ترجمة حفصة جوده
كان باول ملحدًا سعيدًا في زواجه الذي اعتقد أنه سيكون ممتلئًا بالحب والاهتمام في علاقة لادينية تمامًا.
كان يعتقد أن زوجته وعائلتها يفخرون بقدرتهم على التسامح والحوار الحر واحترام حقوق الآخرين في أن يفعلوا ما يعتقدونه طالما لا يجورون على حقوق الآخرين.
ولكن عندما اعتنق باول الإسلام, وبالرغم من احتفاظه بدينه الجديد مكبوتًا داخله, بلا أي مظاهر حقيقية خارجية تدل على هذا الإيمان, لم تتحمل شريكته “المنفتحة جدًا” الحياة مع هذا التغيير وقامت بتطليقه وتركته منكسر القلب.
كانت هذه واحدة من أهم القصص التي استمعنا إليها في دراسة الأستاذ الجامعي ياسر سليمان بجامعة كامبريدج, عن الأسباب التي تجعل الرجال في بريطانيا يعتنقون الإسلام والتحديات التي تواجههم.
” كانت هذه القصة من أصعب ما استمعت إليه ” يقول البروفيسور سليمان, ويكمل: “فهي تُظهر أنه في بعض الأحيان, ما نقوله عن التزامنا بالتسامح وحرية الآخرين في اعتناق ما يريدونه, يذهب أدراج الرياح عندما يتم اختباره”.
كان باول (وهذا ليس اسمه الحقيقي) واحدًا من 50 رجلًا شاركوا في مشروع الـ 18 شهرًا في مركز الدراسات الإسلامية بجامعة كامبريدج, وحالته تلك تسلط الضوء على أنواع التحامل والتعصب الذي يشعر بها غالبية من يعتنقون الإسلام حديثًا في بريطانيا هذه الأيام.
ويقول البروفيسور سليمان أن أحد أهم النتائج المميزة لهذه الدراسة هي التنوع غير العادي في الطرق التي اتخذها هؤلاء الناس لاعتناق الإسلام.
وجد بعضهم إيمانه من خلال اهتمامه بالموسيقى أو الهندسة المعمارية أو الطعام أو الفن, كما يقول سليمان، واعتنق بعضهم الإسلام اتباعًا “لرؤيا كاشفة” في الحلم, وآخرين اعتنقوه بعد لقائهم بشخصٍ ما أحبوه, بينما اعتنق أحدهم الإسلام بالرغم من عدم لقائه بأي مسلم آخر طوال حياته.
يقول البروفيسور سليمان: “نحن في عصر الحداثة, حيث تسيطر العلمانية على الإطار الاجتماعي والسياسي الذي نعيش فيه”، وأضاف: “وفي هذا الإطار, يُنظر إلى الإسلام على أنه قمعي وعنيف وأبعد ما يكون عن التناغم مع العقلانية في العالم الحديث”.
وأردف سليمان موضحًا: “وبالرغم من سيطرة العلمانية, فمازال هناك بعض الأشخاص الأذكياء جدًا والمثيرين للاهتمام الذين وجدوا أن الإيمان يمنحهم الأجوبة لما يواجهونه في هذا الاتجاه – وقد وجدوا أن وجهتهم ومبتغاهم في هذه الرحلة هو الإسلام”.
ومع تنوع خلفيات الرجال المشاركين في الدراسة فقد اتفقوا جميعًا على الرؤية التي تقول بأن التحامل والتعصب ضد الإسلام قد ازداد في السنوات الأخيرة, وإن وسائل الإعلام تلعب دورًا مؤثرًا في هذا الأمر.
يقول باول أن زوجته ربما لم تكن لتتركه لو أنه اعتنق البوذية مثلًا, فهي لم تتركه لأنه اعتنق دينا ما, لكن القضية الكبرى هي اعتناقه للإسلام بالتحديد, بسبب “الصورة السلبية” المنتشرة عنه هذه الأيام.
سمع البروفيسور سليمان من بعض الرجال أنهم كانوا أكثر حظًا لأن عائلاتهم قد فسّرت إيمانهم الذي اكتشفوه حديثًا على أنه “إيمان مصلحة”، ربما لأنهم كانوا يرغبون في التزوج من سيدات مسلمات، بدلًا من حقيقة أنه “إيمان اقتناع” , وكان هذا من أكثر الآراء العامة انحطاطًا عن الإيمان.
معتنقو الإسلام الجدد ساخطين قبل كل شيء من حقيقة أن أقلية صغيرة ومتطرفة من الإسلاميين ذوي التفكير الرجعي, قد شوهوا نظرة العالم لدينهم وجعلت حياتهم أكثر صعوبة.
وأضاف البروفيسور سليمان/ “إنهم مستاؤون لأنهم قد وجدوا أجوبة لأسئلتهم في الإسلام, ثم فجأة أصبحت تجربتهم الآن مصبوغة ومطعونٌ فيها بوجود المتطرفين والإرهابيين”، وتابع: “إنهم غاضبون لأنهم يعتقدون أن هؤلاء الناس قد اختطفوا الإسلام وأن الصوت الحقيقي للإسلام – الذي لا يحث على هذا النوع من التطرف العنيف – قد تم تهميشه”.
تحدثت “الاندبندنت” مع بعض هؤلاء المعتنقين للإسلام في دراسة مجهولة ممن كانوا مستعدين لمشاركة قصصهم.
آلان روني
” لقد اعتنقت الإسلام رسميًا في سبتمبر 2014 بالرغم من أنني كنت أمارس الشعائر الدينية قبل ذلك بعدة أشهر, لقد فعلت ذلك فقط من خلال قراءة القرآن وتعلُّم مبادئ الصلاة من خلال الكتب والبحث عن بعض النقاط على الإنترنت, كل ذلك قبل أن أتواصل مع أي شخص مسلم”.
“إنني منعزل إلى حد ما في إنفيرنيس (مدينة اسكتلندية) لكنني على دراية تامة بما يحدث وبالقضية المتعلقة بالتطرف والتي كان لها تأثير مخيب للآمال عليّ وعلى زملائي المسلمين، وخاصةً عند وقوع حادثة إرهابية, حيث تستطيع أن ترى بوضوح تأثير هذا الوابل المستمر من السلبية على الأشخاص من حولك, وانحناء قامتهم وانخفاض روحهم المعنوية”.
” أعتقد أن سبب ذلك هو عجزنا عن القيام بأي شيء لمكافحة السلبية أو تحدي من يرتكبون جرائم العنف تلك, نحن نشعر بالعجز الشديد”.
مارك بارت
” لقد كنت دائمًا مؤمنا بوجود الله, لكنني لم أكن مقتنعا باللاهوت المسيحي, وقد ألهمتني قصائد جلال الدين الروميّ إلى البحث بعمقٍ أكثر عن الإسلام وقراءة القرآن”.
“لقد غيّر حياتي تمامًا، خاصةً محاكاة الإسلام السني لطريقة حياة النبي محمد وأصحابه معاً وتسيير أمورهم في المدينة معًا, بطريقة مناسبة للعصر والمكان الذي نعيش فيه”.
“وعلى عكس الآخرين , فقد قامت عائلتي بتقديري ودعمي لتأثير إيماني الجيد عليّ كشخص وكفرد في العائلة”.
” كان التحدي الأكبر هو تجاوزجميع المعلومات المغلوطة والإيدولوجية والطائفية, والتفسير العام بأن هذا هو الدين”.
” بالنسبة لي, إذا كان هناك ما يجب على الإسلام أن يقوم به, فهو تسليط الضوء على النواحي الإيجابية, والتوقف عن إعطاء المصداقية لفكرة أن جماعة مثل داعش تمثل الإسلام بأي شكل من الأشكال, فهم يقومون بما قامت به محاكم التفتيش الكاثوليكية والتي قالت أنها تطبق تعاليم المسيحي, أو الإرهاب الفرنسي الذي ادّعى أنه يمثل الديموقراطية وحقوق الإنسان”.
موريس عرفان كوليز
” لقد اعتنقت الإسلام منذ عام 1999, رغبةً في الحصول على طريق روحي لإرضاء رغبتي في التواصل مع شيء ما أكبر من ذاتي, وأشعر الآن بعد بحثٍ طويل أنني أصبحت أخيرًا في بيتي”.
“لكوني رجل ذو خلفية مسيحية ومتزوج من هندوسية, كان التحدي الأكبر الذي واجهته في البداية هو ردود فعل المجتمع المحيط, وعندما حدث ذلك, كان الجميع بشكل عام داعمين بشدة ومهتمين بأسباب اقتناعي بهذا الدين, وبشكلٍ عام كانت ردود فعل المجتمع حنونة ورحيمة”.
“الجهاديون لديهم أفضل الخطط مثل شيطان ميلتون (الشيطان في قيصدة جون ميلتون: الفردوس المفقود), فرسالتهم المبسطة في العنف تلقى جاذبية سريعة لدى وسائل الإعلام، وتثير أيدولوجيتهم درجة مخيفة من ردود الفعل السلبية تجاه الإسلام عمومًا، والتي تقوم بتغذيتها بشكل أكبر؛ فرسالة الإسلام الأساسية التي تقوم على الرحمة والسلام لا تستطيع فرض نفسها على الصحافة المثيرة المتحيزة”.
عبد المالك تايلور
” لقد حدثت أشياء عديدة عندما اعتنقت الإسلام, كان ذلك منذ 20 عامًا مضت – كان وقتاً عصيبًا جدًا وفترة لن أنساها ما حييت, فقد عانيت من الإيذاء الجسدي والنفسي من قِبَل عائلتي”.
“بالنسبة لي ولباقي معتنقي الإسلام من البشرة السمراء، فقد كان المجتمع يعود بقضيتنا الإيمانية دائمًا لقضية التقسيم بين الهند وباكستان وبنجلاديش, لقد حاولوا تحدي فكرة الإيمان بأكملها وقالوا بأننا تعرضنا لعملية غسيل دماغ”.
“بالنسبة لي فقد حصلت على الإنذار الأخير, كان عليّ أن أغادر المنزل, هذا ما قاله والدي, إما أن أترك هذا الدين أو أرحل, كان عمري 18عامًا في ذاك الوقت”.
“بعد مرور عام, تُوفيّ والدي وكان مُتوقَعاً أن أقوم بأداء جميع الشعائر الهندوسية لأنني ابنه الوحيد, لم أستطع أن أفعلها وكان هذا تحدياً آخر”.
“اليوم يبدو أن التركيز منحط على موضوع التطرف، أو ما يُطلق عليه اسم التطرف، فإذا تصادف الأمر وقام أحد المهتدين للإسلام بأفعال متطرفة، فسوف ينصب تركيزهم على هذا الأمر”.
“أما عندما ينجح المهتدون للإسلام، يساهمون في خدمة المجتمع وبريطانيا، ويشاركون في المشاريع المختلفة, فنجد أن وسائل الإعلام لا تسلّط الضوء عليهم, وإن كنت تتسائل لماذا, فالجواب هو أن وسائل الإعلام لديها برنامج لتشويه صورتنا”.
أحمد باول كيلير
” لقد اعتنقت الإسلام منذ عام 1975 , لذا فأنا الآن مسلم منذ 40 عامًا, والتغير الذي شهدته من حيث علاقة الناس بالإسلام يبدو أمرًا استثنائيًا، فعندما اعتنقت الإسلام, لم يكن الإسلام يمثل أي مشكلة, أما الآن وبعد 40 عامًا , أصبح الإسلام قضية كبيرة”.
” كان التوقيت جيدا بالفعل عندما اعتنقت الإسلام, فلم يكن هناك أي نوع من العدواة والخوف كالتي يشعر بها الناس الآن تجاه الإسلام”.
” أعتقد أن هذا هو أكبر تغيير, التغيير الجوهري”.
وارين (ريّان) كليمنتسون
“بشكلٍ عام, عندما أرى “المهتدين” على شاشة التلفاز, فإنهم عادة ما يكونوا متطرفين, ومشاركين في أنشطة متطرفة سواءاً كانت عنيفة أو غير عنيفة”.
” بالنسبة لي شخصيًا فهذه ضربة مزدوجة, فهي تقدم أولًا صورة سلبية عن المسلمين ككل, وثانيةً بشكل فرعي, حيث يتم تصوير مجتمع “المهتدين” بأنه متطرف، فهناك تصوّر بأنهم أكثر عرضة لأيدولوجية العنف”
” ولأنني أحد هؤلاء المهتدين والتقيت بالكثير منهم , فهذا التصوّرهو مجرد مغالطة وأكذوبة”
ماثيو بورجوين
“في عائلتي التي نشأت معها تربينا دائما على الانفتاح, لا أعتقد أنني كنت يومًا ما شخصا ضيق الأفق، لقد علموني دائمًا أن أرحب بأي شخص وأن أفكر في الأمور بحرية, لذا أعتقد أن تأثيرهم عليّ عندما بدأ التفكير في الدين, هو أن أكون قادرًا على الاستكشاف بدلًا من الثبات على نفس طريقي”.
“ولكن عندما أخبرتهم أنني أصبحت مسلمًا, شكّل الأمر صدمة كبيرة , وأظهر بعض التعصب والتحامل الذي كان مخفيًا”.
“لقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى تهدأ الأمور, ولكن بمرورالوقت أصبح الوضع طبيعيًا أكثر, وكلما شاهدوا أنني ما زلت ابنهما وأنني لم أتغير بغض النظر عن إيماني, كلما كانوا أكثر قدرة على فهمي والتعامل مع قراري”.
المصدر: الإنديبندنت