لطالما لعبت هوليوود دور كاتب التاريخ الحديث، أو إذا شئنا الدقة، كاتب التاريخ من جديد، وذلك عن طريق الرسائل المرسلة والتي يستقبلها اللاوعي فيما يسمى “subliminal messages” الرسائل المموهة، والتي تعمل على تشكيل لاوعي الإنسان بشكل غير مباشر، فتترسخ في عقله أفكار ومبادئ مصنوعة خصيصًا لخدمة كيانات أو أجندات معينة، لذا ترسخت صورة الهنود الحمر في أفلام هوليود بشكل كاريكاتيري ساخر تضعهم في إطار الهمج أو في إطار الشخصية الصامتة الغبية التي لا تفقه الإنجليزية ولا يمكنها التعامل مع البشر، وهي العملية التي ساعدت على إقناع المشاهد بفكرة التضحية بهم من أجل ولادة الثقافة الأمريكية الحالية، لينتهي الأمر بإمكانية السينما على مدار العديد من القرون من تحقيق القبول الاجتماعي الدولي حول قضية تصفية الهنود الحمر من أجل الحلم الأمريكي.
كان لفيلم القيامة “apocalypse” للمخرج ميل جيبسون الدور الأكبر في التبرير الأخلاقي لإبادة شعوب الآزتك والمايا في أمريكا الوسطى، بدأ الفيلم بعبارة ظهرت على الشاشة وهي “الأمم العظيمة لا يمكن أن تقهرها قوة خارجية إلا إذا كان الفساد ينخر بها من الداخل”، كان الفيلم يدور ما بين صراعات دموية شرسة انتهت بوصول سفن المستوطن الأوروبي التي يعلوها الصليب.
كُتاب الأفلام يدافعون عن أجنداتهم الخاصة بشكل أو بآخر، هناك مثلًا الرجل الوطواط، الرجل العنكبوت، فرودو في مملكة الخواتم، وكذلك هاري بوتر، اجتمعت فيهم صفة اليُتم، إنها خدع بسيطة يقوم بها مؤلفو السيناريوهات وقصص الأفلام، ربما لا يعطيها الجمهور ذلك الاهتمام ولا يمنحوها أدنى قدر من التركيز، إلا أن الجمهور يحضر المسرح أو الفيلم في صالات العرض، ويخرج بوجهة نظر جديدة تختلف عن وجهة نظره قبل مشاهدة الفيلم، ربما يكون تأثير ذلك التغيير طفيفًا، إلا أنك إذا أمعنت النظر، ستجد بأنه من الممكن مشاهدة مئات الأفلام في السنة قد احتوت معظمها على تلك الخدع الخفية، ألا تعتقد أن ذلك سيسيطر على عقلك في نهاية المطاف؟
هل يمكن أن تكون هناك خدعة وراء سلسلة أفلام المتحولون “Transforms”؟ إنها مجرد مشاهد قتالية ممتعة، هل من الممكن أن تكون هناك أجندات عالمية وراء مشاهد قتالية، بالطبع لا، ولكن يجزم الجمهور بأن هذا ما يريد مشاهدته الجميع، إنه ممتع ومثير للبعض، ولكن السؤال الأهم هنا: لماذا يريد الجمهور أن يشاهد ذلك؟ هل تبدو العمليات العسكرية أو المشاهد القتالية مثيرة إلى ذلك الحد؟ وهل يتشارك الذين عاشوا ويلات الحرب في الواقع مع ذلك الفريق المحب لمشاهدة مشاهد القتال المثيرة؟
تلميع صورة اليهودي في الصورة الغربية والتضحية بصورة العربي من أجل ذلك هو أحد أكاذيب هوليود للعالم، فالكل يعلم صورة العربي النمطية في أفلام هوليوود والتي تتمحور بين أربع شخصيات: شخصية العربي الملتحي القذر الذي يثير الرعب والاشمئزاز، أو شخصية العربي الثري الذي يلهث وراء الشهوة والمتعة، أو شخصية العربي البدوي الذي لا يعرف أي شيء عن الحضارة، أو تلك الشخصية القاهرة للمرأة، كل ذلك في سبيل شخصية اليهودي المقهور في سينما الهولوكوست، إلى شخصية الإسرائيلي المسالم في سينما الصهيونية أدى إلى ترسيخ فكرة أن العربي يجب التضحية به من أجل اليهودي كثمن لتحقيق وطن اليهود القومي، فلا يبالي الأوروبي أو الأمريكي العادي بانتهاكات الكيان الصهيوني ضد العرب.
فيلم الحرب العالمية الأخيرة “World War Z”
يروي الفيلم حكاية وباء فيروسي مدمر ينتشر في العالم ويحول كل من يصاب به إلى “زومبي” مسعور متعطش للدماء، ويذهب البطل إلى إسرائيل، وإسرائيل هي إحدى الدول التي تحتوي على جدار عازل، جدار الفصل العنصري، ويروي الفيلم أن إسرائيل استطاعت بناء الجدار قبل تفشي الوباء بأسبوع، كما تم التركيز في الفيلم على أهمية وجود الجدار في إنقاذ كيان دولة إسرئيل وحماية الكيان الصهيوني.
لا يمكنك مع سينما هوليوود أن تعرف الخيال من الحقيقة، فلديك خيار من بين اثنين، إما أن تسرد نصوص تاريخية على أولادك لتعليمهم الحقائق التاريخية، والتي من الممكن أن يجدوها مملة، أو أن تشاهد معهم أحد أفلام هوليوود التي ستخلط الخيال بالحقيقة، وتقنعك بالخيال على أنه حقيقة، وتطمث بعض الحقائق من أجل مصالح أو أجندات معينة، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار عندما تشاهد تلك الأفلام مع أولادك، بأنها صُممت خصيصًا للتحكم في عقلك، وستخبرك بطريقة غير مباشرة كيف لك أن تتصرف وكيف يكون أسلوبك في الحياة.
قديمًا كانت كلمة أسطورة هي صورة أخرى لكلمة كذبة، إلا أن مصطلح أسطورة في بعض الأحيان يكون صورة أخرى من صور الحقيقة، وربما الفيلم الذي شاهدته أنت البارحة هو أحد تلك الأفلام التي تخدم تلك الأساطير العالمية، والتي تربينا عليها بأنها مجرد خيال، فيما يمكن أن تكون تلك الأسطورة هي مجرد خدعة من ضمن خدعات هوليوود السينمائية التي لا يلحظها المشاهد بعد أن تم اختراق اللاوعي الخاص به بدلاً من المرة ألف مرة.