أكدت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس سهام بن سدرين أن الهيئة قد تجاوزت الصعوبات التي اعترضتها في بداية مسار العدالة الانتقالية في البلاد، وأوضحت بن سدرين خلال لقائها بعدد من ضحايا سنوات الاستبداد أنها تعمل بنسق سيمكنها من معالجة الملفات وتحقيق المهمة التي بعثت من أجلها، والتزام الهيئة المطلق في السير بخطى ثابتة لتحقيق أهداف العدالة الانتقالية ومنها إنصاف الضحايا.
وتجمع عشرات التونسيين المتمتعين بالعفو التشريعي العام أمس أمام المقر المركزي للهيئة بضاحية المونبليزير بالعاصمة لمطالبة الهيئة والحكومة بالإسراع بتنفيذ استحقاقات العدالة الانتقالية في إنصاف ورد الاعتبار وجبر الضرر لضحايا نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي السابقين، ورفعوا شعارات تطالب بمحاسبة كل من يثبت تورطه في جرائم ضدهم في سنوات الاستبداد، منها “المحاسبة استحقاق لا مراوغة ولا نفاق”، و”رد الاعتبار واجب”.
وطالب المتمتعون بالعفو العام من هيئة الكرامة التدخل لدى رئيس الحكومة الحبيب الصيد لإصدار أمر ترتيبي لتفعيل “صندوق الكرامة” ومعالجة الحالات المستعجلة بشكل فوري وتقديم مقدم لجميع الضحايا المتمتعين بالعفو التشريع العام من مختلف الشرائح السياسية دون استثناء، بالإضافة إلى تدخل الهيئة لدى السلطات المعنية لتفعيل قرارات الانتدابات المعطلة لفائدة عدد من المنتفعين به.
وقال حسين بوشيبة رئيس جمعية الكرامة (أهلية) في تصريح لنون بوست “جئنا للهيئة لا لنعبر عن رفضنا لها بل احتجاجًا على البطء في قيادة مسار العدالة الانتقالية داخليًا وخارجيًا، وكي نطالبها بتسريع استحقاقات هذا المسار”، وتابع استحقاقات العدالة الانتقالية اليوم تتمثل في الكشف عن الحقيقة وجبر الضرر الاستعجالي والعدالة وضمان عدم تكرار ممارسات الماضي”.
وطالب بضرورة إشراك “جدي وغير رمزي للمجتمع المدني وجمعيات الضحايا”، وأشار إلى مسؤولية الدولة في إنجاح هذا المسار والقيام بجزء من جبر الضرر لضحايا سنوات الاستبداد حسب ما ينص الفصل 12 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها على “توفر الدولة العناية الفورية والتعويض الوقتي لمن يحتاج إلى ذلك من الضحايا وخاصة كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة دون انتظار صدور القرارات أو الأحكام المتعلقة بجبر الضرر”.
وتأسست الهيئة الدستورية “الحقيقة والكرامة”، بمقتضى القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، ويهدف عملها إلى “تفكيك منظومة الاستبداد، وتيسير المرور نحو دولة القانون بكشف الحقيقة عن انتهاكات الماضي، وتحديد مسؤولية الدولة فيها، ومطالبة المسؤولين عنها بالاعتذار ورد الحقوق”، حسب بيان تأسيسها، وحدد قانون العدالة الانتقالية مجال اهتمام وعمل الهيئة في البحث والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان بين 1 يوليو 1955 (تاريخ الاستقلال عن فرنسا) و31 ديسمبر 2013 (تاريخ صدور القانون)، وتتمثل هذه الانتهاكات بالخصوص في القتل العمد، الاغتصاب، كل أشكال العنف الجنسي، التعذيب، الاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات والمحاكمة العادلة.
وشهدت تونس بعد ثورة يناير 2011 العديد من الإجراءات التي تصب في خانة العدالة الانتقالية، من ذلك محاكمة عدد من قياديي النظام السابق وتمرير قانون العفو العام الذي تم إقراره لفائدة المساجين السياسيين.
كما تم تكوين لجنتين لتقصي الحقائق بعيد سقوط نظام بن علي بهدف الكشف عن حقيقة الانتهاكات التي ارتكبت خلال الثورة وتجاوزات النظام السابق، وهي اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول ملفات الفساد والرشوة التي ترأسها المرحوم عبد الفتاح عمر، واللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة منذ 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها، والتي ترأسها الأستاذ توفيق بودربالة.
كما عرف مسار العدالة الانتقالية في تونس تركيز برامج لجبر الضرر والتعويض خاصة لفائدة شهداء وجرحى الثورة والتي تم إحداثها بمقتضى المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فبراير 2011 والمتعلق بالعفو العام، والمرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 والمتعلق بالتعويض لشهداء ثورة 14 يناير 2011 ومصابيها والذي تم توسيعه فيما بعد ليشمل ضحايا الحوض المنجمي، وتنص هذه المراسيم على التعويض المادي لفائدة الضحايا وتوفير العلاج والتعليم لعائلاتهم وكذلك مجانية التنقل.
وقد اعتبر “المركز الدولي للعدالة الانتقالية”، أن “تونس قطعت شوطًا هامًا في مسار العدالة الانتقالية، عن طريق سنّ القوانين المتعلقة بها، التي تنص على محاسبة مرتكبي الانتهاكات من قتل وتعذيب وترويع وفساد مالي وغيره في حق التونسيين، ثم تعويض المتضررين، فردّ الاعتبار، وأخيرًا المصالحة وتخصيص لجنة عليا لذلك، وهي هيئة الحقيقة والكرامة.
وتسعى تونس إلى الالتحاق بالدول التي عرفت نجاحًا في مسالة العدالة الانتقالية إثر فترات النزاع أو الديكتاتورية كبولونيا، المجر، الأرجنتين، جنوب إفريقيا، وفي المغرب الأقصى.
ويرى بعض الخبراء أن استهداف هيئة الحقيقة والكرامة هو استهداف لمؤسسات الدولة العمومية الدستورية ولمسار العدالة الانتقالية ومن ثمة استهداف لمسار الانتقال الديمقراطي، ويعتقدون أن نجاح الهيئة في مهامها هو نجاح الدولة التونسية والطبقة السياسية ومكونات المجتمع المدني في رهان الانتقال الديمقراطي من الثورة إلى الدولة، وضرورة استثمار هذا النجاح إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، كالاستثمار في جائزة نوبل للسلام وصورة تسليم علي العريض مقاليد رئاسة الحكومة لمهدي جمعة.