شارك في هذا المقال راغب صويلو
يدّعي بشار الأسد وروسيا أنهما في حالة حرب مع تنظيم الدولة الإسلامية، لكن منشأة للغاز في شمال سوريا يسيطر عليها التنظيم تشير بشكل واضح إلى وجود علاقات بينه وبين وروسيا ونظام الأسد. ووفقًا لمسؤولين أتراك وثوار سوريين، هذا الموقع أيضًا دليل على التعاون بين تنظيم الدولة الإسلامية وشركة الطاقة الروسية التي لها علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تقع منشأة الغاز “توينان” على بُعد 60 ميلًا في الجنوب الغربي من عاصمة تنظيم الدولة في محافظة الرق؛ وهي أكبر منشأة من نوعها في سوريا. وتمّ بناؤها من قِبل شركة البناء الروسية “سترويتراتسغاز”، التي يملكها الملياردير الروسي “غينادي تيمتشينكو” المقرّب من بوتين. وترتبط هذه الشركة الروسية بالكرملين بشكل وثيق، وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على الشركة وغيرها من الشركات التي يملكها “تيمتشينكو”، لمشاركتها في أنشطة “مرتبطة بشكل مباشر مع بوتين”، بعد أزمة أوكرانيا.
قصة منشأة الغاز المثيرة للجدل تشمل نظام الأسد، وتنظيم الدولة الإسلامية، ورجال أعمال روس من أصل سوري، وجماعات من المعارضة المعتدلة، وسعت جميع هذه الأطراف لتفعيل المنشأة من أجل المزايا المالية واللوجستية التي يمكن أن توفرها لهم.
وكانت الحكومة السورية قد منحت عقد بناء المنشأة إلى شركة “سترويترانسغاز” في عام 2007. واستفادت من هذه الإنشاءات شركة المقاولات السورية “هيسكو” التي كان يملكها رجل الأعمال الروسي السوري جورج حسواني. وفي أكتوبر الماضي، فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات بتهمة التوسط في مبيعات النفط بين تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد، لكنه ينفي هذه التهم.
تذهب الشراكة بين شركتي هيسكو وسترويترانسغاز إلى ما هو أبعد من مجرد صفقة واحدة. حيث عملت الشركتان في مشاريع مشتركة في السودان، والجزائر والعراق والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2000، ذلك وفقًا لشقيق زوجة حسواني، يوسف عربش، الذي يدير مكتب هيسكو في موسكو.
واستمر البناء بشكل بطيء إلى أن سيطرت فصائل من المعارضة السورية في عملية مشتركة مع جبهة النصرة على المنشأة في يناير عام 2013. وقال أبو خالد، وهو عضو في “لواء قيس القرني” التابع لقوات المعارضة، إنهم “عندما دخلوا المنطقة كان المهندسون والمستشارون الروس قد فرّوا بالفعل، تاركين الموظفين السوريين ورائهم”. وأضاف: “لقد قررنا حماية المصنع. واعتقدنا أنه يعود إلى الشعب السوري بما أنه كان للحكومة السورية”.
ومع بداية عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على المنشأة. وقال مسؤول تركي رفيع المستوى إنه بعد الاستيلاء على المنشأة، واصلت شركة سترويترانسغاز بناء المنشأة من خلال شركة المقاولات هيسكو، بإذن من تنظيم الدولة الإسلامية. وادّعى أيضًا أنَّ المهندسين الروس كانوا يعملون في المنشأة لإنجاز المشروع”.
ونشرت صحيفة “تشرين” الحكومية تقريرًا يثبت هذا الادّعاء. وفي يناير عام 2014، بعد أن تمّ الاستيلاء على المنشأة من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية، نقلت الصحيفة عن مصادر في حكومة النظام إن “شركة سترويترانسغاز قد أكملت 80 % من المشروع ومن المتوقع أن يتم تسليم المنشأة للنظام خلال النصف الثاني من العام”. لكنَّ التقرير لم يذكر أن هذا المشروع كان تحت سيطرة التنظيم.
ووفقاً لـ “ديفيد باتر”، وهو زميل مشارك في معهد تشاتام هاوس في لندن، والذي رأى رسالة خطيّة من جورج حسواني يشرح فيها تفاصيل المشروع، فإنَّ المرحلة الأولى من الإنتاج في المنشأة بدأت في نهاية عام 2014، وأصبحت تعمل بكامل طاقتها خلال عام 2015. وقال باتر: “بعض الغاز الطبيعي يذهب إلى محطة توليد الكهرباء في حلب، التي تعمل تحت حماية تنظيم الدولة الإسلامية، ويتم ضخ ما تبقى إلى حمص ودمشق”.
ويقول القيادي أبو خالد إنَّ “المهندسين الروس مازالوا يعملون في المنشأة، وأنَّ حسواني قد توسط في صفقة بين الدولة الإسلامية والنظام السوري لتبادل المنفعة من إنتاج الغاز في هذه المنشأة”. وأضاف: “سمح تنظيم داعش للشركة الروسية بإرسال مهندسين وأفراد طاقم عمل في مقابل حصة كبيرة من الغاز وابتزاز المال”، وعزا هذه المعلومات لقادة في قوات المعارضة التي تقاتل “تنظيم الدولة” بالمنطقة، وأردف: “موظفو الشركة الروسية كانوا يبدلون مناوبة العمل عن طريق القاعدة العسكرية في محافظة حماة”.
رفض حسواني مزاعم وزارة الخزانة الأمريكية بأنه كان يعمل كوسيط في الصفقات النفطية بين تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد. لكنه لم ينكر عمل شركة هيسكو المستمر على منشأة الغاز بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية عليها.
وذكرت تفاصيل صفقة حقل “توينان” بين تنظيم الدولة الإسلامية وشركة هيسكو لأول مرة في الموقع الالكتروني السوري “الرقة تُذبح بصمت” في أكتوبر عام 2014. وذكر الموقع أن “هيسكو وقّعت على اتفاق مع تنظيم الدولة الإسلامية ووعدته بترك جزء كبير من المنافع له. وفي نوفمبر عام 2015، ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أنَّ الغاز المنتج في المصنع تمّ إرساله إلى محطة توليد الكهرباء الحرارية التي يسيطر عليها التنظيم في حلب. وينص الاتفاق على إرسال 50 ميجاوات من الكهرباء للنظام، في حين تلقى التنظيم 70 ميجاوات من الكهرباء و300 برميل من المكثفات. وقال المهندسون الذين يعملون في المصنع للصحيفة إن “هيسكو ترسل لتنظيم الدولة الإسلامية ما يقرب من 50 ألف دولار شهريًا لحماية معداتها القيمة”.
وفي حين لا تزال سوريا ممزقة سياسيًا، تدل الصفقة في منشأة الغاز على أن الأطراف المتناحرة مازالت تقوم باتفاقيات اقتصادية وسط الحرب. وفي هذا السياق، يقول “آرون لوند”، رئيس تحرير موقع مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، إن “هناك ترتيبات مماثلة تخص الغاز والنفط في جميع أنحاء سوريا. توجد هذه الترتيبات بين داعش والنظام، وبين داعش ومنافسيه من الثوار العرب السُنة، وبين الأكراد والنظام، وبين الأكراد والثوار، وبين الثوار والنظام، وغيرهم. وأضاف: “هناك الكثير من الاتصالات التجارية غير الرسمية التي ظهرت بين الجماعات المسلّحة والمهربين، أو الأعمال الخاصة لسد الفجوات بين مختلف الأطراف في ظل تقطع أوصال الدولة، بينما يجب أن تبقى المؤسسات الوطنية والبنى التحتية وجزء كبير من الاقتصاد مشترك بالضرورة”.
المصدر: فورين بوليسي – ترجمة إيوان 24