دولة بشار العلوية.. بين براجماتية روسيا وإيران وتاريخ سايكس – بيكو

حينما بدأت الثورة ضد النظام السوري المستبد، كان المتابع لتداعيات الوضع عبر وسائل الإعلام المختلفة يسأل عمن مات، والآن وبعد ما يقرب من ست سنوات، وآلة القتل العلوية تحصد الأخضر واليابس، خصوصًا بعد أن دعمتها روسيا بوسائل جديدة لحصد الآمنين جوًا وبرًا، بات الجميع يتساءل عمن لا يزال حيًا، هذا هو واقع سورية الآن.
الساحل .. نقطة الهروب
وعلى الرغم من الانهيارات المتتالية في صفوف النظام السوري، وداعميه الشيعة سواء حزب الله أو ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، وبالطبع الآلة العسكرية والخبرة الحربية الروسية، يخشى الجميع من المحاولات المستميتة للنظام للملمة أوراقه المتناثرة، والتي قد تدفعه في النهاية لخيار وحيد، هو الهروب من دمشق إلى مناطق أو منطقة توفر الحماية له ولما تبقى من جيشه، والوجهة المحتملة هي الانتقال بصحبة العائلات العلوية التي تقطن المحافظات السورية، وهجرتها نحو مناطق الساحل التي تسيطر على معظمها الطائفة العلوية، خصوصًا وأن أتباع النظام يشيعون أن في الساحل وبعض جباله غاز ونفط، ليقنعوا العلويين أنه ستكون لهم دولة غنية، كخطوة باتجاه عزل المنطقة والهيمنة عليها، وبالتالي إنشاء دولته العلوية التي ستكون البذرة الأولى لتقسيم الدولة، وهو احتمال مطروح وبشدة، حيث تسبب الخلافات الأيديولوجية وغياب القيادة الموحدة للمعارضة السورية، في عدم وجود أدوات واضحة للتحكم في سير الأحداث ما بعد سقوط الأسد، مع دخول لاعبين إقليميين ودوليين في ساحة الشطرنج السورية، باتت تهدد المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط ككل.
“نون بوست” حاول في التحقيق التالي الوقوف على مآلات الموقف واحتمالاته المستقبلية في حال سارت الأحداث في هذا الاتجاه الذي تسعى إيران وروسيا بالإضافة للنظام طبعًا في الدفع باتجاهه.
التاريخ يعيد نفسه
في البداية، يرى الكاتب السوري المقيم بلندن خير الله المنيف، أن بديل النظام السوري حاليًا للحل الأمني هو السعي وبقوة لإقامة دولة علوية قابلة للحياة، لكن مازالت حمص عقبة في طريقها كونها ثالث أكبر مدينة سورية بعد دمشق وحلب وتسهم بفاعلية في تأمين حدود الدولة العلوية المزعومة.
المنيف يؤكد أن التحركات الروسية الإيرانية الأخيرة تدعم هذا التوجه، خصوصًا أن النظام السوري الذي عرفناه منذ العام 1970 انتهى عمليًا في ظل استمرار الثورة وامتدادها وتوسعها، لكن الدولتين “روسيا وإيران” تدفعان بقوة باتجاه التقسيم والانفصال، مستدعين تاريخ رغبات وفكرة الانفصال القديمة التي بدأت في العام 1923 ، حين أعلنت دولة الانتداب الفرنسي على سوريا قيام الدولة العلوية وعاصمتها مدينة اللاذقية على الساحل السوري، وتضم أجزاءً من محافظات طرطوس وحمص وحماة .
المعارضة ومعضلة داعش
في المقابل، يعتبر الباحث السوري عبدالإله بكور، أن هناك معوقات كبرى تحول بين الرغبة “الروسية – الإيرانية – العلوية” وبين إمكانية تحقيقها على الأرض على الأقل في الوقت الحالي، كون هناك لاعبون فاعلون على الأرض في الداخل السوري يتصدون وبقوة لهذا السيناريو؛ حتى لا يتم اتهامهم بأن ثورتهم على النظام هي من تسببت في تقسيم سوريا وانهيارها.
اللاعبون يحددهم بكور بأنهم هيئة التنسيق الوطني، وهي هيئة يسارية قومية لا تتمازج مع القوى الإسلامية، لكنها ترفض فكرة التقسيم، بالإضافة للمجلس الوطني السوري الذي تأسس بالخارج في يونيو 2011، ويضم بين جنباته جماعة الإخوان المسلمين وتأثيره محدود داخليًا في مسار الأحداث، لكن فكره بعيد تمامًا عن التقسيم، فيما يهيمن الجيش السوري الحر الذي تأسس في يوليو 2011 بعد انشقاق أفراد من جميع الرتب العسكرية من جيش بشار، على الأوضاع في الداخل، ولولا التعطيل المتعمد من ميليشيا داعش الإرهابية، لسيطر على معظم الأراضي السورية التي يحكمها النظام حاليًا، وتشكل قواعد هامة لانطلاقاته وغزواته الدموية تجاه المعارضة والمدنيين السنة.
التفريغ والواقع الديمغرافي
ويضيف، من المعروف أن المكون الديمغرافي السوري قد تكون له اليد العليا في الموقف، وهو ما يفسر عمليات التهجير القسري للسنة وموجة الهجرات الأخيرة المدعومة بقوى إقليمية ودولية، تعمل على تفريغ الداخل السوري – السني منه على وجه الخصوص -؛ لإفساح المجال للشيعة للسيطرة على تلك المناطق، وعلى الرغم من أن المسلمين السنة يشكلون حوالي ثلاثة أرباع سكان سوريا البالغ عددهم حوالي 22 مليون نسمة، أو كانوا قبل الثورة والإبادات، بينهم الأكراد، ونسبة العلويين الموالين للنظام، في حال انضم إليهم الدروز والإثني عشرية والمسيحيون يمثلون الربع الأخير، لكن التفريغ المتوالي قد يدعم فكرة بشار ودولته العلوية، بجانب دعمه لإقامة دولة كردية محتملة في الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق.
دولة محاصرة
لذا – وبحسب بكور – يسعى النظام لفك التشابك بين الواقع الديمغرافي السكاني المتعلق بالهوية الطائفية والدينية للمناطق التي من المحتمل أن تضمها الدولة العلوية، وهي محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، حيث يختلط السنة والعلويون والمسيحيون في العديد من المدن والقرى، اختلاطًا يكاد يكون تامًا، وهو ما لا يقدر عليه النظام وحده الآن، وإن استطاع بمشاركة إيرانية روسية، فإن دولته تلك محكوم عليها بالإعدام، فكيف تحيا دولة جغرافيًا ضمن محيط وحدود كلها معادية من الناحية الطائفية، فهناك تركيا السنية في الشمال، وأدلب وحلب السنيتان في الشرق، وحماة وحمص من الجنوب الشرقي، وطرابلس اللبنانية السنية في الجنوب؟
النظام ينتحر
الباحث السياسي العراقي حميد الأوسي، يرى أن “نظام ينتحر لا بد أن يقود المعركة إلى حدود أخرى، أيًا كانت نتائجها”، وهو ما يدعم فكرة التقسيم وبقوة، فنظام الأسد يعول على تعاطي قوى إقليمية من الثلاثي الشيعي “الإيراني العراقي اللبناني”، ودولية “روسيا”، مع الفكرة للقضاء على وحدة سورية، وتأجيج حرب طائفية تقضي على ما تبقى من الدولة، بمبدأ إما الحكم أو لا شيء للجميع، مستعينًا بوجود أقلية كردية في الشرق تسعى كذلك للانقسام ويدعمها الأسد لزيادة التوتر بالمنطقة، والضغط على تركيا، فيما يشبه خطة “سايكس – بيكو” لتقسيم المقسم، مع التعويل على أن خلافات المعارضة في الداخل حاليًا تدفع باتجاه دولة سنية بلا أساس موحد، قد تدفع باتجاه نشأة كيانات “إسلامية جهادية” بذرتها داعش، تشكل خطرًا كبيرًا على المنطقة المحيطة ككل، وتخفف بالتالي الضغط على دولته العلوية، كما هو حاصل الآن حيث يحارب داعش قوى المعارضة الإسلامية وينهكها بلا التفات لقوات الأسد.
براجماتية روسيا وإيران
رأي مخالف يدعمنا به المفكر الإسلامي المغربي عبدالحميد البكر، يرى في إمكانية دعم روسيا وإيران لفكرة علوية بشار بعيدة المنال، بتفكير براجماتي نفعي ليس إلا، يعتمد على أن تحقيق إيران وروسيا الهدوء في مناطق نفوذهما أهم لديهما من دعم بشار ذاته، وقيام الدولة العلوية حتى وإن كانت حليفة لإيران وروسيا، فهي مكسب زهيد مقارنة بوجود الدولة السورية ككل كحليف لهما، لذلك ستسعى الدولتين للعمل على إزالة الجماعات السنية المعارضة المدعومة من قِبل أطراف عربية وإقليمية، وهو ما تفعله طائرات بوتين الآن بسوريا؛ لأن البديل هو فوضى مستمرة بالنسبة لروسيا وإيران.
ويدعم البكر وجهة نظره تلك، بأن نفعية روسيا وإيران تدفعهما لرفض توحيد وتحديد مناطق الشيعة في منطقة جغرافية معينة، كونهما تسعيان لما هو أبعد من ذلك، وتعملان على ضم الكيانات غير التابعة لهما الموجودة في المنطقة لمناطق نفوذهما، وهو ما لا يتفق مع طرح الدولة العلوية.