تتوالى الإشارات والرسائل التي تفيد بقرب التدخل العسكري الخارجي في ليبيا بعد تدخل سابق عن طريق حلف الناتو في عام 2011، الأمر الذي ساهم بشكل رئيسي في إسقاط حكم العقيد معمر القذافي.
لم تشهد ليبيا الاستقرار الغربي المنشود بعد سقوط القذافي ومقتله، بل سرعان ما انقسمت البلاد إلى جبهتين متصارعتين أحدهما في طرابلس العاصمة وهو المؤتمر الوطني الليبي العام، والآخر في طبرق وهو برلمان طبرق المنحل بحكم محكمة الدستورية العليا في ليبيا، ولكل منهما ذراع عسكري.
هذا الخلاف الليبي – الليبي لم ينجح الغرب في فرض تصوراته عليه رغم دعمه خفية لأحد أطرافه، من أجل إقرار واقع يضمن المصالح الغربية في البلاد، لكن قوة طرف الإسلاميين هذه المرة في ليبيا لم تجعلم لقمة سائغة بين تحالفات الثورة المضادة في المنطقة.
لجأ الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة وإيطاليا إلى التلويح بالحل العسكري تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ليبيا، لكن الأمر له ما وراء ذلك بخلاف مسألة داعش التي أصبحت ذريعة القوى الكبرى للتدخل العسكري في المنطقة.
الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة تُغير من استراتيجيتها المتبعة مؤخرًا وتتخلى عنها في ليبيا، ليس أمر داعش بالتأكيد، حيث أنها رفضت التدخل البري في سوريا والعراق اللتين يعتبران محضن لرأس التنظيم، وتخلت ذلك بإرسال قوات نخبة خاصة إلى ليبيا، يُشير إلى أنه ثمة خطة تستهدف ليبيا وربما تجعلها في مصاف الدول الفاشلة إذا تم تنفيذها.
تبحث واشنطن وروما الآن عن حلفاء عرب للدخول سويًا إلى المستنقع الليبي للزيادة في تعقيده أكثر مما هو عليه الآن، ولن تجد الدولتان حليفًا أفضل من القاهرة التي نادت مرارًا بضرورة التدخل العسكري في ليبيا، لكن مصر وحدها لن تكفي، ولا بد من إيجاد تحالف عربي وإفريقي كامل لغزو ليبيا تحت مزاعم مكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي ترفضه تونس والجزائر حتى اللحظة، ومن غير المعلوم كم سيصمدان أمام الضغط الخارجي.
الأعين الغربية لم تُغمض عن 1.4 مليون برميل نفطي كانوا ينتجون إبان عهد القذافي يوميًا، وبفعل أحداث الثورة الليبية وما بعدها تقلص الانتاج إلى 350 ألف برميل يومي فقط، بعد حالة الدمار التي أصابت البنية التحتية النفطية في ليبيا، وعلى ما يبدو أن الحل العسكري الوشيك جاء لإنقاذ هذه البنية النفطية التي سيحوذ عليها الغرب بطريقة شبه مجانية، بدلًا من وقف دعم الخارجي لأطراف ليبية خارجية تؤجج المشهد وتُساهم في تكريس الفرقة بين الليبيين.
هذا الخيار لن يكون تبعات على الليبيين فقط، ولكنه كما السيناريو العراقي إنفجارسيعم بلدان شمال إفريقيا، لذا عارض وزراء دفاع تونس والجزائر أي تدخل عسكري في ليبيا دون موافقة دول الجوار، لأن السيناريو العراقي ومن خلفه السيناريو السوري يُخبر الجميع بمآلات الأمور في حالة التدخلات العسكرية الخارجية.
وعلى غرار السيناريو العراقي من المنتظر بعد أي غزو أمريكي أو أوروبي للداخل الليبي أن تنفجر التنظيمات الجهادية وتتشظى في منطقة شمال إفريقيا وما حولها ردًا على العدوان الخارجي، كما يُنتظر مأساة جديدة للاجئين إلى دول الجوار لا سيما مصر والجزائر وتونس والسودان.
ناهيك عن حالة الفشل الذي ستدخل فيه الدولة الليبية على الصعيد الداخلي، حيث كانت تعاني من التباين الشديد بين مكوناتها قبيل الغزو الأجنبي، أما فبعده فمصير العراق بعد 2003 وهو ما ينتظرها، على المستوى الأمني المنفلت، والاقتصاد المنهار، وتفكك الجبهة الداخلية، كما لا يُستبعد أن تنطلق دعوات تقسيم ليبيا عن طريق الفيدرالية أو غيرها وهي الدعوات التي انطلقت عقب غزو الولايات المتحدة للعراق.
أفضل سيناريو يراه الغرب للتدخل الآن، هو أن يتم استدعاؤهم من قبل الحكومة المعترف دوليًا، وهي حكومة تحاول الدول الغربية فرضها بالقوة على طاولة الحوار الليبي رغم رفض طرفي النزاع الليبي لها، كما يُصور الغرب لهم أن على جميع الليبيين التوحد الآن ضد خطر تنظيم الدولة فقط دون النظر إلى بقية المشكلات الحقيقية في الوضع الليبي.
يقدّر ريتشارد دالتون، العضو المشارك بمعهد المملكة للشؤون الدولية والسفير السابق للمملكة المتحدة بليبيا، أن “عدد أفراد القوات الأجنبية لا يجب أن يقل عن 10 ألاف ليكون ذا جدوى”، كما أشار إلى أن “تنظيم الدولة يسيطر على أربعة مواقع في ليبيا على الأقل، ومن المفترض أن يتم الهجوم عليها مرة واحدة”.
لذا أبدت إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إمكانية تشكيل قوة مشتركة لتساعد المجموعات الليبية المسلحة على محاربة تنظيم الدولة، وهذه الأسماء لابد وأنها تُذكر الجميع بالتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لغزو العراق.