ما الخطأ الذي ارتكبته الجزيرة وكيف يمكن إصلاحه؟

5609

ترجمة وتحرير نون بوست

قبل خمس سنوات، استحوذ على اهتمام العالم مرأى ملايين المصريين وهم يطيحون بعد عقود بحكم الطاغية الذي حكم البلاد بقبضة حديدية.

شاهد العالم الانتفاضة المصرية من خلال قناة الجزيرة، التي وُصفت تغطيتها حينها بأنها لحظة انجاز رائدة للشبكة في جميع أنحاء العالم، حيث شاهد المتظاهرون أنفسهم في ميدان التحرير على القناة العربية التي تبثها شبكة الجزيرة، من خلال شاشات السينما الخارجية التي نصبوها باستخدام قطع من القماش الأبيض.

كانت قناة الجزيرة الشبكة الإعلامية الأولى في المنطقة التي عبرت الحدود، روت قصص الناس العاديين، وطرحت الأسئلة المحرجة حول حكام المنطقة؛ مما جعلها ظاهرة إعلامية طاغية، وعلى الرغم من الظهور اللاحق للعديد من المنافسين في هذا المجال، بقيت قناة الجزيرة الإخبارية الأكثر مشاهدة في المنطقة.

تباينت الآراء داخل إدارة شبكة الجزيرة حول المنهجية الواجب اتباعها لتغطية الثورة؛ فبعض رجالات الإعلام ضمن المؤسسة من ذوي العقلية التقليدية، رأوا بأن وظيفة الشبكة تنحصر بمجرد تغطية الأحداث، وليس تشجيعها، فكما يقول أورويل: “قول الحقيقة في زمن الخداع الشامل هو عمل ثوري”، أما آخرون ضمن الشبكة، فكانوا يحوزون آراء معاكسة، كالمدير العام لشبكة الجزيرة في ذلك الوقت، وضاح خنفر، الذي خرج إلى مؤتمر تيد ليعلن “إن المستقبل الديمقراطي الذي كنا نحلم به قد حان”.

بعد مرور خمس سنوات سريعة، عانت الثورات من النكسات والأزمات، وحظوظ الجزيرة، التي ارتقت وارتفعت مع بزوغ الثورات، انخفضت بانخفاض الأخيرة أيضًا، فلقد وصل المستقبل، ولكنه لم يحمل في طياته ما كنا نحلم به خلال النشوة الأولى للإطاحة بالحكام.

نُسبت المجازر والفوضى التي أعقبت ذلك إلى قناة الجزيرة في كثير من الأوساط في الشرق الأوسط؛ فالنقاد الذين تناولوا الشبكة بانتقاداتهم، لا يرون عدم الاستقرار كحصاد مرّ لا مفر منه ناجم عن الطغيان، بل كانوا يعتقدون بأن الحكام المستبدين سيحكمون إلى الأبد، والأحلام والروح الثورية التي شهدناها في عام 2011، يمكن، بطريقة أو بأخرى، أن يتم قمعها وهزيمتها بشكل دائم، فلو تقبّل الجميع الفساد والاستبداد ببساطة، لكان كل شيء سيكون على ما يرام.

رد الجزيرة على التراجع الثوري لم يكن كافيًا، وهذا الأمر كان –بجزء منه- متوقعًا، حيث أضحت بعض البلدان كسوريا ومصر وغيرهما، مستنقعات شخصية للغاية لمواطني أولئك الدولة الذين يشكلون جزءًا كبيرًا من قاعدة الموظفين في قناة الجزيرة، والذين عايشوا كل عملية قتل وسجن وظلم.

هذا الواقع تجلى وانعكس على تغطية القناة، التي اُعتبرت متحزبة بناء على أسس ضيقة، فضلًا عن أنها قائمة على دافع تصفية الحسابات القديمة، وذلك بدلًا من إضاءة مشاعل الحرية والتقدم، وهذا أمر مهم بالنظر لكون الثورات العربية عانت من انتكاسات بسبب الفشل في التخطيط، ولو كان هناك مرحلة تالية للثورة، فلا بد لها من أن تكون مدروسة، ولكن مع ذلك، فإن الملتقى السنوي لشبكة الجزيرة، الذي يهدف إلى الجمع بين اللاعبين السياسيين في المنطقة، لم يُستخدم لرسم مستقبل تفصيلي للمنطقة.

في الآونة الأخيرة، سببت التخفيضات في ميزانية القناة التي أقرتها الدولة القطرية ذعرًا متزايدًا في الشبكة، وبصرف النظر عن انخفاض أسعار النفط، درات تكهنات حقيقية في حول تخفيض قطر لدعم الشبكة بسبب “المشاكل” التي تسببت بها الجزيرة مع جيرانها، حيث زعم تقرير أخباري نُشر مؤخرًا بأن الشبكة منعت نشر أحد المقالات نتيجة لضغوط مُمارسة من قِبل المملكة العربية السعودية.

فضلًا عن ذلك، تم إغلاق قناة “الجزيرة أمريكا” بعد سنتين فقط من انطلاقها واستثمار أكثر من 2 مليار دولار ضمنها، حيث شعر موظفو قناة الجزيرة الإنجليزية بالإحباط بعد توقف أي احتمال واقعي لتحقيق هدف القناة، المتمثل بمنافسة شبكتي سي إن إن وبي بي سي، لمدة 18 شهرًا، ولم يتم حينها استبدال الموظفين الموهبين الذين غادروا القناة بآخرين عوضًا عنهم، كما لم تقدم الشبكة أي داعٍ موجب للاستمرار في دعمها.

حاول، توني هول، المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، في الآونة الأخيرة تبرير تمويل منظمته عن طريق قوله أنها تعزز الديمقراطية، وبالتالي لا بد من استمرار خدماتها باللغة العربية والفارسية والروسية وغيرها، وليس ذلك فقط، بل أيضًا نادى بتوسع القناة إلى كوريا الشمالية، وعلى الرغم من أن البعض قد يناقش في تأثير مثل هذا الانفتاح، إلا أن قناة الجزيرة هي مربط الفرس الأصلي والحقيقي عندما يتعلق الأمر بدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ فالعالم يجب أن يهتم بدعم الديمقراطية لأن تحقيق المزيد من الحريات والأمل في المستقبل سيوقف صعود الجماعات المتطرفة مثل داعش.

ولكن رغم ذلك، تبدو قناة الجزيرة اليوم شبحًا لما كانت عليه في ظل المدير المثالي والكاريزمي وضاح خنفر، حيث توقفت عن التعبير عن أهداف المنطقة الأكبر، توقفت عن وضع جدول الأعمال، وتوقفت عن ملامسة نبض الشارع، كما أن التيار اللانهائي من الزوار رفيعي المستوى الذي كانوا يحضرون إلى المقر الرئيسي للشبكة في محاولة للتعرف على الأحداث الجارية في الشرق الأوسط توقف عن التدفق أيضًا إلى الشبكة، وحتى الآن، لا يبدو بأن أحدًا يهتم أو يتساءل عن سبب إدارة القناة من قِبل مدير عام مؤقت، السيد مصطفى سواج، منذ حوالي ثلاث سنوات وحتى الآن، أو كيف يمكن للقناة أن تعمل لفترة طويلة في غياب القيادة المتمكنة.

هناك الكثير على المحك، والكثير أيضًا من الأمور التي يتوجب القيام بها، لتحكم قناة الجزيرة قبضتها بشكل أفضل على الوضع الراهن، لتتوقف عن العيش على أطلال الماضي، ولتباشر في إثارة العالم مرة أخرى بعواطفها وأفكارها؛ فعلى سطح المشهد العميق، ما تزال الجزيرة أكثر المؤسسات تقدمية في العالم العربي، وأفضل أمل للمنطقة، ويجب على الشبكة أن تدرك هذه العباءة التي ترتديها، وتمارس نفوذها بشكل أفضل، وبمجرد قيامها بذلك، ستجد الناس قد هبوا للوقوف بجانبها مرة أخرى.

المصدر: الغارديان