لا تزال تداعيات الأزمة الداخلية بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر مستمرة، صراع شرعيات انطلق ولم يتوقف، يسعى كل طرف فيه لاجتذاب أكبر عدد من الأنصار الفاعلين في صفه.
شباب الجماعة هم قوة لا يستهان بها الآن داخل صفوف الجماعة بعد حالة التمرد التي سادت الوسط الشبابي على طريقة إدارة الجماعة القديمة، لكن لا تزال معضلتهم الأساسية افتقار عملية التنظيم الداخلي لتشكيل قوة ضغط على أطراف الصراع في أعلى قمة الهرم.
لذا يسعى كلا الجانبين في الأزمة إلى اجتذاب أكبر عدد من هؤلاء الشباب إلى صفه لاستخدامهم كأداة ضغط على الجانب الآخر، عبر مجموعة من المغريات والمحفزات وتكثيف التواصل لاتخاذ موقف متماهي مع أحد الأطراف، والحقيقة أن الواقع يؤكد نجاح جناح “الهيئة الإدارية العليا” أو ما يُعرف إعلاميًا بالقيادة الجديدة في هذا الملف بالتحديد منهم عن مجموعة القيادات التاريخية التي لا تُجيد التواصل مع شباب الجماعة في هذه الأزمة.
أبرز جهود هذه اللجنة التي انتخبت في فبراير من العام 2014، كانت تعيين متحدث إعلامي شاب باسم مستعار وهو “محمد منتصر” الذي خطف الأضواء داخل الجماعة لفترة ، كما اعتمدت اللجنة داخليًا في مصر على مجموعات شبابية في إدارة بعض الملفات الحساسة المتعلقة بشؤون الجماعة، والتي عادة ما تكون حكرًا على قيادات تنظيمية من الوزن الثقيل، وهو أمر أعزاه البعض إلى فرض اللحظة الراهنة بسبب غياب أي قيادات تنظيمية كبرى لذا توجب تصدير الشباب.
خارجيًا عمل الفريق الموالي للجنة الإدارية العليا وهو مكتب إخوان الخارج على تكثيف التواصل مع الشباب الغاضب من طريقة إدارة مجموعة القيادات التاريخية لأمور الجماعة في الأوقات السابقة، بإعطائهم وعودًا بالتغيير الداخلي إذا ما تمكن جناح اللجنة الإدارية العليا بالداخل بقيادة القيادي محمد كمال من حسم الموقف التنظيمي لصالحه.
وعلى المستوى المنهجي روجت مجموعة كمال لما أسموه الخيار الثوري في مواجهة النظام في مقابل محاولة إيصال انبطاح القيادات القديمة أمام النظام لدى جموع الشباب الثائرين منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، والذين يرى كثير منهم ضرورة التصعيد أمام النظام بكافة الأشكال، فمنهم من يرى سبيل تبني الجماعة للعنف، وآخرين يرون ضرورة الثبات على الموقف أمام النظام بأي وسيلة كانت دون النظر إلى أية مصالحات أو تراجعات.
تحدثنا مع شاب من شباب الجماعة داخل مصر يرى في وجهة نظره تأخر الجماعة منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في اتخاذ خطوات حقيقية نحو التصعيد العنيف مع النظام، وهو ما يعتبره فشل من وجهة نظره من القيادة التي أدارت الجماعة بُعيد الفض تحت أي مسمى.
على الصعيد الآخر يُمثل الشباب أزمة لدى مجموعة القيادات التاريخية في الجماعة بداخل مصر وخارجها، حيث يواجه هؤلاء القيادات سيل من التمرد والانتقاد الحاد القادم من جانب الشباب خاصة فيما يتعلق بفترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، متهمين إياهم بالفشل.
تعاملت مجموعة القيادات التاريخية مع هذه الحالة بطرق تنظيمية تقليدية كاستخدام سلاح الأبوية المعهود عنهم بتنظيم من خلال تنظيم ما يُعرف بـ “لقاءات توضيح الرؤية” لأجل تهدئة ثورة الشباب، مع التأكيد على مفاهيم الثقة والسمع والطاعة للقيادة، هذا بالإضافة إلى استخدام العديد من مفاتيح الضغط التنظيمية التي يمتلكها هذا الفريق كسلاح التمويل وتشعب العلاقات وتجذرها في الجماعة مما أعطى لهم نفوذًا كبيرًا لدى فئات شبابية كثيرة داخل الجماعة، بسبب احتكارهم المسارات التنظيمية لعقود.
هذا الأمر أكده لنا شاب آخر تواصلنا معه يتحدث عن نوع من التغييب في وجهة نظره لدى فئات من شباب الجماعة في الأقاليم حيث لا زالوا يعتقدون في فكرة الأبوية وحتمية التغاضي عن تلك الخلافات التي لا شك لديهم أن “الكبار” سيحلونها عما قريب في ظل عدم إتاحة مصدر حقيقي للمعلومات عن الأزمة.
أما عن رد فريق القيادات التاريخية على الترويج لعملية عقده صفقات أو تنازلات مع النظام فكان بإعلانه التمسك بشرعية الرئيس السابق محمد مرسي وعدم نيته التنازل عنها لتجنب مزايدات الطرف الآخر، كما بدأ في اتخاذ عدة إجراءات لسحب بساط الشباب من سيطرة الطرف الآخر.
حيث أعلنت مجموعة القيادات التاريخية تجميد عضوية محمد منتصر وإقالته من منصبه كمتحدث إعلامي باسم الجماعة، وعينت مكانه قيادي بالخارج، بعدما حظي منتصر بشعبية هائلة بين قطاعات واسعة من شباب الجماعة، وتداركت هذه المجموعة الأمر بتعيين 3 متحدثين إعلاميين من الشباب داخل مصر، وهي خطوة تكسوها عملية التودد للشباب بلا شك، كما تعمل قيادات التنظيم القديمة على استخدام هياكل الجماعة التنظيمية التي تضم الشباب من أجل حسم الصراع لصالحها كقسم الطلاب ولجان الشباب المختلفة.
بين هؤلاء وهؤلاء يبقى التساؤل ما هو موقف شباب جماعة الإخوان المسلمين الحقيقي من الأزمة الداخلية في ظل حالة الاستقطاب الداخلي هذه؟
في البداية سعت بعض الهيئات الشبابية داخل الجماعة للنأي بنفسها عن حالة التفسخ التنظيمي، وقد كان من أبرز محاولتهم في ذلك إعلان قسم الطلاب داخل الجماعة في بداية الأزمة عدم انحيازه لأي من الطرفين وهو أكبر هيئة تنظيمية شبابية داخل الجماعة تقريبًا، مع سعيه للتوسط في حل الأزمة عبر طرح مبادرات توافقية، كذلك كان موقف ما يُعرف باللجنة المركزية لشباب جماعة الإخوان الذي يتواجد بعض أعضائها داخل مصر والبعض الآخر بالخارج.
لكن مع مرور الوقت وفشل العديد من الوساطات في رأب الصدع الداخلي، نال الاستقطاب من هذه الهيئات الشبابية شأنها شأن بقية هياكل الجماعة، حيث انحاز بعض الأفراد من هنا وهناك للأطراف المختلفة، وهو الأمر الذي أحدث انقسام داخل الشباب أنفسهم، مع التأكيد على وجود بعض الحالات التي لا زالت تتخذ موقف الحياد الإيجابي عن طريق استمرار السعي في مبادرات لحل الأزمة، وكذلك البعض الآخر يتخذ موقف حياد سلبي حيث يرى عدم صلاحية الطرفين لإدارة الجماعة.
هذا التوجه الأخير بدأ يظهر مؤخرًا بكثافة على السطح حيث يرفض طريقة إدراة الطرفين للجماعة ويعتبرهما جزءًا من الماضي ولكن مع تغيير المسميات، داعين إلى وضع لائحة جديدة تفرز انتخابات تستبعد الطرفين، بالإضافة إلى تفعيل آليات المحاسبة داخل الجماعة، ومن ثم بدء العمل على وضع رؤية واضحة محددة المعالم للمرحلة الحالية من المواجهة مع النظام.
هذه الانقسامات والرؤى الشبابية المختلفة ظهرت بصورة جلية أيضًا في موقف انحياز بعض المجموعات التنظيمية المرتبطة بقسم الطلاب كحركة شباب ضد الانقلاب إلى مجموعة الهيئة الإدارية العليا في ذروة الأزمة عن طريق بعض البيانات التي صدرت عن صفحات تابعة للحركة في بعض الجامعات، بينما سارعت مجموعات القيادات التاريخية للجماعة في إقالة مسؤول القسم في مصر من منصبه بعد تحويله للتحقيق الداخلي، وقد انحاز لهذا القرار مجموعة من القسم، بهذا يتضح حدوث شرخ لدى الشباب أيضًا.
الواقع يقول إن شباب الجماعة هم أكثر الفئات بداخلها التي صنعت مراجعاتها الذاتية فيما يتعلق بمواقفهم السابقة، لكن الأمر اتخذ شكل الفردية أكثر منه شيء مؤثر داخل التنظيم ومواقفه، نظرًا لاستمرار عملية انعدام التأثير الشبابي داخل مواقع القيادة، وهو نابع من عدم وجود كيان شبابي صلب داخل قلب الجماعة، لذا ذهبت هذه المراجعات مع الانقسام الذي طال الشباب أنفسهم، في حين لم تستطع أي مجموعة شبابية داخل الجماعة حتى الآن بلورة طرح منهجي وتنظيمي ثالث يستبعد طرفي الأزمة.
حيث يؤكد أحد شباب الجماعة الذين تحدثنا معهم في خارج مصر أنه بإطالة النظر في الأوضاع السابقة من أحداث للثورة وما بعدها يتبين له مسؤولية الإخوان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن ما أسماه “تعثر ثورة يناير” وهو أمر لا يعترف به الكثير من قيادات الجماعة بأي حال من الأحوال.
أما عن وجود موقف عام، نستطيع الحديث عن موقف يؤثر فيه غالبية الشباب الانخراط في مبادرات تُعيد إحياء هذه الأطراف مرة ثانية بطريقة أو أخرى تحت دعاوى لم الشمل والحفاظ على التنظيم، لذا لا يمكن التعويل على موقف الشباب داخل الجماعة حتى الآن، بسبب معاناتهم الداخلية من الانقسام الحاد وغياب الرؤية والتنظيم، وإن تواجدت هذه المقومات لدى مجموعات صغيرة، لكنها في حقيقة الأمر لا تزال منعدمة التأثير.
ويمكن بعد ذلك حصر اتجاهات الشباب في التعاطي مع الأزمة بين العمل المطلق في الحفاظ على التنظيم بعقلية تقليدية، وبين من رأى الانحياز إلى طرف من الأطراف حسبما يرى مصلحة التنظيم في وجهة نظره، إلى طرف آخر رأى عدم صلاحية الأطراف المتنازعة على القيادة وهو رأي يعمل على عملية نقد للعقلية التنظيمية التي تؤثر التنظيم على الثورة.