دخلت سوريا منعطفًا هو الأخطر منذ بداية الثورة السورية، إذ أجبرت الهزائم الكبيرة والإستراتيجية التي مني بها النظام السوري، خصوصًا في ريف حماة الشمالي ودرعا والقنيطرة وسهل الغاب وإدلب والغوطة وغيرها، القوات الروسية على التدخل العسكري المباشر، بعدما فشلت إيران ومليشياتها في حسم المعركة على الأرض.
سقوط حلب، تلك المدينة الإستراتيجية المحورية في سوريا بأيدي تحالف “الأسد – روسيا – إيران”، سيعني أن العرب سيفقدون سوريا بالكامل كما فقدوا العراق من قبل، وقد تدخل العرب لإنقاذ اليمن، وعليهم اليوم أن يفعلوا الأمر نفسه لإنقاذ سوريا، سقوط حلب باختصار سيعني أن “الهلال الفارسي” بأفكاره العقائدية المتطرفة اليوم أصبح حقيقة واقعة.
والمفارقة أن قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال “المختفي حاليًا” قاسم سليماني، قال إن “السلطات العليا في إيران (خامنئي) أمرت بتحرير مدينة حلب ولو بتقديم 100 ألف شهيد”.
العرب إذَا في خطر عظيم ولم يسبق أن مرت بهم عبر التاريخ لحظات كالتي تمر بهم اليوم، وهم عليهم الاختيار بين أن يكونوا رقمًا صعبًا أو أن يكونوا على هامش التاريخ، وهذا ما أدركه قادة “التحالف الإسلامي العسكري” الذي شكل أخيرًا، ولهذا أعلنت السعودية عن عزمها التدخل البري في سوريا.
كذلك تصريحات كبار السياسيين الأتراك تؤكد أن التدخل البري مسألة وقت ليس إلا، وخصوصًا تصريحات رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الأخيرة التي دعا فيها إلى رد “الدين التاريخي للإخوة في حلب” وقال إنه خلال الحرب العالمية الأولى، دافعوا عن المدن التركية، مؤكدًا: “نحن سنرد الدين التاريخي الذي علينا، سابقًا إخوتنا من حلب حموا مدننا سانليورفا، غازي عنتاب، قهرمان (خلال الحرب العالمية الأولى)، ونحن الآن سندافع عن حلب البطلة، خلف ظهر المدافعين عن المدينة تقف كل تركيا”.
الوضع الميداني على الأرض
كما أسلفنا، فمحافظة حلب السورية تشهد تحولات خطيرة على الأرض إن اكتملت ستعني خسائر إستراتيجية هائلة للعرب في سوريا خاصة والمنطقة عامة، فتحت غطاء قصف روسي “هستيري” لا يمارس إلا سياسة “الأرض المحروقة”، زجت إيران بعشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري الإيراني وقوات “الباسيج” والمليشيات اللبنانية (حزب الله) والأفغانية والباكستانية والعراقية والآذرية الشيعية.
ورغم فشل الحملة الروسية الضارية طوال أسابيع في تحقيق تقدم كبير على الأرض سوى في فك حصار “داعش” لمطار كويرس العسكري، لكن الحملة نجحت في تدمير المشافي والمدارس وأفران الخبز وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين بعد تهدم دورهم، إلا أنه مع بداية اجتماع جنيف أو بالأصح “خدعة جنيف” جاء اختيار القادة العسكريين الروس والإيرانيين لإستراتيجية أخرى خطيرة لمساعدة حليفهم الأسد تتمثل أيضا في سياسة “الأرض المحروقة”، حتى إن بعض المراسلين الإعلاميين على الأرض أكدوا أن القصف أحيانًا يغطي مساحة 1 كيلومتر (في نفس اللحظة).
وبالإضافة إلى القصف يتقدم الآلاف من عناصر المليشيات التابعة لإيران تحت شعارات طائفية كـ “لن تسبى زينب مرتين”، “لبيك يا خامنئي”، “لبيك يا حسين”، و”لبيك يا صاحب الزمان” وغيرها من الشعارات الطائفية، تتقدم تلك القوات ليقوموا بالاستيلاء على القرى التي أحرقتها الطائرات الروسية، وبالفعل استطاعوا فك حصار فصائل المعارضة المسلحة عن قريتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي، ونجحت تلك القوات في التقدم إلى مناطق ليست بالقليلة في ريف حلب، بل أصبح حصار ريف حلب الشمالى قاب قوسين أو أدنى، والغريب أن تلك القوات تقدمت في مناطق محاذية لمناطق سيطرة “داعش” ولم تندلع أي اشتباكات كبيرة بين الطرفين”.
تقول صحيفة التليغراف إن: “الإصابات التى استقبلها العاملون بالمجال الطبي في حلب الأسبوع الماضي لم يشاهد مثلها من قبل ما تسبب في نوبات بكاء وانهيار عصبي”.
المخطط الروسي
وقد كشفت محافل عسكرية إسرائيلية، النقاب عن أن روسيا تهدف من خلال تدخلها في سوريا إلى تقسيمها لمنطقتي سيطرة، إحداهما تحت سيطرة نظام بشار الأسد، والأخرى تحت سيطرة تنظيم الدولة، ونقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب، قولها إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن بقاء تنظيم الدولة على جزء من الأراضي السورية يخدم المصالح الروسية ومصالح نظام الأسد، لأنه يوفر شرعية دولية لمواصلة بقاء حكمه، وأوضحت المحافل أن تشديد القصف الروسي على حلب والأطراف الشمالية للاذقية يأتي لتوسيع رقعة وجود النظام، ولكي يكون هو الطرف الذي يكون على تماس مباشر مع تنظيم الدولة.
أما موقع ديبكا الاستخباري فرأى أن: “روسيا تسعى لحسم معركة حلب استباقًا لأي مواقف تركية سعودية”، والأكيد أن الإستراتيجية الروسية تسعى لتثبيت قوة روسية في الشرق الأوسط.
التدخل الإسلامي والصلف الإيراني
أمام هذه التطورات الخطيرة في حلب، أبدت السعودية استعدادها للتدخل بقوات برية إلى سوريا، في وقت كشفت موسكو عن حشد تركي لقواتها على الحدود الشمالية مع سوريا.
ومن المنتظر أن تبدأ السعودية وتحالف واسع من الدول الإسلامية، مناورات عسكرية باسم “رعد الشمال” وهي تعتبر الأضخم في تاريخ المنطقة منذ حرب الخليج.
والملاحظ أن السعودية، لن تعمل إلا ضمن التحالفات، كالتحالف العسكري الإسلامي والتحالف الدولي، وقد أكدت على استمرار دعمها لفصائل الثورة السورية، ومن جهة أخرى أكدت أنها ستواجه “داعش”، والأكيد أنها ستتدخل لضرب المخططات الإيرانية بسوريا في مقتل، كما حدث في اليمن.
التدخل السعودي إذا بات وشيكًا وهو باتفاق وتنسيق عسكري كامل مع عدة دول إسلامية وفي المقدمة تركيا، فحلب هامة لأمن تركيا الإستراتيجي، وسقوطها سيعني بروز فكرة إقامة دولة كردية في شمال سوريا وجنوب تركيا وهذا أمر لن تتسامح معه أنقرة.
وما يجب أن نعلمه أن القوات البرية الإسلامية التي ستشارك في المعارك البرية في سوريا ستكون محمية بغطاء جوي وأنظمة مضادات متطورة تحمي هذا القوات وقوات الثوار المتحالفة معها، وبالتي ستتكون تلقائيًا منطقة حظر جوي على مناطق شاسعة تسيطر عليها المعارضة في سوريا، وهو ما يعني حتمية نهاية نظام الأسد.
ولعل ما يثبت ذلك، رد الفعل الجنوني من قادة إيران وأركان النظام السوري لأنهم يعلمون أن الهدف لن يكون “داعش” فقط.
فالرد الإيراني جاء كالعادة متعجرفًا وإن كانت بوادر القلق تظهر في طياته، فقد قال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري إن “السعودية لا تملك الشجاعة لإرسال قوات برية إلى سوريا وهدد بهزيمتها إذا تدخلت”، أما اللواء محسن رضائي، سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، فقد حذر السعودية من مغبة إرسال جنودها إلى سوريا، وأن ذلك التدخل قد يشعل حربًا إقليمية، في حين قال نائب قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامي: لقد حذرنا الساسة السعوديين وهم يعلمون بأن المنطقة ستشهد حوادث مؤلمة ومفجعة إذا ما تدخلوا في سوريا.
طبول الحرب
لا شك أن التدخل البري المنتظر من عدة دول إسلامية، قد يفضي إلى حرب إقليمية واسعة، قد تتحول فيما بعد إلى حرب عالمية، والخطير أن الإعلام الإيراني يرتكز في تبرير وجود الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية على علامات الساعة لدى الشيعة المتعلقة بأرض الشام خصوصًا والمنطقة عمومًا، وهو ما يعني أن الأمر لدى إيران يتعدى الاختلاف السياسي والمفاوضات السياسية إلى حرب عقائدية تشنها في سوريا لقتل أتباع يزيد (وفقًا لعقائدهم).
كذلك التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والناتو من جهة، وروسيا من جهة أخرى قد وصل إلى مراحل خطيرة، فالحرب في سوريا تحولت إلى حرب بالوكالة في جزء منها.
ويبدو أيضا أن الصراع التركي – الروسي التاريخي عاد مجددًا، حيث قال أردوغان: الأزمة السورية لن تستمر طويلاً، والوضع سيتغير في لحظة معينة، وتركيا مستعدة لأي تطور يطرأ على الوضع في سوريا، ويجب محاسبة روسيا على من قتلتهم في سوريا، مؤكدًا أن موسكو ودمشق مسؤولتان معًا عن موت 400 ألف شخص، وروسيا ضالعة في غزو سوريا واتهمها بمحاولة إنشاء “دويلة” لحليفها القديم الرئيس السوري بشار الأسد.
أما داوود أوغلو فجاءت تصريحاته أشد؛ إذ توعد النظام الروسي بالقول: “القوات الروسية ستنهزم في سوريا وستنسحب مهزومة مكسورة كما انكسر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ونحن لدينا معلومات كاملة عن كل قذيفة وقنبلة تلقيها روسيا في سوريا، فـ 90% من قصفها هو للمدنيين والمعارضة المعتدلة”.
وقد بدأت الصحف التركية في شن حملة تدعو لإنقاذ حلب وذكرت صحيفة “ديريليش بوستاسي” التركية في صدر صفحاتها: “سوريا بلدنا وليس بلدًا آخر، يجب ألا تسقط حلب”، وهو ما يعني أن الحكومة التركية أعطت الضوء الأخضر لإعلامها في تهيئة الأتراك للمعركة الوشيكة.
نحن إذًا أمام مرحلة حاسمة من تاريخ المنطقة، ستكتب تاريخ المشرق في مرحلة ما بعد “سايكس – بيكو”، إنها معركة مصيرية للمنطقة بأكملها، ومن أجل منع مخططات التقسيم الغربية للمنطقة، لا بد من الانتصار فيها أو لا قدر الله سندفع جميعًا ثمنًا باهظًا ولن تغفر الأجيال القادمة لنا تفريطنا في حواضر العرب والمسلمين.