تبدأ يوم الجمعة مناورات “رعد الشمال” العسكرية التي أعلنت عنها السعودية في وقت سابق، ستجري هذه المناورات في منطقة حفر الباطن التي تحتوي على مدينة الملك خالد العسكرية، أكبر مدينة عسكرية في الشرق الأوسط.
من المتوقع أن تكون هذه المناورات أكبر مناورات عسكرية تشهدها المنطقة منذ عقود، إذ يتوقع أن يشارك فيها أكثر من 350 ألف عسكري من دول متعددة أبرزها: السعودية، مصر، الأردن، المغرب، الكويت، وقطر وغيرها.
وبعيدًا عن الجانب العسكري فإن لهذه المناورات رسائل سياسية واضحة تريد السعودية أن توصلها للمنطقة، فبعد اشتعال المنطقة خلال السنوات الأخيرة وتدهور الحالة السياسية في كثيرٍ من دولها ودخول السعودية في حرب يبدو أنها غير منتهية في اليمن برزت أهمية إثبات السعودية لقوتها وجاهزيتها العسكرية في خضم هذا الجو المشتعل وذلك بعد أن ثبت ضعف التأثير السياسي للسعودية على القرارات الإقليمية أو تغيير مجريات ما يحصل في المنطقة.
المحللون السياسيون المتفائلون رأوا في هذه المناورات بادرة لتدخل عسكري في سوريا، خصوصًا أنها تأتي بعد أيام من تصريح العميد أحمد عسيري المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف بأن السعودية جاهزة للتدخل البري لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا وترحيب البيت الأبيض بهذا التصريح، رأى البعض كذلك أن هذا التصريح يعني انخراط السعودية وحلفائها في حرب مفتوحة ضد الأسد وغيره في سوريا، وهو ما استدعى وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم أن يخرج على الإعلام ويهدد من سيتدخلون في سوريا عسكريًا بإرسالهم بالتوابيت إلى بلادهم.
ولتحليل الموقف العسكري الذي أعلنت عنه السعودية منذ أيام يجب أولًا أن نذكر بعض الحقائق المهمة، أولها أن التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية والمتوقع أن يقوم بالتدخل ضد داعش هو تحالف هش وليس متماسك، إذ إن السعودية ليست قوة عظمى لتستطيع إقناع كل هذه الدول بالمشاركة بالحلف لتحقيق الرغبات والطموحات السياسية لها، فماذا يعني دولًا مثل المغرب وباكستان ونيجيريا مثلًا أن تشارك في حلف لمحاربة الإرهاب في سوريا؟ هذه الدول وغيرها بعيدة جدًا عن دائرة الصراع في المنطقة ولا يوجد تهديد واضح لها في حالة تفشّي الإرهاب هنا، وحده المال السياسي الذي تغدقه الحكومة السعودية على هذه الدول والاتفاقيات المشتركة بينهم هي التي تقنعها حاليًا بالمشاركة في مثل هذه التحالفات، ولو جدّ الجد ستظهر خلافات معقدة بين هذه الدول لن تستطيع السعودية حينها أن تتصرف حياله شيئًا.
ومن المهم كذلك أن نعرف أن كل الدول المشاركة في هذا الحلف العسكري الذي أُعلن عنه يوم 15 ديسمبر من العام الماضي هي تحت المظلة الأمريكية، بما فيها السعودية وتركيا وغيرهم، وأن هذه الدول لا تريد الخروج من تحت هذه المظلة، وهذا ما يعني توجيه القرارات السياسية الخارجية لهذه الدول وفق السياسة الأمريكية مباشرةً.
والموقف الأمريكي حيال ما يحصل في سوريا واضح، إذ إن التصريح الذي صرّح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أثناء لقائه مع ناشطتين إنسانيتين على هامش مؤتمر المانحين بلندن وأكدته وزارة الخارجية الأمريكية بعد ذلك ضمنيًا حين ادّعت بأنه: “تصريح غير مخصص للنشر” كان تصريحًا واضحًا، فالولايات المتحدة تؤيد التدخل الروسي الكامل في سوريا بل وتحثّ روسيا على إنهاء الوجود العسكري للمعارضة، كما توقعت أن يتم إنهاء المعارضة المسلحة خلال ثلاثة أشهر، والموقف الأمريكي بعدم التدخل وتأييد التدخل الروسي ليس جديدًا ولا يبدو أنه سيتغير.
وبناءً على ما سبق بإمكاننا أن نستنتج أن احتمالية حصول التدخل شبه منعدمة تقريبًا، فالحقيقة تقول إن روسيا اليوم تشارك في العمليات العسكرية جنبًا إلى جنب مع قوات النظام برًا وجوًا، ومن المفيد أن نؤكد على أن دول التحالف الإسلامي بمجموعها لا تستطيع الوقوف في وجه إرادة دولة قوية عسكريًا وسياسيًا كروسيا، خصوصًا إذا علمنا أن كثيرًا من دول هذا التحالف تستورد أسلحتها منها، وهذا ما يشكّل عقبة كبيرة وتحديًّا لن تستطيع دول التحالف تجاوزه.
أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة أحبطت – وما زالت – أي محاولة لتزويد الثوار السوريين بالأسلحة النوعية، وأن التطورات الجديدة التي أغلقت بموجبها تركيا حدودها مع سوريا تمامًا وشددت الرقابة على الحدود بهدف منع التهريب والتسلل سيؤثر بشكل كبير على وصول الأسلحة التي تعوّد عليها الثوار خلال السنوات الماضية ومن أهمها: صواريخ التاو المضادة للدروع، ولا يمكن بحال أن نفصل هذا القرار التركي عن الرغبة الأمريكية في ذلك، فكيف نصدق رغبة هذه الدول بالتدخل مع موقفها القاطع بمنع وصول كل الأسلحة النوعية للثوار السوريين؟
موقف دول التحالف وعلى رأسها: السعودية وتركيا موقف عصيب للغاية، فما يحصل في سوريا هو حرب دولية وليس حربًا أهلية، ويبدو أنه لا نهاية لهذه الحرب في المنظور القريب، وتأثيرات هذه الحرب على المنطقة ستكون تأثيرات كارثية، فهي ليست كالتدخل الأمريكي في العراق ولا كالاحتلال الصهيوني لفلسطين، بل إن تأثيراتها ستكون كتأثيرات ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأقصد هنا إعادة التقسيم ووضع مناطق معينة من هذه البلاد تحت الحماية الدولية، ولا شك أن شرر هذه الحرب سيطال كل من في المنطقة، وسيتعاظم الشرر في حالة استمرار مواقف دول المنطقة على ما هي عليه من الحياد غير المجدي أو الدعم المتوافق مع الرغبة الأمريكية التي تريد إعادة إنتاج النظام السوري بالاستفادة من القوة الروسية التي تقوم بذلك بدلًا عنه.
أول ما يجب على السعودية وتركيا أن تفعله هو أن تخرج عن الإرادة الأمريكية، ومع أن هذا الأمر يبدو حقيقةً أقرب للخيال منه للواقع ولكن دولةً مثل إيران تتشابه مع السعودية وتركيا في وضعها الأقليمي استطاعت أن تحقق جزءًا كبيرًا منه، إذ إن هذا الأمر ليس مستحيل فعليًا، وخصوصًا على تركيا التي يجب عليها أن تستفيد من عضويتها في الناتو، لأن موقف تركيا سيكون الأكثر تضررًا مما سيحصل، وفي تصوري أن تركيا بحاجة لأن تتدخل مباشرةً في سوريا أكثر من حاجة الثوار السوريين لها، وإلا فالمصير سيكون خطير جدًا على تركيا كدولة وليس كحزب حاكم أو نظام سياسي.
كذلك السعودية، فيجب عليها أن تستفيد من علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وتستثمرها لتبرير التدخل السريع والفوري في سوريا لإعادة فرض هيبتها واحترامها في المنطقة.
عندما بدأت الثورة السورية هدد رئيس النظام السوري بشار الأسد بأنه سيحرق المنطقة، هذا الكلام لم يكن عبثًا، فالنظام السوري يعرف حدود قدراته وإمكانياته هو وحلفائه، ويعرف الاتفاقيات والتفاهمات التي يتعامل بها مع العالم، وللأسف فإن كل الدول التي تدعي وقوفها مع الشعب السوري أضعف من أن تتخذ موقفًا مستقلًا يحميها ويحمي المنطقة من التبعات الكارثية للتدخل الإيراني والروسي.
وبالعودة لعنوان المقال فإن التدخل العسكري في سوريا يجب أن يتم فورًا لحفظ المنطقة، ولكنه لن يحصل على الأقل في المنظور القريب، وما لم يتغير الموقف الأمريكي ومن خلفه الموقف التركي والسعودي – وهذا مما يُستبعد – فلن يحصل أي تدخل عسكري لا ضد الأسد ولا ضد تنظيم الدولة، والقول بأنه سيتم هو ضرب من ضروب التفاؤل والخيال.