يُقاس مدى التزام أي دولة بسيادة القانون ومبادئ الديمقراطية من خلال التزامها بإنهاء مبدأ الإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين المتهمين بارتكاب الجرائم الوحشية. ولذلك، هناك حملات تطالب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في دور مصر في الفظائع التي تحدث كل يوم في فلسطين.
عندما تتصرف الدولة بطريقة غير لائقة ودون أي معارضة، يُطلّ علينا مبدأ الإفلات من العقاب بوجهه القبيح. ويمكن قياس ذلك على مستوى الأفراد أيضًا.
من خلال عدم تحدي هذا السلوك، يتم إرسال رسالة إلى الجاني بأنه سيتم غرض الطرف عما تفعل. وبالتالي، يمكن تفسير ذلك على أنه تصريح ضمني، ومن ثمّ يمكن النظر إلى المؤيدين لهذه الأفعال باعتبارهم وسطاء.
هذا الموقف لا يتغيّر عند التعامل مع الفرد أو على مستوى الدولة، وللأسف هذا هو بالضبط ما نراه عندما ننظر إلى مصر والخطوات التي اتخذتها منذ الإطاحة بمحمد مرسي.
سياسة قاسية تجاه قطاع غزة
هناك الكثير من القضايا التي يجب على المجتمع الدولي مواجهتها ومعالجتها على نطاق واسع عندما ننظر إلى مصر.
أحداث مثل مجزرة رابعة العدوية وميدان النهضة، والمحاكمات الجماعية، وأحكام الإعدام المفروضة على المعارضين السياسيين، هي أحداث تستحق إدانة صريحة واتخاذ إجراءات مناسبة. ولكن للأسف، لم يحدث ذلك.
ثمة قضية أخرى لم تتلق نفس المستوى من التغطية الإعلامية ولكنها مزعجة من حيث عواقبها؛ وهي سياسة مصر القاسية على الحدود مع قطاع غزة.
في 25 يناير، قدّمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة ملفان لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، تطلب فيها بفتح تحقيق رسمي في قضيتين منفصلتين: القضية الأولى تتعلق بإغلاق معبر رفح الحدودي أثناء وبعد عملية “الحافة الواقية” مما أدى إلى معاناة كبيرة للسكّان المدنيين وإلى تفاقم الأزمة الإنسانية المترديّة بالفعل. وتتعلق القضية الثانية بــ “فيضانات” مياه البحر على المنطقة الحدودية، والمعروفة باسم ممر فيلادلفيا. تبرر مصر هذا عن طريق الإشارة إلى أنه يتم إنشاء “منطقة عازلة”، وبالتالي فهذا مطلوب لدواعٍ أمنية.
ولكن الحقيقة هي أنها تلحق الضرر بالأراضي الصالحة للزراعة بشكل دائم، وتؤدي هذه الفيضانات إلى تلويث المياه الجوفية العذبة التي يعتمد عليها الكثير من سكّان غزة، مما يسبب عواقب كارثية على السكّان المدنيين. إنها جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما إذا كانت تحدث عن عمد.
هذه مجرد أمثلة على مبدأ الإفلات من العقاب التي ترى مصر أنه يمكن أن تعمل من خلاله. ويتأثر العشرات إن لم يكن مئات الآلاف من المدنيين في غزة بهذه السياسات ذات العواقب الكارثية.
ضرر لا يمكن إصلاحه
مما لا شك فيه أن مثل هذه الإجراءات سوف تسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه، ويمكن القول إنها تجعل غزة غير صالحة للسكّن قبل عام 2020 كما ذكرت الأمم المتحدة.
لا يستطيع المجتمع الدولي تبرير غض الطرف أو التظاهر باللامبالاة تجاه مصر والجرائم التي ترتكبها.
ومن المتوقع أن يوافق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، على هذا الطلب ويبدأ في فتح تحقيق رسمي بشأن هذه الأحداث. ومن المعروف أن مصر ليست الدولة المعنية بنظام روما الأساسي.
ومع ذلك، يمكننا لمس آثار هذا التحقيق داخل الأراضي الفلسطينية، والتي، بحكم إعلانها عام 2014، دولة معنية بهذا النظام، وبالتالي تجادل بشكل مقنع بأنَّ المحكمة الجنائية الدولية لديها الاختصاص على أساس الولاية الإقليمية.
لا يمكن السماح لمصر بمواصلة العمل بحصانة تامة، تحت غطاء مكافحة الإرهاب، ولكنها في الحقيقة تحاول القضاء على كل مَن يعارض النظام الحالي.
لا يمكن القول إنه ليس هناك حالات إرهاب في مصر. ومع ذلك، هذا لا يبرر تصرفاتها تجاه قطاع غزة ويعمل على تعقيد الحالة المتردية بالفعل للسكّان هناك.
أدى إغلاق معبر رفح إلى عدم قدرة آلاف من الهروب من الحملات العسكرية خلال عملية الحافة الواقية، وبالتالي منعهم من الحصول على الرعاية الطبية. كما تمّ منع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة حيث هناك حاجة واضحة وملحة، والأكثر من ذلك، أنه لا تزال العائلات مشرذمة، مع وجود أفراد من الأسرة الواحدة على جانبي الحدود.
مثل هذه الأعمال، كما ذكرنا أعلاه، لم يعد من الممكن السكوت عنها. يجيد المجتمع الدولي الخطابات المنمقة، ولكن لا يحسن التعامل مع مثل هذه التصرفات.
هناك شعور واضح بأن الدول التي تجد نفسها هدفًا لغضب المجتمع الدولي تكون هدفًا سهلًا، في حين يُسمح بازدهار الدول ذات السجلات المشينة في حقوق الإنسان.
المحكمة الجنائية الدولية، باعتراف الجميع، لا يمكن أن تسعى بالضرورة إلى مراقبة الكرة الأرضية؛ حيث يقتصر اختصاصها على الدول التي صدقت على نظام روما الأساسي. ومع ذلك، إذا كانت هناك فرصة للمحكمة الجنائية الدولية لدراسة القضية، فإنها يجب أن تفعل ذلك، وتقوم بدورها المنشود في تحقيق العدالة الدولية وملاحقة أبشع الجرائم، مثل تلك التي تتحمل مصر مسؤوليتها.
المصدر: الجزيرة – ترجمة: إيوان 24