ترجمة وتحرير نون بوست
بعض النجوم المرشحين لجائزة الأوسكار لهذا العام سيذهبون إلى منازلهم حاملين تمثال الأوسكار الذهبي، ولكن جميع المرشحين، الفائزين منهم أو الخاسرين، سيحصلون على جوائز ترضية بقيمة 200.000 دولار، وفقًا لتقرير صادر عن صحيفة ديلي بيست، وتتضمن الهدايا المترفة التي سيتلقاها هؤلاء النجوم كريمات للبشرة، إيجارات مجانية لسيارات أودي، تدريبات لياقة بدنية في النوادي الرياضية، جراحات تجميلية، ورحلة من الدرجة الأولى لمدة 10 أيام إلى إسرائيل، تبلغ قيمتها 55.000 دولار، برعاية الحكومة الإسرائيلية.
الكثير من التعليقات يمكن أن تُطرح على جوائز الترضية، حيث يمكن أن نتحدث عن التجاوزات البشعة في حياة الأغنياء والمشاهير في ظل تزايد انعدام المساواة العالمية، كما يمكننا أن نذكر الهوس المجتمعي المقزز بمعايير الجمال غير القابلة للتحقيق إلا من خلال شراء المزيد من منتجات اللياقة البدنية ومستحضرات التجميل، بما في ذلك العمليات الجراحية المكلفة.
ولكن ما الذي تفعله رحلة إسرائيل ضمن هذه الحزمة؟
هذه ليست المرة الأولى التي يُقدّم فيها لنجوم هوليوود رحلات مدعومة السعر أو مجانية إلى إسرائيل؛ فاليوم يبدو من المعتاد أن تخصص وزارة السياحة الإسرائيلية صفحة على موقعها الإلكتروني الرسمي مخصصة لزيارات المشاهير، ولكن علينا ألا نخطئ؛ فالأمر ليس مجرد ترويج طموح للسياحة في إسرائيل.
إنه مشروع يدعى براند إسرائيل (Brand Israel)، وهي إستراتيجية دبلوماسية إسرائيلية تنطوي على مغازلة النجوم وغمرهم بالرحلات المجانية والمنتجات وأساليب الدعاية لمنعهم من التحدث علنًا ضد الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية.
تم إطلاق براند إسرائيل في عام 2006 بهدف صياغة سرد جديد عن إسرائيل دوليًا؛ سردًا يتضمن القليل عن العنف والاحتلال العسكري، والمزيد عن العلوم والتكنولوجيا والمرح.
ضخت الحكومة الإسرائيلية ملايين الدولارات ضمن هذا المسعى، حيث دعت نجوم هوليود، قادة الحكومة والأعمال، وحتى ممثلي الأقليات الدينية والثقافية للقيام برحلات مصممة خصيصًا لرؤية الأشياء المدهشة التي تنجزها دولة إسرائيل، ودائمًا ما تترافق هذه الأحداث مع مؤتمر صحفي وفرصة لالتقاط الصور مع المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية.
ولكن، ما الذي لا يراه هؤلاء ضمن هذه الرحلات المترفة مدفوعة التكاليف؟
أبراج القناصة ونقاط التفتيش على طول جدار الفصل العنصري، والتي يقوم من خلالها الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار على المظاهرات الفلسطينية ضد الاحتلال العسكري الوحشي؛ غرف استجواب السجناء، حيث يتعرض السجناء السياسيون الفلسطينيون، ومن ضمنهم الأطفال، للتعذيب بشكل روتيني ويحرمون من العلاج الطبي؛ المزارعون الفلسطينيون الذين سُرقت أراضيهم وسبل عيشهم من قِبل المستوطنين الذين يستخدمون هذه المواقع كقواعد لمهاجمة القرى الفلسطينية بالقنابل الحارقة؛ وقصف أحياء قطاع غزة التي يجمع ضمنها الأطفال بقايا الشظايا المعدنية ليستعملوها كمواد للبناء، التي تمنع إسرائيل دخولها إلى القطاع، في محاولة لتوفير لقمة العيش لأسرهم المعوزة.
يُحرم هؤلاء السياح المشاهير أيضًا من رؤية المقاومة الشعبية الفلسطينية ضد الظلم، التي تتجلى بشكل احتجاجات ضد جدار الفصل العنصري، ضد مصادرة الأراضي، وهدم المنازل في القرى غير المعترف بها في النقب، كما أنهم لا يلتقون الشبان الإسرائيليين الذين يواجهون عقوبة السجن لرفضهم الخدمة في جيش الاحتلال، جميع هذه القصص الملهمة تحرك الأشخاص في جميع أنحاء العالم للعمل، فلا عجب بعدئذ أن ترغب الحكومة الإسرائيلية بكتمها وإخفائها.
ليس من قبيل المصادفة أن تباشر الإستراتيجية الجديدة للترويج لإسرائيل في ذات الوقت تقريبًا الذي دعت فيه أكثر من 170 منظمة من منظمات المجتمع المدني الفلسطيني سكان العالم للتضامن مع الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل العدالة، وذلك من خلال تطبيق حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، اختصارًا BDS، بغية فضح الحكومات والشركات المتواطئة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
حركة المقاطعة تفضح الوحشية الحقيقية للاستعمار الإسرائيلي، وتعرض ذات المشاهد التي صُممت إستراتيجة براند إسرائيل لإخفائها، علمًا بأن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا استخدم تكتيكات مماثلة تقريبًا في ذروة المعارضة الدولية التي واجهته.
جدير بالذكر، أن العديد من الفنانين والموسيقيين رفضوا المشاركة بتبييض الواقع الوحشي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، حيث تعهد روجر ووترز، براين إينو، لورين هيل، وأكثر من 1000 فنان بريطاني بعدم التعامل مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وقبل بضعة أشهر فقط، اتخذ مئات العلماء البريطانيين ذات الموقف من خلال منشور صادر عنهم.
الأمر لا يمكن أن يُعد فقط مجرد رفض صادر عن بعض الفنانين والأكاديميين لتلويث أيديهم بقذارة جرائم دولة إسرائيل، بل إنها محاولات للوقوف بوجه منهجية إسرائيل القمعية وواقع الفصل العنصري، هذا الواقع الذي لا يمكن إخفاؤه إلا إذا وافق الجميع على عدم الحديث عنه، ونظروا إلى الاتجاه الآخر، وإسرائيل تستثمر بكثافة بغية الوصول إلى هذه الغاية، ولكنها ببساطة لن تنجح في مساعيها.
اليوم، يتم منح مرشحي الأوسكار رحلات مجانية لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى لأن تل أبيب تشعر بالضغط المتزايد الناجم عن حملة المقاطعة الإسرائيلية، والتي تهدف إلى وضع حد للتواطؤ الدولي حول إنكار إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني.
وبالمحصلة، وبغض النظر عن المشاهير الفائزين الذين سيعودون إلى منازلهم مع التمثال الذهبي، فإن النجاح المتزايد لحركة حملة المقاطعة يدل على أن الفائز الحقيقي هم الفلسطينيون الذين يكافحون من أجل الحرية، وجميع الذين يقفون معهم من أجل العدالة.
المصدر: ميدل إيست آي