من يسمع بالمبالغ المالية الكبيرة التي تتردد بعد كل مؤتمر مانحين لللاجئين السوريين ,أو الدول التي تساعد اللاجئين بشكل فردي يصاب بالهول من حجم المبالغ المالية الممنوحة، فلو جمعنا المبالغ كلها قد نجد أن الأموال قاربت إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي لسوريا لعام 2010 البالغ نحو 64 مليار دولار.
في المؤتمر الأخير في لندن تعهدت الدول المانحة بمنح أكثر من 10 مليار دولار , حضر المؤتمر 60 دولة من بينهم 30 من الزعماء الدوليين كما حضر دول جوار سوريا التي تستقبل لاجئين سوريين على أراضيها، وقد تعهدت ألمانيا ب 2.6 مليار دولار وبريطانيا 1.7 مليار دولار وأمريكا ب 92 مليون دولار خصص معظمها للغذاء والمأوى. علما أن اجتماع المانحين هذا ركّز على التعليم وإيجاد عمل ل 4.6 مليون لاجئ سوري في دول الجوار تركيا ولبنان والأردن.
تزامن عقد المؤتمر مع فشل ما سمي ب”مفاوضات جنيف 3″ بين المعارضة والنظام وبدء حملة شرسة من قبل القوات الروسية في الجو والقوات الإيرانية والنظام على الأرض لتوسيع مناطق نفوذ النظام على حساب المعارضة في حلب وريفها, ما أدى لتهجير الآلاف من أهالي ريف حلب الشمالي هربا من الموت والقصف الروسي الذي لم يسبقه مثيل، وحسب رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو” فإن ما يقدر بنحو 70 ألف سوري فروا من القصف متوجهين صوب المعابر التركية يعيشون ظروفا إنسانية صعبة جدا في العراء قد تصل درجات الحرارة إلى الصفر. فإذا كانت كل تلك الأموال مُنحت للاجئين فإن أولئك الأمواج من البشر على الحدود التركية الهاربين من الموت و الذين يعيشون في العراء أجدى بمساعدتهم بأقصى سرعة وتوجيه المعونات لهم! والجدير بالملاحظة أن تركيا تستضيف 2.5 مليون لاجئ سوري وهم أكبر عدد من اللاجئين السوريين تستقبله دولة واحدة.
فأين تذهب تلك الأموال؟
تواجه الأموال التي تتبرع بها الدول المانحة عدة معوقات لعدم وصولها إلى اللاجئين السوريين مباشرة وبشكل كامل، في عام 2015 مثلا لم يتم توفير سوى 43% من 2.9 مليار دولار تعهدت بها الدول المانحة للأمم المتحدة في مؤتمر 2015.
وعليه فإنه لا يجب الانبهار كثيرا بحجم الأموال الممنوحة للاجئين، فليس بالضرورة أن تصّدر تلك الحكومات تلك الأموال التي تعهدت بها لعدة أسباب قد تتعلق بأزمات ومشاكل اقتصادية تعانيها.
كما أن معظم الأموال الممنوحة تذهب إلى مؤسسات كبيرة تابعة للأمم المتحدة مثل برنامج الأغذية العالمي؛ الذي يحصل على معظم تلك الأموال و يستخدمها في توفير سلال غذائية داخل سوريا وكوبونات صرف الغذاء التي يتداولها اللاجئون لشراء الغذاء في الأردن ولبنان.
ولدى سؤال نون بوست لأحد العاملين في المجال الإغاثي عن كيفية صرف الأموال المقدمة لصالح اللاجئين أفاد أن هناك أكثر من طريقة: فالدول المانحة تعطي الجزء الأعظم من الأموال الممنوحة لمؤسسات الأمم المتحدة مثل UNHCR, UNCIEF, WFP التي تعمل على التعاقد مع شركات ومؤسسات تعمل في الداخل السوري لتأمين الغذاء وشحنه بالتعاون مع مؤسسات سورية ودولية عديدة من قبيل الهلال الأحمر التابع للنظام السوري، أما الطريقة الثانية فهناك مؤسسات ليست تابعة للأمم المتحدة مثل Save the children, Care, Mercy corps, World vision تقوم بتجهيز مشاريع للدول المانحة والأمم المتحدة للحصول على جزء من الأموال الممنوحة للاجئين ومن ثم تعمل على تنفيذ المشاريع في الداخل أو في دول الجوار سواء بشكل مباشر أو عن طريق شراكات مع مؤسسات سورية منفذة لتوزيع المعونات الغذائية والمياه والدواء وإنشاء المخيمات.
بالطبع تأخذ كل المؤسسات الثانوية غير التابعة للأمم المتحدة نسب مالية معينة ومتفق عليها مع الجهة المانحة قد تصل في بعض الأحيان إلى 10% من أصل المبلغ تذهب كمصاريف إدارية من رواتب وأجور وإقامة ومستلزمات لوجستية وما إلى هنالك.
والمعروف أن الهلال الأحمر السوري هو مؤسسة تابعة للنظام السوري ومع ذلك في حال وجود مساعدات أممية فإنها تمنح له من أجل توزيع المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها النظام للنازحين في أحياء دمشق وحمص وحماه وحلب والساحل، والسبب في هذا أن النظام لا يزال تحت مظلة الأمم المتحدة ومعترف فيه دوليا.
وهنا يطرح السؤال التالي إذا كانت كل هذه الأموال تذهب للأمم المتحدة فكيف تصرف وما هو قدر المساعدات التي تُنفق بالفعل على المشروعات التي تذهب لصالح اللاجئين، في تقرير قامت به شبكة بي بي سي حول نفس الموضوع تبين معها أن نحو نصف الأموال المدفوعة من الحكومات تذهب إلى المشروعات والباقي يذهب بين مانسبته 7% إلى مقر الأمم المتحدة و 15% تدفع لتغطية تكاليف الموظفين والسيارات والمكاتب الخاصة بالوكالة التابعة للأمم المتحدة وتخصص نسبة 25% لتغطية تكاليف مباشرة للمؤسسة الخيرية أو المجموعات الأخرى وما يتبعها من موظفين وسيارات وأمن وما إلى ذلك، فضلا عن تخصيص 5% كمصاريف للمقاول في حال إعطاء المشروع لأداء العمل المنوط بالهيئة تنفيذه.
أي أن نصف المبالغ المالية التي تعطيها الحكومات المانحة للاجئين تذهب للمصاريف و”ما أكثرها من مصاريف” وحسب العديد من العاملين في المجال الإغاثي فإن مجرد البحث في تفاصيل الميزانية؛ إلى أين وكيف تصرف الأموال فإن هذا الأمر حسب قول أحدهم ” نحن نضرب رؤوسنا بالحائط عندما نبحث في هذه القضية” لتعقيدها وكثرة دهاليزها وقلة الشفافية من قبل الأمم المتحدة بخصوص بيانات الميزانية بشكل مفصل.
فوكالة الأمم المتحدة هي منظمة عملاقة وتخضع معظم أعمالها لعقود مبرمة مع مؤسسات خيرية ومجموعات أخرى، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين هي المخولة بالنهوض بشؤون اللاجئين؛ ففي الأردن ولبنان وتركيا تسجل المفوضية جميع الوافدين وتدير مخيمات لجوء مثل مخيم الزعتري فضلا عن توزيع أموال نقدية وكوبونات غذائية على اللاجئين لشراء ضرورات الحياة اليومية.
يقول أحد العاملين في مخيم الزعتري لموقع بي بي سي أن هناك سلسلة من العقود التي تبرمها المفوضية مع المؤسسات الخيرية بغية تنفيذ مهام نيابة عنها وقد تستعين إحدى المجموعات بمقاول محلي لأداء أعمال بالفعل على الأرض وكل حلقة من هذه السلسلة تحصل على نصيب من الأموال من أجل تغطية النفقات والمهام الإدراية.
كما أن هناك مشتريات فردية للمنظمة ُسجلت ما يزيد عن 100 ألف دولار , إلا أن ما هو غير معلن هو البيانات التفصيلية للميزانية التي تشير بالضبط إلى كيفية استخدام المساعدات المالية في الأدرن.
وفي النهاية يبدو أن المؤسسات العاملة في المجال الإغاثي وكل ما يلحق بها من عاملين وكوادر يستفيدون أكثر من اللاجئ السوري الذي من المفترض ان الأموال قد جُمعت من أجله.