وافق وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي “ناتو” أمس الأربعاء على تعزيز وجود الحلف على طول حدوده الشرقية، جاء ذلك خلال إعلان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أن الموافقة على تعزيز وجود الناتو شرقا يستهدف بالأساس ردع العدوان الروسي، و”سيبعث برسالة واضحة مفادها أن الحلف سيرد على أي اعتداء على أي حليف”.
فيما يؤكد وزراء دفاع الحلف أن روسيا اتخذت خطوات مؤخرًا من شأنها الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وضرب الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي في سوريا، فيما أكدت دول الحلف أن ما تقوم به روسيا يتطلب ردًا قويًا من الناتو، دون أن يتم توضيح ماهية هذا الرد.
اتفق الحلف على مجموعة إجراءات متعلقة بزيادة وجود الناتو في دول أوروبا الشرقية المنضوية تحت لواء الحلف لمواجهة ما أسموه العدوان الروسي المتكرر، كما خرج الاجتماع الأول لوزراء دفاع دول الحلف في بروكسل حاملًا اعترافًا صريحًا بأن الحملة الجوية الروسية تستهدف الحفاظ على بشار الأسد وليس محارية داعش كما تتدعي روسيا، وقد أكد وزراء دفاع الحلف أن روسيا تستهدف بغاراتها المعارضة المسلحة المعتدلة، وهو ما ساهم بشكل أساسي في تقويض الجهود التفاوضية من أجل الوصول إلى حل سياسي.
قرارات الناتو كانت طبيعية فيما يتعلق بزيادة قواته على الحدود المتاخمة مع الروس، حيث تستمر هذه التحركات للحلف منذ عام ونصف تقريبا، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014، و استمرارهجوم الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا.
حيث ضاعفت الولايات المتحدة أربع مرات دفعة واحدة النفقات الهادفة إلى تعزيز الوجود الأميركي في أوروبا، وذلك عبر نشر معدات قتالية ثقيلة تلائم فرقة أميركية من 15 ألفا إلى عشرين ألف عنصر، بالإضافة إلى نشر الحلف ما بين 3200 وأربعة آلاف جندي في دول شرق أوروبا لعمليات تمرين وتدريب.
كما ستقوم قوات الحلف المتعددة الجنسيات بإقامة مراكز لوجستية ونشر معدات وإرسال مقاتلات إلى دول البلطيق لتعزيز التواجد العسكري للحلف بها، ونشر مزيد من البوارج في بحر البلطيق.
كل هذا لم يكن مستبعدًا بل توقعه جميع الخبراء العسكريين، لكن إجراءات أخرى اتخذها وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي ستكون غير مسبوقة في حال تأكيدها في إطار الصراع مع موسكو، حيث طلبت أمريكا بمساهمة فعالة من الحلف في التحالف الدولي الذي تقوده ضد داعش، وقد طلبت الولايات المتحدة مطلبًا محددًا وهو دعم بطائرات إنذار مبكر” أواكس” إلى سوريا لتقديم المساعدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
طائرات ” أواكس” هذه تستطيع مراقبة المجال الجوي على مسافات تتجاوز 400 كيلومتر بفضل رادارات قوية على متنها، بالإضافة إلى تقديمها المساعدة في ضمان الاتصالات اللاسلكية بين القيادات الموجودة في الجو والبر والبحر.
الموافقة المبدأية جاءت من دول حلف الناتو، وهو ما عده البعض انضمامًا رسميًا من الناتو إلى عمليات التحالف الدولي في سوريا، حيث كانت دول عدة منضوية تحت لواء الحلف تُشارك بصورة فردية، أما هذا القرار أطلقت عليه وسائل الإعلام “تدشين الجبهة السورية” لدى حلف الناتو في مواجهتها مع موسكو.
إرسال طائرات “أواكس”، التي تعمل كمراكز قيادة وتحكم من الجو، بات في حكم الحاصل. القرار سيعلن لاحقًا بشكل رسمي، ليبقى نشرها بيد المخططين العسكريين. فيما يعني أنه تأكيد على مقدمة للتصعيد في العمليات الجوية وعدم ترك ساحة الأجواء السورية فارغة تمامًا لطائرات موسكو.
وجود موسكو “يغير التوازن الاستراتيجي” في المنطقة، هكذا كان يتحدث وزراء دفاع حلف الناتو الذين قرروا الدخول بشكل رسمي إلى المعركة في سوريا من نفس الباب الذي دخلت منه روسيا وهو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وما يؤكد هذا الاتجاه هو اتخاذ هذا القرار الأطلسي قبيل اجتماع وزراء دفاع التحالف الدولي ضد داعش الذي يضم دول الحلف الثماني والعشرون والذين سينضم إليهم وفق الإعلانات الأمريكية، 26 دولة أخرى.
هذه هي المرة الثانية التي يكون فيها اجتماع التحالف الدولي ضد داعش في ضيافة الأطلسي وبتنظيم من واشنطن، وهو ما يعني أن خطوة أكثر جدية ستتخذ في الميدان السوري، بعد طلب تركيا أيضًا وهي أحد دول الحلف تقديم مساعدات من الناتو إليها في مواجهة موجة الهجرة واللاجئين، أي إنه تصدير تركي للأزمة إلى دول الحلف والتحالف الدولي ضد داعش لإيقاف موجة النزوح التي بدأت بفعل القصف الجوي العنيف على المدن السورية الشمالية.
كانت هناك محاولات تركية مضنية في الفترات الماضية دخلت في صدامات أحيانًا مع بعض دول الحلف، وذلك لإجبار الناتو على تحمل أعباء أي تهديد روسي محتمل على الأراضي التركية، كان من بين المطالب التركية في السابق إعادة الأنظمة المضادة للصواريخ والدفاع الجوي “باتريوت” إلى أراضيها مرة ثانية، على خلفية تأكيد تركيا اختراق مقاتلة روسية لأجوائها، يوم نهاية شهر يناير الماضي، في الوقت الذي أنكرت فيه موسكو الواقعة.
وما زالت تنتظر تركيا من الولايات المتحدة، وألمانيا التي توجد لها قوات عسكرية في قاعدة “إنجيرليك” العسكرية الاستراتيجية، جنوب تركيا، جوابًا بشأن نشر بطاريات الباتريوت، وكان حلف الناتو، قد أصدر قرارًا يقضي بنشر منظومة الباتريوت في الأراضي التركية، بعد حادثة إسقاط تركيا لمقاتلة سوخوي روسية؛ قالت إنها اخترقت أجواءها، في شهر نوفمبر من العام 2015.
الحلف باستعدادته الحالية للتوجه صوب سوريا وشرق المتوسط لمواجهة التوغل الروسي، رفض بصورة قاطعة إجراء أي تنسيق مع الروس، بحيث استبعد الحلف التنسيق بين التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة و الحملة العسكرية الروسية، مع إبقاء حد أدنى من التنسيق التقني لحماية المقاتلات في الأجواء ولأغراض السلامة ليس إلا.
تطوير قدرات الحلف العسكرية بالقرب من سوريا يمكن أن يأتي في إطار قبول تدخل بري تركي – عربي ربما يحسمه لقاء وزراء التحالف بشكل رئيسي، ومن المقترح أن يتم هذا الأمر عبر طرح عدة أسئلة على الجانب السعودي والتركي والإماراتي للنظر في دعم الخطوة مع عدمه.
وما يجعل أيضًا فرص الربط واسعة بين قرار الحلف فتح الجبهة السورية ونية الرياض المساهمة بحملة برية في سوريا، أن وزراء الدفاع في دول الحلف كانوا يرددون دومًا أنه على البلدان العربية التحلي بالمسؤولية والسعي إلى دور أكبر في عملية الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهو دعوة صريحة للتدخل البري بلا شك تحت غطاء السلاح الجوي للتحالف الذي لم يؤثر على الأرض بالشكل المطلوب بسبب عدم وجود قوات برية تحصد نتائج القصف الجوي.
في الوقت الذي يعتبر فيه يانس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، إن الحشد الروسي الكبير في سوريا وشرق المتوسط يغير التوازن الاستراتيجي في المنطقة، معتبرًا أن ذلك خلق أوضاعًا خطيرة مع انتهاكات لأجواء الناتو والمجال التركي، بينما ترد روسيا دائمًا بأنها لا تعترف بما يُمسى أجواء حلف الناتو، وإنما تعترف فقط بالمجال الجوي لكل دولة على حده كما ينص القانون الدولي.
كما تأتي تحذيرات على لسان وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، لروسيا من أن ميزان القوى يمكن أن يتغير، بين مرحلة وأخرى، مؤكدًا أن الشعور بالقدرة على تحقيق حسم عسكري يبقى وهمًا لأنه سيحتاج إلى خمس سنوات أخرى من الحرب لكي يُعرف مصير هذا الحسم، وهذه بلا شك رسالة أخرى موجهة للروس فيما يتعلق بأن منع عملية الحسم في سوريا سيكون غربيًا.
هذا ويرى البعض وجهة نظر مغايرة ترى أن تقديم حلف الناتو مساعدات عسكرية على الحدود السورية تضم طائرات اعتراضية ونظام الإنذار المبكر إضافة لفرقاطات مزودة بصواريخ مضادة للسفن والطائرات، لا يمكن ربطها إلا بالتوتر الحادث بين أنقرة وموسكو دون وجود نية للتصعيد أكثر من ذلك، لكن هذه التساؤلات المتعلقة بما ينتويه الحلف ربما تجيب عليه الأيام القادمة.