأزمة “جبهة محمد كمال” والذي يديره المحافظ السابق أسامة سليمان، وقتها كانت القناة تقوم بتصدير بيانات محمد منتصر المحسوب على جبهة كمال، وتنفي بيانات محمود حسين، وبحسب المصدر، فإن هذا لا يصح، لأنها القناة الرسمية للجماعة ولا ينبغي أن تكون منبرًا للنزاع بين الفريقين.
القناة بثّت بيانًا عبر شاشتها، أبدت فيه أسفها لاتخاذها قرارًا بوقف البث لفترة مؤقتة، يتم خلالها التغلب على بعض المشكلات والعقبات التي تواجه القناة في أداء رسالتها على الوجه الأمثل التي يأملها وينتظره منها جمهورها الحبيب، ووعدت إدارة القناة بعودة بثها في أقرب وقت، قائلة: “سنبذل قصارى جهدنا للعودة السريعة لأداء رسالتنا التي عاهدناكم بالحفاظ عليها”.
لكن في العشرين من ديسمبر، أعلنت القناة عبر صفحتها على فيس بوك، إغلاق القناة بشكل نهائى وانتهاء مشروعها.
مدير عام القناة أحمد عبده، قال في تصريحاتٍ صحفية، إن “القناة أغلقت بقرار نهائي وتم انتقال القناة بكامل محتوياتها وموظفيها إلى شركة جديدة ستتولى العمل، في تأسيس كيان جديد لكي نستطيع العمل خلال المرحلة المقبلة”.
مباشرةً وبعد إغلاق القناة، قامت اللجنة الإعلامية لمكتب الأزمة بتكليف الإعلامي إسلام عقل، بإدارة القناة الجديدة، والتي ستنطلق تحت اسم “تليفزيون وطن”، وبدأت القناة في استقطاب كوادر جديدة وبدأت عمليات التجهيز، سواء اختيار البرامج أو تجهيز الإستديوهات، وغيرهما، وبحسب مصادر قريبة من مكتب الأزمة، فإنه كان من المفترض أن تنطلق القناة بداية يناير الماضي، وفي حال التأخير فإنها ستنطلق مع الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير، حتى سقطت القشة التي قصمت ظهر البعير.
أزمة جديدة
بتكليفٍ من الأمين العام للجماعة قام إسلام عقل القائم بأعمال مدير القناة الجديدة، بتغيير عقد إيجار القناة، دون الرجوع إلى مكتب الأزمة الذي عينه، وتأسيس شركةٍ صورية جديدة، حملت اسمه هو والمهندس مدحت الحداد مسؤول مكتب الإخوان في تركيا، والمهندس علي عبدالفتاح، المحسوبَيْن على جبهة حسين، نون بوست حاول التواصل مع أحد مصادره الخاصة من داخل مكتب الأزمة، والذي أكد لنا الواقعة، وأمدّنا بصورة من العقد المبرم، سالف الذكر.
الخطوة وصفها مكتب الإخوان في الخارج بالتصرف غير الأخلاقي الذي من شأنه هدم قيم ومبادئ ربت عليها الجماعة أبناءها، كان هذا ضمن رسالة داخلية خاصة، وصل “نون بوست” نسخةً منه.
المكتب أعلن في الرسالة نفسها أنه غير مسؤول عن أية أعمال إدارية أو مالية تخص القناة، حتى نهاية الإجراءات القانونية، وبحسب الرسالة الصادرة بتاريخ 21 يناير 2016، فإن القناة كانت على وشك الانطلاق قبل ذكرى ثورة يناير، وهو ما يؤكد صحة الرواية التي أخبرنا بها مصدرنا الخاص من داخل القناة.
الإجراءات القانونية التي نوه عنها المكتب في رسالته شملت تشكيل لجنة تحقيق برئاسة القيادي الإخواني حمزة زوبع، والتي بدأت في التحقيق بأكثر من واقعة فسادٍ مالي وإداري بالقناة.
وبحسب مصادرنا القريبة من الأمين العام للجماعة، فإنه بعد امتناع مكتب الأزمة بالخارج عن التمويل، تولّت مجموعة تابعة لمحمود حسين، من إخوان السعودية مسؤولية تمويل القناة الجديدة، لضمان عدم أي تعثر مالي، قد يحدث نتيجة توقف التمويل القديم.
تواصل نون بوست مع إسلام ماهر عقل القائم بأعمال القناة الجديدة لإعطائه حق الرد على ما ورد من معلومات متعلقة باسمه في الأحداث، إلا أن عقل رفض التعليق في الوقت الحالي.
الوقائع السابقة، أوصلت إعلاميي الجماعة إلى حالة من التضارب، دفع مسؤول ملف الفضائيات في اللجنة الإعلامية لمكتب الأزمة، الإعلامي عبدالعزيز مجاهد، إلى كتابة بيان ورسالة إلى الإعلاميين وأعضاء المكتب، اطّلع نون بوست عليها، كان عنوانها “رسالة مسؤول ملف الفضائيات في فضيحة قناة وطن الجديدة والمتورط فيها ثلاثة نفر من الإخوة في تركيا من بينهم المدير التنفيذي للقناة الذي عينه مكتب الخارج”.
الرسالة وصفت أيضًا الواقعة بالخيانة للعهد، وأي محاولة من شأنها توصيف ما حدث بأنه “الحفاظ على ملكية القناة للإخوان” هو تزيين للباطل وادعاء لا يمكن قبوله.
المسؤول قال في رسالته، إن ما حدث، يهدف إلى وأد أول تجربة فضائية احترافية مستقلة إداريًا عن الإخوان قبل أيام من ذكرى يناير، وإحسان الظن بهم هو كإحسان الظن بمن أراد أن يزيح ذبابة عن رأس صاحبه فهشمه بحجر – حسب نص الرسالة-.
وبحسب المصادر، فإن التحقيقات في الواقعة مازالت جارية، ولن تنطلق القناة إلا حين انتهاء التحقيقات بشكل كامل، المصدر ذاته رفض تحديد قيمة الفساد المالي داخل القناة، لكنه وصفه بالكبير للغاية.
قناة دعوة
كان الملف الإعلامي لمكتب الإخوان بالخارج الآن، يستعد إلى إطلاق قناة دعوة الفضائية، التي كان يُراد لها أن تكون قناة دينية دعوية موجهة للصف الإخواني بشكل أساسي تهدف إلى إحياء تراث الجماعة الديني، وإعادة صياغة المشهد دينيًا، عن طريق دعاة ومشايخ لا علاقة لهم بالحراك السياسي للجماعة، وقد كانت القناة بعيدة بشكل أو بآخر عن الأزمة الحالية بين المكتبين، نتيجة صغر أعداد موظفيها، وتقاربهم السني، كشباب.
إلا أن حدثًا غير مفهوم طرأ في الأيام الأخيرة على إدارة القناة، وهو أمر انتقال التمويل إلى مستثمر من خارج الجماعة وإسناد الإشراف العام عليها للداعية سلامة عبدالقوي، وهو ما يعني أنها خرجت عن الإطار التنظيمي للجماعة، حيث أكدت مصادر داخل القناة أن محتوى القناة سيتطور ليكون محتوى ديني عام غير متقيد بجماعة الإخوان المسلمين.
ومن المنتظر إطلاق القناة لحملتها الدعائية الأولى خلال أقل من شهر، بعد تجهيزات استمرت لشهور.
خلاصة
خلاصة القول في المشهد الإعلامي للجماعة، فإنه لا يُنتظر منه أي تطوير في الفترة الحالية، نتيجة السياسات الإدارية غير المهنية التي تنتهجها الجماعة في إدارة هذا الملف، كما أن القنوات الفضائية غير الرسمية القريبة من الجماعة كقناة مكملين والثورة، على اختلاف توجه كل منهما إلا أنهما مازالا يبحثان عن شيء من الحرفية، عن طريق استقطاب كوادر شابة للعمل بهذه القنوات، لكن في النهاية فإن التجربتين لم تصل إحداهما إلى درجة الاحتراف، نتيجة أسباب كثيرة رُبما نذكرها في تقريرٍ لاحق.