خطوة بحرينية غريبة تلك التي قادت العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة إلى منتجع سوتشي للقاء الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين. لكن الأغرب منها هو ما جرى من تبادل للهدايا بين الرئيس الغازي وزعيم المملكة الصغيرة التي تقع عند نهاية جسر الملك فهد.
فقد قام الملك حمد بن عيسى بإهداء فيلاديمير بوتين، سيفا دمشقيا، قال بفخر لمترجم بوتين أننا “سميناه سيف النصر”، متمنيا أن يكون النصر حليف موسكو في حربها بالوكالة عن النظام السوري ضد شعبه.
البحرين كانت قد رددت مؤخرا صدى الحديث السعودي عن استعدادها هي الاخرى لإرسال قوات برية إلى سوريا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن التناقض الفج ظهر في تصريحات العاهل البحريني في روسيا والتي نقلها عنه وزير خارجيته خالد بن أحمد آل خليفة في مؤتمر صحفي أكد خلاله إشادة ملك البحرين بما تقوم به روسيا نحو إعادة الاستقرار إلى سورية!
إعادة الاستقرار إلى سوريا لدى ملك البحرين تعني قتل أكثر من 520 طفلا من بين 1400 شهيدا من المدنيين بقصف الطائرات الروسية التي لا تلقي البراميل العشوائية، ونزوح ثمانين ألف سوري على الأقل إلى عراء الحدود التركية السورية، وانهيار أي أفق حل في سورية!
لكن أخوة اللغة والدين والأرض لم تشفع لمئات الآلاف من السوريين الذين قضوا في ظل الصمت المطبق من البحرين وأخواتها، ولا يُتوقع أن تشفع لهم الآن.
التصريحات البحرينية المستفزة تأتي في ظل حرب تخوضها جارة البحرين وشقيقتها الكبرى السعودية في سوريا ضد القوات الروسية التي يتمنى آل خليفة انتصارها. لكن المنامة قررت أن تتجه إلى الشرق بكل ثقلها. فرغم إمكانية الحصول على الغاز الطبيعي المسال من الدوحة التي تبعد عن المنامة أقل من 150 كيلومتر فقط، إلا أن تصريحات وزير الخارجية البحريني جاءت لتؤكد أن بلاده قررت استيراد الغاز المسال من موسكو. وتابع آل خليفة مستفزا الجيران القطريين “عرضنا على موسكو استخدام المركز لتوزيع الغاز الروسي في منطقة الخليج”.
التقارب البحريني الروسي لا يجب أن يستفز السعوديين والقطريين والسوريين فحسب، لكنه يجب أن يثير البحرينيين أيضا! فالبحرين التي تعاني من قلاقل تدعمها إيران بشكل مباشر، تحاول الاقتراب من روسيا حليفة إيران، ولا يمكن تصوّر الدب الروسي صديقا للمنامة على حساب طهران، فحسابات الجغرافيا السياسية جميعها تصب في صالح التحالف الإيراني الروسي.
ربما يحاول البحرينيون الاحتماء بروسيا كبوابة للتواصل مع الإيرانيين، إلا أن هذه الخطوة تظل مغامرة غير محسوبة في ظل التقدم الإيراني غير المسبوق في المنطقة. إيران تقف الآن على أعتاب أربع عواصم عربية إذا استثنينا المنامة ذات الأغلبية الشيعية، وتقاربا بحرينيا روسيا لن يوقف تمدد إيران، إلا إذا كان في ذلك التقارب عداء للرياض، وهو ما لا تستطيع البحرين تحمله حتى مع صداقة موسكو.
بوتين أهدى بن عيسى حصانا فاز بعدة مسابقات لا يتعدى عمره الأربعة أعوام، لكن تلك الأعوام الأربعة كانت كفيلة بأن تتغير فيها كل موازين القوى في المنطقة. ولا يجب أن ينتظر البحرينيون أكثر من الحصان الذي يحمل اسما يبدو تركيا “حجي بك” كرد على الهدية التي أهداها الملك إلى الرئيس الغازي.
إن السيف الدمشقي لا يقبل القسمة على بلدين، وأمتارا إضافية من الغاز لن تكفي بوتين ليقرّب المنامة، ولإن أرادت المنامة بناء جسر طويل مع موسكو، فإن كل جسورها القريبة لن تلبث إلا أن تنقطع، وحينها قد يرى البحرينيون وجه بوتين في دوار اللؤلؤة الذي لن تصله قوات درع الجزيرة هذه المرة.