انطلقت تحذيرات دولية قبيل انعقاد اجتماع متعلق بالأزمة السورية في مدينة ميونخ الألمانية، حيث اعتبره مراقبون بأنه لقاء الفرصة الأخيرة بين مجموعة عمل سوريا، خاصة بعد فشل مؤتمر جنيف 3، وتطور الأوضاع الميدانية على الأرض في سوريا من تزايد للقصف الروسي العنيف على مدينة حلب ما مكن قوات النظام السوري من تطويقها.
بالإضافة إلى تدشين حلف الناتو للجبهة السورية كأحد الجبهات التي سيعمل عليها الحلف في الفترة المقابلة لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في المنطقة، بالتزامن مع إطلاق تصريحات سعودية تعرب عن استعداد المملكة لإرسال قوات برية إلى سوريا بالاتفاق مع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
كانت هذه الأجواء المحيطة قبل انطلاق اللقاء أمس بحضور الدول المعنية بالقضية السورية، ممثلة في روسيا وإيران نيابة عن النظام السوري، والولايات المتحدة وشركائها من الأوروبيين ودول الخليج الممثلة للمعارضة السورية، في محاولة شبه أخيرة لإيجاد صيغة لحل الصراع في سوريا.
وقد تمخض الاجتماع عن إعلان مجموعة دعم سوريا المجتمعة في ميونخ الاتفاق على وقف لإطلاق النار خلال أسبوع، وتشمل هذه الهدنة بحسب بيان المجموعة إيقاف جميع أعمال العنف على الأراضي السورية، فيما عدا مواجهات من وصفها البيان الصادر عن الاجتماع بـ “الجماعات الجهادية” جبهة النصرة، وتنظيم الدولة.
وأكد المجتمعون أيضًا أنهم اتفقوا على البدء في تقديم المعونات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة خلال الأسبوع الحالي، وذلك من خلال إنشاء قوة تابعة للمجموعة لضمان توصيل تلك المساعدات إلى الأطراف كافة. داعين إلى استئناف محادثات جنيف بأسرع ما يمكن.
على الصعيد الروسي كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد قال في وقت سابق إنه تقدم بمقترح لوقف إطلاق النار في سوريا خلال بداية شهر مارس المقبل، لكن بعد اجتماع عُقد مع نظيره الأمريكي جون كيري قبل المحادثات في ميونخ؛ خرج قرار مجموعة دعم سوريا بإيقاف إطلاق النار خلال أسبوع واحد أي أنه تم تقليص المهلة الروسية من أسبوعين إلى أسبوع واحد باتفاق أمريكي روسي.
هذه الصيغة التي خرجت بها مجموعة دعم سوريا هي أقرب للهدنة المؤقتة منها إلى إنهاء الحرب أو وقف القتال كما تروج وسائل الإعلام، أي أنها فرصة لالتقاط الأنفاس بين المتصارعين على الأرض في سوريا، ومن ثم يُفترض أن تنهار هذه الهدنة في أي وقت يُقرر فيه طرف من الأطراف مواصلة القتال مرة أخرى.
كما أن هذا الوقف المؤقت لإطلاق النار لن يُنفذ في الحال، إذ يتطلب الأمر أسبوعًا كاملًا لدخوله حيز التنفيذ، حتى هذا التنفيذ لن يكون كليًا إذ ستستمر العمليات ضد ما أسموها “الجماعات الجهادية” محددين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلا أن المجموعة الدولية تتغافل عن مفهوم الجماعات الجهادية لدى الروس والذي يختلف تمامًا عما حددته الدول المعنية بالقضية السورية، بعدما اختبروه جيدًا في السابق عندما تدخلت روسيا في سوريا تحت ذريعة محاربة داعش، ونفذت أكثر من 90% من هجماتها ضد المعارضة المسلحة لنظام الأسد، مع بعض الهجمات الديكورية الأخرى على داعش، وهو ما معناه أن كل من يُعارض الأسد ستستمر روسيا في قصفه تحت غطاء “الجماعات الجهادية”.
هذا القرار بوقف إطلاق النار بهذه الصورة سيكون معناه أنه وقف لإطلاق النار من جانب واحد، وهو جانب المعارضة السورية المسلحة، وتطبيقه معناه السماح لروسيا ونظام الأسد بسحق المعارضة تمهيدًا لفرض واقع جديد على الأرض، وهو أمر يعلمه الأمريكيون جيدًا الذين صرحوا على لسان وزير خارجيتهم في السابق أنه باستمرار الأمر على هذه الوتيرة فسوف تنتهي المعارضة السورية المسلحة في غضون 3 أشهر.
اجتماع ميونخ الأخير يأتي استكمالًا لسلسلة من التحركات الدولية التي تُطيل من أمد الأزمة السورية بغطاء إعلامي يُروج لعكس ذلك، حيث أنتج اجتماع ميونخ هدنة مع إيقاف التنفيذ لكن وزير الخارجية الأمريكي أصر على اعتبار الأمر إنجازًا أمام الصحفيين بحديثه عن إحراز تقدم في بيان ميونخ على الجانب الإنساني ووقف الأعمال العدائية، عن طريق إعلان المجتمعين عن توسيع دائرة عمل المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة بجانب تنفيذ وقف للأعمال العدائية خلال أسبوع.
بالرغم من أن أسبوع القتال هذا المتبقي سُيطبق الحصار على مدينة حلب التي تعاني من ويلات القصف الروسي المستمر، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي يرى ذلك إنجازًا أيضًا، كما أن روسيا استثنت عمليتها العسكرية من هذه الهدنة تحت شعار قتال داعش، والتي ستستمر ربما في ضرب معاقل المعارضة السورية، وهذا بحسب ما قاله وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف، في مؤتمر صحفي مشترك عقده، فجر الجمعة، مع نظيره الأميركي جون كيري، والمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
وفيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية المذكورة، قال بيان ميونخ، إن “تسليم المساعدات يبدأ هذا الأسبوع جوًا إلى مدينة ديرالزور”، وهذه العملية ستحدث بالتوازي مع تسليم مساعدات “في وقت واحد إلى بلدات الفوعة وكفرية في ريف إدلب، والمناطق المحاصرة من ريف دمشق، مضايا، معضمية الشام، وكفر بطنا، عن طريق البر. وتستمر عمليات إيصال المساعدات ما دام هناك احتياجات إنسانية. بالإضافة إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق الأكثر إلحاحًا سيكون خطوة أولى نحو الوصول الكامل والمتواصل، ومن دون عوائق في جميع أنحاء البلاد”.
هذه الصورة لا يمكن إطلاق عليها سوى هدنة لالتقاط الأنفاس ولكنها أيضًا غير مكتملة وقد يُطلق عليها البعض “هدنة مع إيقاف التنفيذ” إذ أن جميع الأطراف غير ملتزمة فيها بوقف إطلاق النار الفوري، كما أنها تُشكل فرصة لمقاتلي النظام السوري لإجلاء جراحهم وإعادة ترتيب أوراقهم على الأرض مع استمرار العملية العسكرية الروسية المساندة لهم، في المقابل سيكون على المعارضة السورية أن تتوقف عن القتال مع استمرار دك مواقعها عن طريق المقاتلات الروسية.
فيما شددت روسيا خلال اجتماع جينف لوسائل الإعلام على شدد على أنها لن توقف حملتها العسكرية على “تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا”، كما عبر وزير خارجيتها أن من يظن “أن تغيير نظام الأسد سيكون له مردود إيجابي” هو شخص “واهم”، وهي إشارة إلى التمسك الروسي بنظام الأسد على عكس ما تعبر عنه دول أخرى كانت مجتمعة في ميونخ على نفس الطاولة مع روسيا كالسعودية التي لا زالت تردد مسألة ضرورة رحيل الأسد الحتمية.
تباينات عدة تشهدها هذه الاجتماعات الدولية، ففي الوقت الذي تصرح فيه السعودية بإمكانية خوض حرب برية داخل سوريا، يُحذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف من خطر نشوب “حرب عالمية جديدة” في حال حصل هجوم بري خارجي في سوريا، وهو ما يمكن اعتباره ردًا على التصريحات السعودية.
حيث قال مدفيديف إن “الهجمات البرية عادة تؤدي إلى أن تصبح أي حرب دائمة”، مضيفًا أنه “ينبغي إرغام جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلًا من التسبب في اندلاع حرب عالمية جديدة”.
وشدد على أنه “يجدر بالأميركيين والعرب التفكير مليًا: هل يريدون حربًا دائمة، وهل يعتقدون أن بوسعهم تحقيق انتصار سريع في مثل هذه الحرب؟ إن أي شيء من هذا القبيل مستحيل، وخصوصًا في العالم العربي”.
المساومات الروسية مستمرة والولايات المتحدة تفتعل الحياد السلبي وتكبح السعودية وتركيا عن أي رد فعل عسكري في سوريا على تطويق المعارضة السورية المسلحة، مع إعطاء الروس والنظام مهلة لمدة أسبوع لتحسين وضعهم الميداني أكثر قبيل الهدنة المزعومة.
في الوقت الذي يُصرح فيه كيري بأن بلاده “ليست مسؤولة عما يحدث في سوريا”، معتبرًا أن هناك “لحظة مهمة يجب أن يدركها الجميع”، وهو تنصل أمريكي واضح يجعل الارتماء في أحضانها من قبل السعوديين والأتراك فيما يخص الشأن السوري موقف غير واضح وغير مفهوم.