ماذا تعرف عن التعاون الخفيّ بين إيران وإسرائيل؟

يخفي الخطاب العدائي المتبادل بين إيران ودولة الإحتلال الإسرائيلي خلفه تاريخًا من الكواليس المثيرة للجدل بين البلدين، حيث كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإحتلال بعد تأسيسها، وما بين وصف إسرائيل لإيران بـ”النازيين الجدد” والردّ الإيراني بوصفها إسرائيل بـ”الشيطان الأصغر”، تاريخ يؤكد أن الغريمين طالما جمعتهما المصالح المشتركة.
رغم أن الظاهر على السطح هو وجود عداء صارخ بين طهران وتل أبيب، إلا أن الكاتب الأمريكي “تريتا بارسي” كان له رأي آخر عام 2008، حيث ألف كتابا حول العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية بعنوان “التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية”، كذب من خلاله ما أسماها “الأسطورة الزائفة” عن التنافس الإسرائيلي – الإيراني.
أحدث الكتاب ضجّة في العالم في تلك الفترة، لأنّ الكاتب “تريتا بارسي” أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “جون هوبكينز”، الّذي حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من نفس الجامعة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية، كشف طبيعة العلاقات و الإتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران – أمريكا) خلف الكواليس، ويكتسب كتابه أهميّة كبرى من خلال المصداقية التي يتمتّع بها الخبير “بارسي” في السياسة الخارجية الأمريكية “خاصّة وأنه كان يرأس وقتها المجلس القومي الإيرانى-الأمريكي، بالإضافة إلى أنّه الكاتب الأمريكي الوحيد تقريبا الّذي استطاع الوصول إلى صنّاع القرار على مستوى متعدّد في البلدان الثلاث أمريكا، إسرائيل و إيران.
وقد استند الكاتب لدعم استنتاجاته الّتي توصّل إليها في كتابه، إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، إيرانيين و أمريكيين رفيعي المستوى و من أصحاب صنّاع القرار في بلدانهم، إضافة إلى العديد من الوثاق و التحليلات و المعلومات المعتبرة و الخاصة.
وشدد بارسي في كتابه على وجود تعاون استخباراتي وصفقات أسلحة ومحادثات سرية بين طهران وتل أبيب، موضحا أن إسرائيل وإيران يمثل كل منهما للآخر حليف خارجي محتمل.
ويضيف الكاتب الأمريكي، أنّه وعلى عكس التفكير السائد، فإن إيران و إسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، شارحا في الوقت نفسه هذه المقولة و يكشف الكثير من التعاملات الإيرانية – الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس و التي لم يتم كشفها من قبل، ومؤكّدا في سياقه التحليلي إلى أنّ أحداً من الطرفين (إسرائيل و إيران) لم يستخدم أو يطبّق خطاباته النارية، فالخطابات في واد و التصرفات في واد آخر معاكس.
لن نطيل الحديث كثيرا عن محتوى الكتاب الّذي يعدّ مرجعا لكلّ الباحثين في العالم ولكلّ من أراد دراسة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية وفق حقائق علمية ووثائق سرّيّة ومقابلات شخصيّة، لكن كفى من القلادة ما أحاط بالعنق.
إنّ قصّة دعم إسرائيل لإيران أثناء حرب الخليج الأولى مشهورة متواترة عند المطلعين على تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث قدّرت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى إيران إجمالاً بـ 500 مليون دولار أمريكي في الفترة من عام 1981 إلى 1983 وفق ما ذكره معهد جيف للدراسات الإستراتيجية، وقد تم دفع معظم هذا المبلغ من خلال النفط الإيراني المقدم إلى إسرائيل، ووفقًا لـ”أحمد حيدي” تاجر الأسلحة الإيراني الذي يعمل لصالح نظام الخميني وقتها، فإنّ 80% بالكاد من الأسلحة التي اشترتها طهران” بعد شن الحرب مباشرةً أنتجت في إسرائيل.
كما ذكرت صحيفة “هاآرتس” العبرية، تقريرا داخليا لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أوضح أن إسرائيل حافظت على علاقات “صناعية- عسكرية” مع إيران تمّ بموجبها تزويد إيران بـ 58000 قناع للغازات السامة من شركة “شانون للصناعات الكيماوية” بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بالإضافة إلى كاشفات للغازات من قبل شركة “إيلبت” تستعمل لغرض الكشف عن عوامل الأسلحة الكيماوية.
في الأخير لا يمكننا أن نختم مقالنا لدعم طرحنا من أنّ الحرب بين البلدين لا تتعدّى أن تكون صيحات وتهديدات إعلامية بين البلدين من هنا ومن هناك، إلّا بما أكّده نائب رئيس الموساد والمدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق ديفيد كيمشي في 22 أكتوبر 2004، أنّ “أمن إسرائيل كان مهددًا وشعرنا أننا قد نفعل كل شيء لمنع العراق من الإنتصار في الحرب ضد إيران، وكنا على يقين أنّ الأسلحة المقدمة من جانبنا لإيران لا يمكن أن تستخدم يومًا ضد إسرائيل”.